على إثر الضجة التي أحدثتها الصورة العارية للمنشطة التلفزيونية نادية لارغيت زوجة نور الدين الصايل مدير المركز السينمائي المغربي، حيث تباينت الآراء في الصورة بين داعم لها ومشجع من أصحاب الفكر الحداثي والعلماني الذين يجعلون العري علامة على مستوى التقدم والتحرر، في حين شجب هذا العمل كل غيور على عرض المرأة، وكل حريص على عفتها وطهارتها، وحمايتها من نظر العابثين المتلصصين.. وكان آخر من أشاد بالصورة واعتبرها رمزا على تقدم وتحرر المرأة المغربية، وزيرة في الحكومة المغربية تعتبر من المناضلات الاشتراكيات اللواتي حملن على عاتقهن دعم القضية النسائية، لتحرير المرأة من التبعية الشرعية (الدينية)، ولجعلها نموذجا للمرأة الغربية التي تخلت عن كل القيم والمكونات الدينية والعرفية. إنها الفاعلة النسائية، والوزيرة الحالية لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن نزهة الصقلي، التي نشطت كثيرا من خلال "الرابطة الديمقراطية لنساء المغرب" بمقرها بالبيضاء، ومعلوم التبعية الفكرية والإيديولوجية بل والمادية التي تعرفها مثل هذه الهيآت مع الهيآت الغربية ذات نفس التخصص، والتي تغدق الجوائز على هؤلاء الناشطات.. فقد جاء عن الوزيرة في جريدة (الأحداث المغربية ع:3886) قولها: "إن صورة نادية لاركيت (وهي عارية من أي لباس، وقد صور نصفها العلوي، واضعة يدها على ثدييها، ببطن حامل) على مجلة "فام دي ماروك" صورة عادية تماما، لأن مظاهر الأنوثة كانت مخفية، وما كان بارزا هو الحمل، الذي يرمز للأمومة. كانت صورة طبية في جانب كبير منها، ولا تحمل ملامح الإثارة والجنسية. لكنها مع ذلك، صورة أزعجت وصدمت الكثيرين..، وهذا التباين في المواقف، يعكس التناقضات الفكرية للمجتمع المغربي، ويبرز صورا متناقضة تنطلق من أقصى الرفض إلى أقصى القبول..، وهذا وضع صحي على العموم لأنه يؤشر على الإمكانيات المتاحة للنقاشات والجدالات الفكرية والمجتمعية..". وكلام الوزيرة هذا، لا شك يحتاج وقفات كبيرة، لكن حسبنا بعض الإشارات حتى نعلم أن استهداف مقومات الهوية المغربية الإسلامية وصل لقمة المؤسسات الوطنية، أقصد الحكومة التي تتولى تدبير الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبلدنا المغرب: فالناظر في كلام الوزيرة يلمس قمة في الاستهتار بالحياء، واستهتارا بجسد المرأة، إذ جعلت أن مظاهر الأنوثة مقتصرة على الصدر والعورتين المغلظتين.. ثم في حديثها تمييع وتشجيع للحملات التي تستهدف صورة المرأة المغربية، والتي تصورها على أنها صارت معادية لشريعة الحجاب، ومن ثمة قادرة على إظهار الجسد عاريا، حتى تتفاعل مع متطلبات الحياة الغربية الحديثة التي لا تقبل التقيد بأحكام وقيود شرعية كانت أو عرفية.. ثم لا ندري ما وجه الجمع بين صورة القصد منها العري حسب تصريح صاحبة الصورة التي أكدت أنها أرادت أن تصدم البعض بصورتها هذه، وأن نقول عن الصورة أنها "كانت صورة طبية في جانب كبير منها"، إلا أن تكون الوزيرة تظن أن الصورة نشرت في مجلة طبية موضوع ملفها: "الحمل عند المستغربات في المغرب".. ثم ذكرت الوزيرة "أن تباين المواقف حول الصورة يعكس التناقضات الفكرية للمجتمع المغربي.. وهو وضع صحي"، وهي بهذا الكلام وغيرها كأصحاب دراسة القيم في المجتمع المغربي (محمد الطوزي، محمد العيادي، الصغير جنجار) والكثير من الدارسين العلمانيين، يريدون أن يبينوا لنا أن المغرب يعيش تناقضا فكريا يصل مستوى اعتبار الإيديولوجية والطرح العلماني قوة لها قاعدة كبيرة في المجتمع، مقابل المجتمع المغربي المتدين، وهو الأمر الذي لا نسلم لهم به، إذ أن أصحاب الطرح العلماني لا يكوِّنون إلا شرذمة من المستغربين الذين يعيشون التبعية الأجنبية، ويستغلون مراكز القوة والقرار، ويدينون بالولاء بكل أنواعه للمحتل القديم والجديد، لاعتبارهم أن المخرج من الالتزام الديني الإسلامي، هو فرض النموذج الغربي في بلدنا الإسلامي.. ومما قالت الوزيرة أن الصورة "لا تحمل ملامح الإثارة والجنسية"، وهذا كلام مستغرب خصوصا إذا علمنا أن شهيرات الإغراء الجنسي، إذا تصورن فصورهن تشبه صورة لارغيت، إلا أن يكون الجنس عند الوزيرة هو إظهار العورتين المغلظتين، والإثارة عندها، أن يضاف للصورة شيء آخر، لا يمكن أن يكون إلا في ذهنها وذهن من يحمل فكرها..، وإذا كان الأمر لا يعدو من الوزيرة وصف إحساس منها اتجاه الصورة، فهنا نقول لها أخطأت أكثر من أخطائك الأولى، فنحن لا نتحدث عن رؤية المرأة لغيرها في حيز ضيق، ثم أنت تمثلين عضوا من هيأة كبيرة مسئولة في الدولة، وتعليقاتك على مثل هذه الأمور لا تحمل على ذلك المحمل الشخصي، وهنا يبرز الخطر الأكبر، وهو أن تكون مثل هذه التصريحات تكوِّن فكرا يحمله عدد من الوزراء ومن كبار مسؤولي الدولة المغربية، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على أسس ومقومات الهوية المغربية الإسلامية، ويخالف الخصوصية التي لبلدنا عن الغرب العلماني، بل ويسرع من وتيرة انسلاخ المغرب من انتمائه الديني والسياسي والفكري للأمة الإسلامية، التي تجمعها قيم وأحكام إسلامية شرعها الخالق سبحانه وتعالى، ومن تلك القيم: قيمة الفضيلة والعفة والحياء التي تصون الأعراض والذمم، وتمنع اختلاط الأنساب، وتحرم مثل تلك الصورة العارية.. فهل سينسلخ المغرب من هويته على أيدي مسئولي حكومته، أم أن إمارة المؤمنين (حفظها الله من كيد العلمانيين) بالمغرب ستحول دون ذلك، بعزل أصحاب المشاريع الغربية في بلادنا الإسلامية؟؟