سيدتي الكريمة، إسمحي لي أن أهنّئك على كل المجهودات الجبارة التي تقومين بها في سبيل تنوير القلوب الحائرة والتائهة، ولأني واحدة منهم، ارتأيت أن أفتح لك قلبي وأفرغ مكبوتاتي التي باتت تخنقني وتبعدني عن السعادة.تتساءلين سيدتي عن المشكلة التي أنا فيها، فأخبرك بأني وبعد سنوات من الحب والوفاء إلى جانب زوج ظننته مثاليا وصادقا في مشاعره؛ تفاجأت بأنانيته التي لم تكن لتخطر على بالي، صحيح أني عجزت عن منحه الولد الذي بإمكانه أن يرفع اسمه ويخلّده، حيث إني لم أنجب سوى الإناث، إلا أني لم أتوان يوما عن جعله سعيدا، حيث إني لم أقصّر في واجباتي تجاهه، كما أني ربيت بناتي أحسن تربية، إلى جانب أني مضرب المثل بين نساء العائلة في طيبتي ونقاء سريرتي.مشكلتي سيدتي.. بدأت حين لمست من زوجي أن شوقه لصبي من صلبه يكبر يوما بعد يوم، ومخافة أن يحيد عن الطريق الصحيح ويلجأ إلى ما لا يمكنني تحمله أو استيعابه، بادرت إلى إخباره بموافقتي المبدئية على مسألة زواجه من امرأة تحقّق له ما عجزت أنا عن فعله.لا أخفيك سيدتي.. أن فؤادي كان يتمزّق من فرط الألم والأسى، وأنا أحدّث زوجي في الموضوع، وقد كان الأمر بمثابة جسّ لنبض شريكي الذي تفاجأت به وكأنما به كان ينتظر المبادرة على أحرّ من الجمر.وفي لمح البصر تمت الأمور، حيث اختار زوجي لنفسه زوجة فتية، أبانت في أيامها الأولى عن طيبتها ورغبتها في التعاون معي على إسعاد زوجنا الذي لم يكن يدّخر في البدء جهدا لإسعادنا، إلا أن الأمور حادت عن مجراها الأول مباشرة بعد إنجاب ضرّتي لمولودها الأول والذي قلب حياتي رأسا على عقب.فبالرغم من أنه لا يتحمّل مسؤولية ما حدث لي، إلا أني لا أخفيك سيدتي أني مقت المولود منذ الوهلة الأولى التي دخل فيها بيتا كان يسير بوتيرة سوية، لتنقلب الأمور كلها رأسا على عقب، حيث بات زوجي لا يكلّمني كما أنه صار كثير التودّد والاحتكاك بزوجته الثانية التي بدورها كشّرت عن أنيابها، وتغيّرت بطريقة لا يمكن تصوّرها، حيث صرت لهما كالعدوة أو السوسة التي تنخر عشهما الذي بنيته أنا بنفسي لهما.سيدتي.. لقد أصبحت كمثل الغريبة في بيتي، فلا أحد يكلمني أنا وبناتي، كما أن زوجي لم يعد يكترث لوجودي من عدمه، وما زاد من شجني أني لما واجهت زوجي بالأمر وجدته يتّهمني بالغيرة والشك من زوجته الشابة، مذكرا إياي بأني أنا التي سمحت له بالزواج، فكيف لي اليوم أن أشكو إليه الأمر وأتّهمه بالتقصير.أنا اليوم في حالة نفسية جدّ سيئة سيدتي.. فما كنت أظنه خلاصا لي من شبح الخيانة الزوجية يحدث الآن أمامي وعلى مرأى من عيناي التي لم تكفا عن ذرف دموع الندم والحسرة، فزوجي لم يعد ملكي سيدتي، كما أن كل قواي في احتواء الوضع والتماسك خارت وتلاشت، خصوصا بعد أن أبدى ذويّ تهربهم من المسؤولية؛ إن أنا تهورت وطلبت الطلاق الذي أريده كنوع من الثأر لكرامتي.ماذا أفعل سيدتي.. أنا في حيرة من أمري كما أن بناتي على حافة الضياع بسبب إهمالي لهن. المعذّبة من العاصمة. الرد: المال والبنون أختاه زينة الحياة الدنيا، وقد فطر الإنسان على حب الأطفال لما يضفونه من بهجة وسعادة أينما تواجدوا، ولا يختلف اثنان أنه مثلما أن الفتاة هي صديقة قريبة وحميمة لأمها، فالحال نفسه هو بالنسبة للرجل الذي يفضل الذكور، لإحساسه بأنه منح أسرته رجالا يحمونها في غيابه وفي أوقات الشدة، كما أنه يستطيع الاتكال عليهم عندما يبلغ من العمر عتيا.ثم دعيني أخبرك أختاه أنه ما من زوجة في الدنيا ترضى انصراف زوجها عنها أو خيانته لها، كما أن دفع الزوج على الزواج مرة أخرى لا يعدو إلا أن يكون صفقة خاسرة لكل زوجة تحاول أن تظهر بمظهر المرأة القوية التي تسعى للحفاظ على زوجها وبيتها من الخراب، الذي لا يلبث أن يكون النتيجة الحتمية لما فتحته من باب على نفسها يتبعه إعصار من الندم والحسرة، يدفعها إلى أن تعضّ أصابعها ندما على ما جنته في حق نفسها.لم يكن بالضروري أن تقترحي على زوجك أن يتزوّج امرأة ثانية تمنحه الصبي الذي طالما كان يحلم به، في حين كان عليك أن تفهميه بأن مسألة إنجاب الذكور أو الإناث ليس بمسؤولية المرأة، حيث أن الرجل هو من يحدّد جنس المولود على حسب النشاط الهرموني الذي يملكه في جسمه، وهذا من معجزات الخالق جلّ وعلا.وأماّ وقد وقع الفأس على الرأس، وقد تزوّج رفيق دربك ممن خلتها أختا لك فانقلبا سويا عليك، ما عليك إلا تحمّل تبعات قرارك الذي أظنّك لم تفكري بالمرة في عواقبه، حيث إنك صرت كما ذكرتي غريبة وأنت في بيتك، بالكاد لك من الصلاحيات أقل ما لضرتك من مكانة، والدليل أنّ زوجك اتهمك بالغيرة والهوس، وهذا ما أظنه زاد من حجم المشكلة.أختاه.. دعيني أخبرك بأنه عليك التأقلم مع الوضع بالطريقة التي تضمن لك عدم هدم البيت الذي سهرت على بنائه طيلة سنوات عديدة، ذقت فيها الحلو والمرّ، وأنجبت فيها بنات هن عزّك ودلالك اليوم وغدا، شاء زوجك أم أبى الاعتراف بالأمر، كما أنه عليك أيضا عدم الانهيار أو الخضوع لليأس، فأنت مقبلة على حياة كلّها مسؤولية بدءا من تربية بناتك، ولعب دور الأم والأب الغائب، انتهاءً بوقوفك على رجليك في وجه زوجك الناكر للجميل الذي لم يعط لتضحيتك في سبيله أدنى تقدير.تأكدي سيدتي أن الله سيجازيك أحسن جزاء نظير ما قمت به من تضحيات، فلا تحسبي أن الدنيا تتوقف عند محطة حملت أسوأ الذكريات، لأن هذه المحطة بالذات في إمكانها أن تتحوّل إلى انطلاقة قوية تكتشفين من خلالها جانبا خفيّا من شخصيتك لم تكوني لتعرفيه من قبل، فالمحن التي لا تقتل صاحبها تقوّيه وتجعله أكثر نضجا وتماسكا، كما أنه عليك أن تدركي بأن العشرة والتجارب بين الزوجين تجعل كل طرف يكتشف عن كثب درجة تحمّل وصبر وحبّ الشريك لشريكه، ومن هذا المنطلق تأكّدي أختاه أنك خرجتي من هذه التجربة مرفوعة الرأس، في حين خرج زوجك منها قاب قوسين أو أدنى من أن يكون نعم الرجل الّذي يمكنك التضحية من أجله، فلا تحزني وكوني كمثل الشمعة التي تحترق في سبيل أن تضيء حياة الآخرين، ولتدركي أختاه في الأخير أن احتراقك ما هو إلا دليل على أن الدنيا مازالت بخير.