♦ ملخص السؤال: فتاة متزوجة من رجل يتهمها بالتقصير، ويجبرها على خدمة أهله، بأسلوب غير مهذب، مع عصبية مستمرة، حتى وصل الأمر للضرب، وهي الآن في بيت أهلها وتسأل: ماذا تفعل؟
♦ تفاصيل السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تزوجتُ مِن عامٍ رجلًا شعرتُ بالنفور والضيق منه قبل الزواج، ولكن توقعتُ أن توتُّر الزواج وتجهيزاته السبب في هذا الضيق. مع بداية الزواج كنتُ أشعُر بسوء أخلاقه، وعَصَبِيَّتِه، وتلفُّظه بألفاظٍ غير مناسبةٍ، كما بدا عليه الغرورُ، وعرفتُ أنه يُدَخِّن! أتتْ والدةُ زوجي إلى بيتنا للعيش معنا بعد شهرين من زواجي، ومن بعدها وأنا أشعُر بالضغط النفسيِّ والجسديِّ، بسبب خدمتِها واستقبال ضيوفها، وعدم وُجود خادمة! دومًا يتهمني بعدم الرغْبة في خِدْمة أمِّه، ويقول: هذا مِن واجبك، ويأمرني بأسلوبٍ غير مهذَّبٍ، مع العصبية المستمرة، والاتهام بالتقصير المستمرِّ. طلبتُ منه خادمةً لتساعدني؛ لأني أخدم عددًا كبيرًا مِن الأشخاص بما فيهم أخته وأمه وإخوته الذكور، فرفَض، وحدثتْ مشكلة كبيرةٌ، قلتُ له: سأذهب لأهلي، فهدَّدني بالقتْل وقتل أهلي! ضرَبني بعد هذه المشكلةِ، وأجْبَرَني على استقبال ضُيوفِه وكنتُ متعَبَةً، فقال لي: إن لم تستقبليهم بِرِضاكِ، فسيكون استقبالُك لهم رغمًا عنك! ذهبتُ لأهلي، ولا أريد العودة إليه مرة أخرى، فلستُ مُطْمئنة له، ولا أشعر بالحب تجاهه! فماذا أفعل؟ الجواب
الأخت الفاضلة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم في شبكتنا. يقول الله - عز وجل -: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾[النساء: 34].
يُخطئ كثيرٌ مِن الأزواج في فَهم معنى القوامة هنا، ولا يفهم منها إلا معنى التسلُّط والقَهر والغلَبة، وليس هذا مُرادًا مِن الآية، بل المرادُ مِن الآية الكريمة أن الرجلَ عهد إليه بإدارة البيت، وليس بإبادته وإهلاكه!
والإدارةُ والقيادةُ لا تعني: التسلُّط، بل تعني: التنظيم.
فالأفضليَّةُ الشخصيةُ لا علاقة لها بجنس الإنسانِ ذكَرًا أو أنثى، ولا بقبيلتِه ولا بجنسيته وشكله ولونه، إنما هو معيارٌ واحد فقط، هو معيار التقوى؛ ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].
أما أفضليَّةُ القيادة - وهي المقصودُ بها في القوامة هنا - فهي مسؤوليةٌ يُحاسَب عليها صاحبُها يوم القيامة، كما قرَّر ذلك النصُّ النبوي الكريم: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته)).
وهذا يتضح مِن الآية الكريمة حيث ذكر ما بعدها علَّة لما قبلها في أمرين: • بما فضَّل الله بعضهم على بعض.
• وبما أنفقوا مِن أموالهم.
إذًا فالتفضيل هنا في ناحيتين: (المسؤولية الإدارية)، و(المسؤولية المالية)، وهو محاسَبٌ عليهما.
فالمسؤوليةُ الإداريةُ لا تُبيح له إهانة شريكة (زوجته)، كما لا تُبيح له انتهاك حقوقها المالية ولا انتقاصها.
أما ما يتعلق بخدمة أهله ووالدته، فلست مُلزمةً بذلك شرعًا، بل يرى فريقٌ مِن الفقهاء أن الزوجةَ ليستْ مُلْزَمَةً بخدمة زوجها أصلًا، فما بالك بخدمة إخوانه وقرابته، وخدمة والدته؟ إضافة إلى كونها مريضة، وتحتاج عنايةً خاصةً!
وإنما جرى التسامُح في مِثْلِ هذا بناءً على العُرف العام السائد في المجتمع في الأحوال العادية والمستقرَّة، أما حين حصول نِزاعٍ وشِقاقٍ، فلا بُد مِن بيان الحقوق الأصليَّةِ لكلٍّ مِنَ الزوجين وإلزامهما بها.
لذلك نرى ألا ترجعي إليه إلا بعد أن يُقِرَّ بهذه الحقوق أولًا، وأن يلتزمَ بها ثانيًا، ومِن ذلك توفير خادمة لك لمساعدتك في البيت، والقيام بخدمة والدته الكريمة.
كما يلتزم بعدم إهانتك مستقبلًا، وعدم التعرُّض لأهلك بسوء القول أو الفعل، فليس له ذلك، وهذا لا يتضح له إلا إذا فَهِم معنى القوامة الشرعية على وجْهِها الصحيح، لذلك لا مانع مِن أن يطَّلِع على هذه الاستشارة إن رأيتُم أنَّ ذلك يحقِّق مَصلحةً لكما، وهذا ليس تعجيزًا له، ولا انتقاصًا مِنْ حقِّه كزوجٍ، بل هو رعايةٌ لحقوقك، ووقوفٌ عند حدوده التي أمر الله - عز وجل - أن يوقفَ عندها.
وقد قيل في شأن النساء: ((ما أكرمهنَّ إلا كريمٌ، ولا أهانهنَّ إلا لئيمٌ))، ونحن نظُنُّ أنَّ زوجك الكريم ليس مِن هذا الصنف، وإنما هي لحظة غضب وعناد تبرز في موقف معينٍ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي))؛ صححه الألبانيُّ.
وقال في شأن الذين يضربون نساءهم: ((ليس أولئك بخياركم))؛ [رواه أحمد وابن حِبَّان، وله شواهدُ - كما قال ابنُ حجَر].
فنرجو أن يُبادرَ الزوجُ الكريم إلى إظهار معدن الخيرية التي فيه، وأن يُصلحَ الأمور، وأن يُعيدَ المياه إلى مجاريها.
نسأل الله تعالى أن يُؤَلِّفَ بينكما، وأن يُصْلحَ ذات بينكما، وأن يجعلَ بيتكما عامرًا بالصالحات.