يتزامن كتابة هذا المقال مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان 10 دجنبر من كل سنة، وهي مناسبة نقف وقفة إجلال، لكل من دافع و لا زال يدافع و ينافح ، على مركزية الإنسان في الكون. ويأتي على رأسهم الراحل و المناضل السياسي نيلسون مانديلا الذي يعتبر أيقونة الدفاع عن إنسانية الإنسان لقد سئل مرة عن التعليم فقال: "التعليم هو أكثر سلاح فتاك يمكنك استخدامه لتغير العالم". نستمر في الموضوع الذي ابتدأنا به في مقال سابق الذي نشر في 05-06/ 12/2013 حيث حاولنا أن نؤسس لأرضية نقاش ، حول معضلة المنظومة التعليمية بالمغرب وخصصنا الحديث عن مشكل الكفاءة من داخل المنظومة. وركزنا على المركز التربوي الجهوي بالرباط . في هذا المقال سنتابع حديثنا عن هذه الأزمة ، وسنخصص الحديث عن عينة من الأساتذة محسوبة على تخصص اللغة العربية قيل إنهم جاؤوا ليكونوا المترشحين المقبلين على مهن التربية و التكوين. أبتدأ هذا المقال بمثال فرنسي يقول : "على المرء لكي يمارس السياسة أن يكون متفائلا" ، دعنا نتفق منذ البداية أن الأزمة التي نتحدث عنها والتي يتخبط فيها قطاع التعليم بالمغرب ليست أزمة تدبيرية، نتيجة سوء إرشادات بعض المؤسسات أو الموارد البشرية بل هي أزمة كارثية بالمفهوم التراجيدي الأرسطي، بمعنى أن هناك اختلالات كبيرة في أداء المنظومة التعليمية لدورها وللوظائف الموكولة إليها من طرفها، أو من طرف الدولة و استبدادها ، أو من طرف المحيط السوسيو اقتصادي الدائر بها. قد يتساءل البعض عن هذه الكتابات و يدعي أنها بمثابة ردود أفعال ليس إلا . إن هذه الكتابات لا تخضع للانفعال اللحظي النفسي . لأننا نتوفر على نظرية أساس، بمثابة عقد ائتمان و أمان ، تخص المبادئ التي نقتنع بها ، والتي أسسها الخطاب القرآني الذي يقول: "وفي السماء رزقكم". إن إفلاس المنظومة التعليمية كإفلاس سائر المجالات، التي يدعي المؤتمنون على الشعب بمواكبة قرارات الأممالمتحدة ، لأن التربة والمناخ موبوء بالتدبير الأحادي، الذي يقصي المبادرات ويجهض الاقتراحات والكفاءات . سأل أحد الأساتذة - ينتمي إلى مركز التربوي الجهوي الرباط و يدعي أنه مضطلع عن حال المعرفة و ميادينها – أحد المترشحين ، ماذا تمثل لك الظاهرة الأدبية في علاقتها بالنسق الفلسفي ؟ فأجابه الطالب بشكل علمي متزن و منجهي ، حاول المرشح أن يحيط بجميع المستجدات في ميدان النقد و الإبداع الأدبي وعلاقة الكل بالفلسفة ، من أطروحة اليونان إلى أطروحة هيدغر، فتأمل مليا الأستاذ المجتهد في المترشح فسأله أين درست كل هذا؟ فأجابه: درسته من خلال اطلاعي الذاتي ، وعند بعض الأساتذة أحسبهم خيرة الأساتذة في المغرب لما لهم من إنتاجات أدبية و إبداعات قيمة ، ولقيمتهم الأكاديمية الرفيعة إن على المستوى المحلي أو على المستوى العربي و الدولي . فرد عليه الأستاذ المجتهد- قيل أنه سيكون أساتذة الأجيال : أنت درست عند هؤلاء ، لكن أعطيتهم أكثر من حقهم . لقد صور لنا كانط ذلك السموق الغبائي لبعض المدرسين عندما كشر عن حقيقة المدرس فقال: "المدرس الغبي هو ذلك الرجل الذي يختبئ في التعليم كالمحارب الفاشل" . لننظر لهذا الخطاب الكراكيزي للأستاذ المجتهد الذي يبرهن على التمزق الفكري والنفسي الذي يعانيه ، و أمثله بذلك الغراب الذي أراد أن يتعلم مشية الحمامة ، فإذا به يفشل، بل ويفقد حتى مشيته الأصلية . إن هذا الخطاب يدل مدى فساد القيم و الحربائية المغلفة من طرف الإنسان / الأستاذ / المخزن ، وما مباراة التعليم إلا كشف عن حقيقة ذلك ، أساتذة أغلبهم يكذبون ويزورون الحقائق ويمنونه بتغيير وحسن تدبير و اختيار الكفاءة . أناس يدعون أنهم مؤتمنون على مستقبل التعليم و المعرفة بالمغرب وأناس يفرقون الوعود والعهود يمينا وشمالا ويمنون الناس بالأماني المعسولة . لقد كان لينين صائبا عندما قال: "كل شيء مباح في السياسة" أين هو الضمير الإنساني و أين هو تواضع العلماء / الأساتذة. يجب أن نبقى متواضعين تواضع سقراط " كل ما أعرفه أنني لا أعرف شيئا"، هكذا علمنا سقراط الفيلسوف. يا حبيبي يا أستاذ. فعلا " لقد غاب أستاذ الأجيال " على حد تعبير عبد السلام بن عبد العالي في كتابه منطق الخلل. و إذا ما استنطقنا التاريخ البشري فقد ظل مفهوم المعلم / الأستاذ عبر مختلف العصور الإنسانية حصنا حصينا يلجأ إليه أفراد المجتمع إذا عصفت بها الأنواء، وملاذا يستجار به إذا عم البلاء. وكان المعلم / الأستاذ يضرب في كل مرة المثل الأعلى في المعرفة والتضحية ومحاربة الجهل و التخلف، لأنه كان على وعي تام بجسامة المسؤولية وخطرها . أما الأستاذ في مركز الرباط فهو أحد الشيئين ، إما أنه يمتثل للمنطق المخزني " المهم راك تمة" أو أنه حبيس للمنطق السيوطي "ضاع العلم بين فخذي النساء" . فقد شكلت مباراة الولوج إلى المهن التربية و التكوين دليلا آخر على زيف الشعارات للحكومة لأنها شهدت غياب استقلال حقيقي لمفهوم الكفاءة إن بالنسبة للمترشحين أو بالنسبة للأطر المكلفة باجتياز المباراة الذي ظل مرتهنا لتصريحات فوقية / نفسية، وعرفت كذلك توقيع محاضر المترشحين بشيء من التلاعب و الفبركة ، إنها الحقيقة المرة التي يريد البعض تجاهلها حين يمني الحقيقة بشعارات : "المباراة هي الفيصل" و "تكافئ الفرص " و"العهد الجديد" و"الرجل المناسب في المكان المناسب" وهلم جرا . إن نماذج هؤلاء الأساتذة يشكلون ليس أزمة للتعليم فقط بل أزمة كونية عندما تحدد الأممالمتحدة سلم التنمية للمغرب . أن المغرب في ذيل الدول في مجال التعليم و الذي صنف سنة 2012 في الرتية 146. أزمة التعليم في المغرب ليست قدرا أو صدفة ، كما أنها ليست أزمة مناهج ولا مقررات ولا مقاربات أو نظريات ديداكتيكية ،و لكنها أزمة اختيارات وغياب مفهوم الإنسان الخليفة في الأرض وغياب أيضا مشروع مجتمعي كفيل بتحقيق وجودية الإنسان. إن الحقيقة كل الحقيقة ونحن نتحدث إجمالا عن مسألة الكفاءة بالمغرب معاييرها و خصوصيتها، والتي ساهمت في اغتيال مجالات حيوية في المغرب وعلى رأسهم التعليم ، رهينة بالمنطق الخلدوني - الذي يعتر أيقونة علم اجتماع الذي لا زال ينخر ذواتنا وهي أننا لم نتخلص بعد من العلاقة بين " الغالب والمغلوب " التي لازمت سياقات تاريخية معينة و لازلنا نعيش ويلاتها. المصادر و المراجع:
1 تأملات في التربية لإيمانويل كانط ص : 18 2 مجلة التربية و الابستيمولوجيا تصدر بالجزائر عدد الأول سنة 2011 ص : 55 56 . 3 المعلمون بناة ثقافة : رسائل إلى الذين يتجاسرون على اتخاذ التدريس مهنة لباولو فريري ص: 103. 4 الميثاق الوطني لتربية و التكوين القسم 2 المجال الأول. 5 معنى الحياة لتري اجلتون ص : 121 6 منطق الخلل لعبد السلام بن عبد العالي ص: 26