تبادل الرسائل مع مقربين منه للحصول على منحة مالية مقابل الكشف عن مكانه رغم كونه مهددا بالسجن لبضع سنوات، إلا أن معاناة عبد اللطيف الحقيقية ستكون في بعده عن حاسوبه وانقطاعه عن عالم "النت"بعدما تحول هوسه بالانترنت قبل ثلاث سنوات إلى إدمان أصيب على إثره بحالة اكتئاب . زادها حدة تعرض النسخة الالكترونية الوحيدة من بحثه لأجل "الليسانس" للتلف بسبب انقطاع مفاجئ في التيار الكهربائي ما تسبب في تكراره للفصل، لأول مرة بين سبعة إخوة من النبغاء. قدفعته محاولاته المتعثرة لتحقيق إنجاز الكتروني، أو اختراق يجعله مشهورا، إلى خوض مغامرة لم يتوقع عواقبها السيئة عليه وعلى أسرته ومستقبله الدراسي. وحسب محاضر الشرطة، يملك عبد اللطيف، 50 حسابا الكترونيا ما بين اسم نطاق وبريد الكتروني ( كلاهما تسميه الشرطة عناوين الكترونية)، وقبل سنة استغل مناسبة مرور عشر سنوات على حكم الملك محمد السادس، فقام بتصميم بوابة الكترونية ضخمة ضمنها معطيات وافية عن حياة الملك ومنجزاته ومعطيات أخرى تتعلق بالمغرب وتطوره في العهد الجديد. لم يجد سندا إلا من والدته من أجل التعريف بالمشروع الذي لم يلق اهتماما من أحد، ما اضطره لمراسلة الملك محمد السادس عبر الديوان الملكي. أحس عبد الطيف بالتجاهل ، فقام بحذف محتويات الموقع وعرض اسم نطاقه للبيع، وبدأ مشروعه الكبير: سينصب نفسه حكما لاختيار أفضل حاكم دولة في العالم، مستعينا بذكائه وهوسه بالإعلاميات ليخترع برنامجا روبوتيا يعتمد دوالا لوغارتيمية، ويتفاعل مع أحداث خارجية بطريقة معقدة فينقط رؤساء وملوك العالم اعتمادا على أدائهم في مختلف المجالات حسبما ورد في الموقع نفسه الذي يدعي أن التصنيف الذي يحتل فيه بارك أوباما المرتبة الأولى تشرف عليه لجنة من الحكام. ترجح عائلة عبد اللطيف أن يكون الموقع سبب اعتقاله، وتنفي أن يكون قد اعترف بالمنسوب له في محاضر الشرطة التي تقول أنه أمضاها تحت الإكراه ، دون أن يتمكن من قراءتها، بينما تضمنت محاضر الشرطة والمحجوزات، رواية مشوقة. مساء الجمعة، قصد المهووس غرفته المنعزلة وهو يفكر في فعل شيء ما؛ فقد تابع نشرة أخبار الحادية عشر ليلا على القناة الثانية المغربية وشاهد خبر سقوط طائرة الشيخ أحمد بن زايد آل سلطان، في بحيرة سد بنواحي مدينة الرباط يوم الجمعة 26 مارس 2010، وهي منطقة لا تبعد عن بيته بمدينة تمارة سوى بأميال قليلة. جلس إلى حاسوبه يتصفح الأخبار وبعد فترة قصيرة خطرت بذهنه فكرة. ولج إلى موقع خليجي مشهور تصدر صفحته الرئيسية خبر سقوط طائرة الأمير. أتم قراءة الخبر، توجه إلى أدنى الصفحة وكتب بلغة انجليزية لطيفة ما ترجمته الشرطة بشكل غير دقيق بما يلي : "أود إخبار السلطات المنتمية إليها تلك الشخصية ( تتجنب الشرطة الإشارة إلى الشيخ المفقود بالاسم في جميع المحاضر وتكتفي بعبارة الشخصية الهامة) بكونه في حالة جيدة ويتواجد بمنزلي ويرفض التوجه إلى المستشفى، لتلقي العلاجات وأنه لا يزال يعاني من آثار الصدمة نتيجة الحادث، ولا يتذكر ما حدث ويضيف "لا تقلقوا عليه. إنه محتاج لوقت حتى يستعيد راحته، وهو موجود بمنزلي الكائن بمدينة تمارة، وأوفر له كل ما يحتاجه وأبذل جهدي حتى يسترجع عافيته إن شاء الله. المرجو من السلطات أن تأخذ هذه الرسالة بجدية ولا أحد على علم بمكان تواجده بما في ذلك السلطات المغربية. اتصلوا بي فورا عبر موقعي الالكتروني (تقصد الشرطة عنوانه البريدي) وهو كالتالي (نقوم تعويض الحروف بنجوم لأجل إخفاء العنوان الحقيقي ) : ********@yahoo.com". وبينما بقى متسمرا أمام حاسوبه ينتظر جوابا محتملا، استغل وقته في تصفح مجموعة من المواقع الرسمية في دولة الإمارات العربية المتحدة وجمع عناوين بريدية وجدها متاحة للعموم على تلك المواقع، وبات ينتظر حتى الخامسة صباحا بدون نتيجة، قبل أن يقرر توجيه رسالة إلى من يهمه أمر الشيخ المفقود عبر عناوين مؤسسات وطنية. باشر العملية باتخاذ احتياطاته اللازمة حتى لا ينكشف أمره، وكان عليه أولا أن ينتحل هوية مستعارة كعادته حين يبحر على الانترنت مدردشا. هشام اسم يناسبه تماما، بل" ميستر" هشام. فتح ميستر هشام علبة بريده الالكترونية. نسخ النص الذي سبق وتركه كتعليق تحت خبر فقدان الأمير وألصقه في جسم الرسالة، كما ألصق أربعة عناوين بريدية جمعها قبيل قليل في خانة المرسل إليهم وتخص بوابة حكومة أبوظبي و مركز اتصال حكومة أبوظبي التابع لوزارة شؤون الرئاسة وعدة مسؤولين في وزارة شؤون الرئاسة، وكتب في خانة العنوان: "الشيخ أحمد بن زايد آل سلطان آل نهيان معي وفي صحة" وبعد أن طلب منهم إخبار السلطات الإماراتية بعدم قدرته على التواصل معهم، لم ينس أن يعبر عن أفضل متمنياته لدولة الإمارات قبل ضغط زر الإرسال على الساعة الخامسة واثنين وثلاثين دقيقة من صباح يوم السبت 27 مارس 2010، وذهب ليأخذ قسطا من النوم وهو يشك في توصله بجواب ما، فرغم أنه راسل أهم المؤسسات الإماراتية ، كان فقط يصرف وقت ليله الطويل حتى يطاوعه النوم. على الساعة الحادية عشر و37 دقيقة صباحا نوصل ميستر هشام عبر علبته البريدية برسالة هامة مقتضبة من شخصية رفيعة تقول: "إلى ميستر هشام المرجو تأكيد المعلومات الواردة برسالتك وذلك عن طريق الاتصال بي مباشرة على الرقم:971150668***** ، أو عن طريق الاتصال بالعنوان الالكتروني هذا" كانت جهة الإرسال تحيل على مسؤول أمريكي كبير في مؤسسة "مساندة" الاسم المختصر لشركة أبوظبي للخدمات العامة إحدى أضخم الشركات الحكومية في أبو ظبي والإماراتالمتحدة عموما، التي تأسست بمرسوم أصدره الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، وحاكم إمارة أبوظبي ، لتقديم خدماتها لحكومة أبو ظبي في أهم ثلاث قطاعات اقتصادية: خدمات المباني وإدارة المنشآت، خدمات التقنية، والخدمات المساندة للأعمال. وبينما يتشبث صاحب الرسالة بخيط أمل رفيع وينتظر ردا على أحر من الجمر من المنقذ المزعوم، كان ميستر هشام، يغط في نوم عميق كعادته طول النهار، حيث لم يتفقد علبة رسائله إلا بعد غروب الشمس، بعدما استقرت بها رسالة أخرى وردت مكررة من شخص من العائلة الحاكمة يشغل منصبا هاما في مؤسسة الإعمار القابضة، يطلب بمقتضاها من ميستر هشام إرسال صورة فوتوغرافية أو شريط فيديو يخص الشيخ المفقود حتى يتأكد من صحته ما يدعيه. وفي مصادفة غير محتملة تضم المحجوزات نسختين متطابقتين من رسالة واحدة مكررة تصرح الأولى أنها أرسلت على الساعة الواحدة و58 ثانية بينما تحمل الأخرى توقيت إرسال محدد في السادسة و58 دقيقة. وبينما شملت محاضر الشرطة إشارة للرسالة الثانية فقد أغفلت الإشارة للأولى رغم وجودها ضمن المحجوزات. فرك ميستر هشام ،عينيه وهو لا يصدق أن حيلته انطلت على شخصيات هامة، وتذكر بضعة أفلام شاهدها واستحضر ذكاءه المتقد الذي أزاحه خطأ بشري تسبب في إتلاف ذاكرة حاسوبه حيث كان بحث إجازته ينتظر الطبع، ومستعجلا دون تمعن في مضمون الرسالة قرر مواصلة المزحة وأرسل رده السريع الجاهز بعدما قص العنوان البريدي للمسؤول الرفيع المستوى في مؤسسة مساندة وألصقها بجانب عنوان قريب الأمير الشيخ: " هاي. الشيخ أحمد بن زيد آل نهيان يوجد معنا، مؤمن ومصدوم بسبب حادث سقوط الطائرة البارحة، لقد قمت بعمل إنساني جدا لحماية حياته، إنه في منزلي الآن في كامل الأمن والحماية، لا أحد يعلم أين بالضبط سواي أنا الذي وجدته يوم أمس بمنطقة تمارة ووالدي . قمنا بأقصى الاحتياطات لإبقاء هذا الخبر محصورا بيننا وليس مشتركا مع جهة ثالثة تعلم شيئا، أكثر ما يمكن أن أقوله لكم هو أنني الآن بمدينة تمارة. نطلب بعض المال، وبعد حصولنا عليه سنقوم بترك المنزل، وسنخبركم بالمكان المحدد، رقم المنزل والعنوان وكل المعلومات المطلوبة. وبمجرد أن يتم اصطحاب الشيخ أحمد بن زايد آل نهيان من طرف السلطات وتقوم بترحيله للإمارات، رجاء لا تنسوا أن تمنحونا منحة جزلة (تترجم الشرطة العبارة التالية التي وردت في المراسلة بفدية: " further grants" ) إننا فقراء ونريد القيام بتجارة هنا بالمغرب أو في الخارج. الوسيلة الوحيدة للتواصل معنا هي عبر هذا "الايمايل". لأسباب أمنية لا أستطيع منحكم رقم هاتفي، لكن سأفكر في هذا لاحقا. من فضلكم هذا جد مهم ونحتاج أحدا من أجل الحصول على المال في مقابل الخدمة التي قدمت. وحتى ذاك الحين، الشيخ أحمد بن زايد آل نهيان سيبقى معنا إلى حين تسلم الأموال." كانت ساعة الحاسوب تشير إلى السابعة وتسع دقائق مساء. وحين إعادة قراءة الرسالة الأميرية بعد الإرسال، اكتشف ميستر هشام ،أنه لم يتفاعل مع مطلب أقرباء الأمير، فضغط على زر" رد على الرسالة" حتى انفتحت له نافذة الرد وشرع يطقطق لوحة المفاتيح بينما عيناه لا تفارقان الشاشة: "سلام لكم الحق في طلب صورة أو تسجيل فيديو، لكننا نخبركم أننا لن نفعل أي شيء سيئ للشيخ أحمد بن زايد آل نهيان، حتى وان لم تصدقونا أو تثقوا بنا فقط لأننا طيبون ونعتبره مثل أخينا، لكن إن لم نتوصل بموارد مالية، فلن نخبر أحدا بمكان تواجده وسيبقى معنا آمنا بكل تأكيد. لقد طلبنا منه أن نأخذ له صورة لكنه يرفض المغادرة لأنه ما يزال تحت تأثير الصدمة ويرفض أن نأخذ له صورة أو فيديو. سنحاول معه مجددا ربما يقبل، ولن نقوم بنشر الفيديو في موقع يوتيوب، لكننا سنقوم بإرساله إلى بريدكم مباشرة لأننا لا نريد لأية صورة أو فيديو للشيخ أحمد بن زايد آل نهيان أن تكون منشورة لدى العموم على كل حال. بعد حصولنا على المال أود أن أخبر بأننا لن نعطي أي معلومة بخصوص مكان الشيخ أحمد بن زايد آل نهيان لأي من السلطات هنا، لكننا سنقوم بإرسال العنوان الصحيح لمجموعة من مواقع الانترنت الخاصة بحكومة الإمارات للتأكد من أن المواقع ستبلغكم بالعنوان الصحيح تجنبا لأي صراع أو خسائر، ومن أجل ضمان أن الشيخ احمد بن زايد آل نهيان سيعود مجددا للسلطات الإماراتية، وبالطبع انتم أيضا، ولن تعلم السلطات المغربية بذلك. أريد التكلم معكم على "سكايب" لأنني لا أثق بالهاتف النقال، إذا أردتم أرسلوا لي معرفكم سكايب، والوقت المناسب للتكلم معكم هو غدا بعد الظهر. تحياتي ميستر هشام." ثم ضغط زر الإرسال. خفض عينيه إلى أسفل يمين الشاشة ليتفقد الساعة فوجدها تشير إلى الثامنة مساء إلا دقائق. قصد المطبخ لتناول إفطاره وأخذ قسط من الراحة وهو يمني نفسه بالأموال وأحلام وردية. على الساعة الحادية عشر ليلا، سمعت الأسرة طرقا على الباب الذي سارع لفتحه أصغرهم ذو الأربعة والعشرين ربيعا حيث فوجئ برجال الشرطة يسألونه: هل أنت هو عبد اللطيف، ولما أجابهم بالإيجاب، شرعوا في تفتيش البيت حيث قاموا بحجز حاسوبين اثنين، واصطحبوا كلا من عبد اللطيف وأبيه إلى مركز الشرطة، حيث قضى الابن يومين من الاعتقال الاحتياطي، قبل أن يحال على وكيل الملك الذي أمر بإيداعه السجن ومتابعته في حالة اعتقال بتهمة محاولة النصب وإدخال معطيات في نظام للمعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال طبقا للفصول 540 و546و114 وما يليه و607 مكرر ست مرات من القانون الجنائي، حيث ينتظر أن تصدر المحكمة الابتدائية بالرباط حكمها في القضية يوم الثلاثاء 06 أبريل 2010. لكن أسئلة كثيرة ستبقى عالقة: هل سيستطيع الشاب عبد اللطيف قضاء سنوات من شبابه خلف القضبان في انقطاع عن عالم الانترنت، وهل يشفع له ويعفيه من العقوبة مرضه بالاكتئاب الحاد والاضطراب النفسي الناتج عن إدمان الانترنت وعجزه عن تقبل خسارة سنة دراسية وتلف بحث هام، أم أن الأمر كله لا يعدو كونه مأساة شاب تعرض لظلم مدروس، أو نكتة سمجة لم تضحك أحدا لكنها ستفطر قلوب الكثيرين.