بعد أن تقدم والد الطالب رعد 12 عاما بشكوى مرفقة بتقرير طبي ضد المعلم عزا58 عاما، اقتادته الشرطة من المدرسة التي يعمل فيها مدرسا لمادة الرياضيات منذ 34 عاما على مرأى من عيون أكثر من ألف طالب، والشكوى أن المعلم قام بضرب الطفل أربعة عصي لعدم حفظه لجدول الضرب، وعند وقوف المشتكي والمشتكى عليه أمام القاضي بعد يومين من حجز المعلم في الزنزانة، ثار القاضي في وجه والد الطفل وعنفه وطرده قائلاً له " لولا ضرب المعلم لي لما أصبحت قاضياً"، وأمر بإخلاء سبيل المعلم بعد الاعتذار له متحملا كامل المسؤولية. بالمقابل يقول والد الطالب زياد 14 عاما " عاد ابني من المدرسة وإصبعه مكسور، وبعد أن عالجته ذهبت به إلى المدرس وقلت له في المرة القادمة اكسر له جميع أصابعه ولا تهتم, فهذا لمصلحته". وبالرغم من مصادقة الأردن على "اتفاقية حقوق الطفل" عام 1991، و"اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة" عام 1991 أيضاً،و منع الضرب في المدارس على أساس هاتين الاتفاقيتين لم يمنع هذا الأمر قيام اثنين من مدراء المدارس بمعاقبة طالبين "بالبربيش" ونشر صورهما على الصفحة الأولى لإحدى الصحف المحلية وعلامات الضرب بادية عليهما الأمر الذي هز المجتمع الأردني بداية هذا العام الدراسي. ظلت الفكرة عن المعلم أو المربي في المجتمعات الشرقية على انه ذلك الإنسان العابس الذي يحمل بيده العصا التي تشكل رادعا كبيرا للطالب, وبقيت هيبة المعلم تفرض نفسها في المجتمع حتى وقت قريب. إلا أن هذه الفكرة تغيرت في العشرين عاما الأخيرة بعد أن نشطت الجمعيات الحقوقية التي تنادي بمنع الضرب والاهانة للطفل، فتغيرت مهام وصلاحيات المعلم حتى أصبح ينظر إليه على انه الحلقة الأضعف. وتعتبر ظاهرة الضرب في المدارس من اكبر المشاكل التي تشغل المسئولين في مجال التعليم، حيث تباينت حولها الآراء بين مؤيد ومعارض. وبحسب تقارير منظمة الأممالمتحدة للطفولة"اليونيسيف" يقضي الأطفال في جميع أرجاء العالم معظم وقتهم خارج البيت في رعاية الكبار الذين يشرفون على العمل في المؤسسات التعليمية، التي تلعب دورا هاما في حماية الأطفال من العنف. ويتحمل الكبار الذين يشرفون على العمل في المؤسسات التعليمة مسؤولية توفير بيئة آمنه تعمل على دعم وتعزيز كرامة الطفل وتطوره. وتبين انه في العديد من الأحيان تعرض المؤسسات التعليمية الأطفال للعنف، وقد تعلمهم استخدامه في كثير من الأحيان. ويتضمن العنف الذي يمارسه المعلمون والعاملون في المدارس سواء أكان بمعرفة أو بموافقة السلطات المشرفة على المدارس أولا العقاب الجسدي ومختلف أشكال العقاب النفسي المهين أو القاسي والتخويف حيث يعتبر العقاب الجسدي كالضرب أو استخدام العصا من الممارسات المعتمدة في العديد من الدول ، في حين تطالب اتفاقية حقوق الطفل الدول الأعضاء باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان إدارة النظام في المدارس على نحو يتوافق مع هذه الاتفاقية. وتبين تقارير المبادرة العالمية لإنهاء كافة أشكال العقاب الجسدي أن 102 دولة حظرت استخدام العقاب الجسدي في المدارس، ولكن الالتزام بتنفيذ هذا القرار يتراوح من بلد إلى آخر. كما بينت أن أكثر من 70 بالمائة من الأطفال يتعرضون للإساءة اللفظية من أولياء الأمور والمعلمين والإداريين في المدارس حيث أثبتت هذه الدراسات أن تعرض الطفل للعقاب البدني أو النفسي من معلميه يفقده الشعور بالأمان في المدرسة، ويدفعه إلى التغيب عنها، ويولد لديه الاكتئاب والحزن والخجل والارتباك والعنف والرغبة في الانتقام وجميعها آثار سلبية تتناقص مع الرسالة التعليمية والتربوية للمعلم. ويرى بعض التربويين أن العنف يؤدي إلى عنف مضاد وبالتالي يخلق مشاكل للمعلم فالمعلم المتمكن من مادته ومن إدارته الصفية يستطيع معالجة أي ظرف طارئ. وقد أثبتت الدراسات أن استخدام العنف بأشكاله المختلفة قد سبب توترات عصبية وأمراضا في النطق وفي التفكير ويشجع كثيرا من التلاميذ على الانطوائية ومن ثم التسرب من المدرسة.فالعقاب البدني في المدارس ليست ظاهرة جديدة، وإنما قديمة، والتلميذ هو الضحية، فجميع العاملين في المدرسة آنذاك لديهم الصلاحية في الضرب فقد يضرب الطالب لتقصيره في أداء الواجبات، أو لسلوكه الخاطئ، أو للتأخر عن طابور الصباح، أو للغياب، وكل ذلك يؤدي إلى انعكاسات سلبية على نفسيات الطلاب وسلوكياتهم، ويولد لديهم ردود فعل سلبية نحو التعليم والتعلم. ويرى الكثير من المعلمين انه من الصعب فرض النظام في الغرفة الصفية دون استخدام العقاب مع الطلبة، حيث انه من طبع الطالب حب إثارة المشاكل بقصد نيل إعجاب الطلبة الآخرين، ومقابل ذلك يجب أن يكون هناك رادعا يمنع الطلبة من ممارسة مثل هذه الأعمال التي تضيع وقت المعلم الذي يحتاج إلى بيئة هادئة لإيصال المادة التعليمية للطلاب. وينادي المرشد التربوي محمد بنات باستخدام ما يسمى ب" أبدال العقاب البدني" كوسيلة رادعة للطلاب مثل أن يتم تزويد جميع المدارس بالمرشد الطلابي الذي يساعد في حل مشاكل الطلبة بعيدا عن الغرفة الصفية الأمر الذي يرفع بشكل كبير الضغط عن المعلم. بالإضافة إلى تزويد المدارس بالنشرات والكتيبات للتوجيه والإرشاد. وتهيئة البيئة المدرسية لتصبح بيئة جذب للطالب. ويرى بنات أن تخفيض نصاب المعلم المتميز ، والاستفادة منه في رعاية الطلاب في الجوانب التربوية ورعاية السلوك يعطي المعلم دفعة معنوية للتعامل مع الطلبة بتركيز أعلى يساعد على إعطاء نتائج أكثر ايجابية. وقد نصت تعليمات الانضباط الطلابي في المدارس في الأردن وتعديلاتها رقم (1) لسنة 2007 على انه ينبغي للمدرسة عدم اللجوء إلى العقاب البدني والنفسي والعاطفي بأي صورة من الصور ، وعدم السخرية والاستهزاء أوالتجريح بالطالب لأي سبب من الأساليب ، وعدم تحقير الطالب أو إهانته أو إذلاله بأي شكل من الأشكال وكذلك عدم اللجوء إلى العقاب الجماعي لمخالفة ارتكبها أحد الطلبة أو مجموعة معينة منهم. ويتمثل الإجراء البديل لتوجيه سلوك الطلبة في مجموعة من الخطوات يتبعها المعلم أو المعلمة عند قيام أحد الطلبة بسلوك غير مرغوب فيه ، بحيث يسحب المعلم من جيبه بطاقة صفراء تشبه تلك التي يحملها حكام مباراة كرة القدم ، ويبرزها أمام الطالب الذي صدر منه الفعل غير المرغوب فيه، إشعارا للطالب بأنه ارتكب عملا يستحق التوجيه والتعديل. من ناحية أخرى يرى الكثير من أولياء الأمور والمعلمين وحتى بعض التربويين أن مثل هذه الإجراءات والقوانين تستهزئ بالمعلم وأنها مستوردة من دول الغرب التي تعطي افشل الأمثلة التربوية، ويرى هؤلاء بضرورة إعادة الضرب إلى المدارس، ولكن بشكل مدروس، حيث يعتقدون أن المستوى التعليمي للطلاب تراجع كثيرا بعد منع العقاب البدني، الأمر الذي يراه البعض مؤامرة للحط من قدر المعلم وبالتالي ضربة للعملية التعليمية في مجتمعاتنا. ومع تباين وجهات النظر حول استخدام الضرب أو عدمه، أصبح طموح المعلم بأن يعيد لنفسه هيبته التي ضاعت منه باسم حقوق الإنسان.