الحمى القطرية التي انتابت ساسة الدوحة و جعلتهم ينشغلون بإعادة ترتيب الأوراق الخارجية بدل الإنصراف إلى دعم أركان البيت القطري ،ربما تجد تفسيرها في دوامة الصراع على السلطة الذي تعاني منه الإمارة منذ فجر انبثاقها في بدايات السبعينات من القرن الماضي ، ووجدها شيوخ الحكم فرصة سانحة لحجب الغليان الداخلي ، سواء على هرم السلطة أو في صفوف الشعب القطري. و هكذا تحولت الإمارة إلى دوامة لولبية في سلسلة من الإنقلابات والإنقلابات المضادة ،مهما اختلفت مرامي وطبيعة تلك الهزات السياسية في أركان الحكم. أبرز أوجه الصراع السلطوي في قطر، ذاك الذي جسده انقلاب الشيخ حمد على أبيه الشيخ خليفة في يونيو من سنة 1995، بينما كان الأمير الوالد في رحلة استجمام بسويسرا. و عرض التلفزيون القطري آنذاك صورا لوجهاء الإمارة ، جاؤوا للسلام على الشيخ حمد دون أن يكون في علمهم أن الواقف أمامهم إنما استولى على حكم أبيه ، و قدم التلفزيون تلك المشاهد على أنها بيعة من مشايخ البلاد للأمير الجديد. وقبل واقعة 1995، كان الشيخ خليفة بدوره قد نفذ انقلابا عسكريا على ابن عمه الشيخ أحمد بن علي آل ثان الذي هو أول حاكم للإمارة بعد استقلالها عن بريطانيا في 1971 و يروى عن الشيخ حمد أنه كان أفشل أولاد خليفة في الدراسة حيث لم يكمل تعليمه لا في الطور الثانوي و لا في الكلية العسكرية البريطانية التي أرسل إليها ، و رغم ذلك عاد للبلاد ليتولى قيادة الجيش وولاية العهد مما سمح له بالإنقلاب على أبيه. و لعل ما يميز مسار حكم الشيخ حمد، زواجة بالسيدة الأولى الشيخة موزة ،التي استطاعت بدهائها أن تجذب ستار الحكم نحو قدميها ،و تسير مقاليد الأمور من وراء الكواليس ،بعد أن كانت هي بدورها مجرد صفقة سياسية في زواجها بالشيخ حمد ، اعتبار لكون أبيها كان من أشد و أبرز المعارضينللشيخ الحاكم آنذاك الأمير خليفة . و قد استطاعت الشيخة موزة في أكتوبر 1996 فرض ابنها الشيخ تميم من بين أبناء آخرين للشيخ حمد- أبرزهم مشعل الإبن البكر من زوجة أخرى - وليا للعهد ، تمهيدا لما سيقع فيما بعد من انقلاب الإبن على أبيه بطريقة دبلوماسية لا تثير الغبار، اصطبغت بلون تنازل الشيخ حمد عن الحكم لفائدة ابنه في 25 يونيو 2013 . و الشيخ تميم بدوره لم يكمل تعليمه الثانوي و اتجه مثل أبيه لاستكمال دراسته في نفس الكلية العسكرية في بريطانيا . ومن الطرائف التي تروى ، أن الشيخ تميم هذا ربما يكون نفسه ضحية انقلاب مستقبلي من طرف ابنه الذي تجاوز بقليل سن الخامسة عشر من العمر، و الذي يحكي عنه المقربون أن لديه نزعات سلطوية تتجلى في مؤشراتها الجنينيةفي تعامله الفج والفظ مع الخدم والحشم . و يأمل المتتبعون للشأن السياسي القطري أن لا تصعد الدوحة من تدخلاتها العشوائية في سائر المنطقة العربية والربوع الإسلامية ، ربما لأنها تجد فيه بلسما عابرا لحمى الصراع الجنوني على مقاليد الحكم بالإمارة القطرية.