مباشرة بعد الخطاب الملكي لتاسع مارس، وقفت عيون المراقبين مندهشة من خطة الإصلاحات التي أعلن عنها الملك محمد السادس، الخطاب اعتبر الحدث التاريخي بكل امتياز، قدم الخطوط العريضة لأول دستور في عهد الملك محمد السادس، خطاب حمل الكثير من المفاجئات، وأدخل الفرحة والإنشراح إلى الشعب المغربي، إنها لحظة تؤرخ من جديد مدى التلاحم والتجاوب الكبير الحاصل بين الملك والشعب، لتتوالى الإصلاحات والمشاريع البناءة والهادفة إلى ترسيخ دولة الحق والقانون. اليوم يدخل المغرب إلى ورش الإصلاحات الدستورية الحقيقية، فبعد أوراش التغيير التي باشرها الملك منذ توليه الحكم، جاءت مبادرة التعديل الدستوري لتواكب حصيلة المفهوم الجديد للِسلطة من خلال الجهوية الموِسعة ، ودسترة توصيات تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة. اليوم يقطع المغرب مرحلة، ليواكب مرحلة جديدة، غايتها تدعيم سلسلة المشاريع التي أجمعت عليها قوى المجتمع الحديث، فإذا كان الملك قد قدم الخطوط العريضة للدستور ا من خلال مرتكزات أساسية تتمثل التضمين الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية ودعم الأمازيغية، وترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والثقافية والبيئية،والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، وإقرار مبدأ فصل السلط، من أجل ميلاد تعاقد سياسي جديد بين العرش والشعب، وجعل المغرب بوابة الاختلاف والتعددية ،وطريق ينير العالم العربي والإسلامي بأسلوبه الديمقراطي الحداثي. بهذه الخطوط الكبرى يكون المغرب قد قدم الاستثناء في كل شيء، فالإصلاحات التي واكبها المغرب منذ التسعينيات تجيب عن إشكالات المغرب الجديد وتلامس مغرب الديمقراطية والحداثة، فبعد القطع مع مرحلة الماضي ومواكبة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والتفافية التي يعرفها المجتمع بكل أطيافه، فالمطلوب اليوم أن تقوم الأحزاب السياسية والنقابات العمالية وجمعيات المجتمع المدني والإعلام بدورها في دعم كل الأفكار الهادفة والداعمة لمشروع الإصلاحات، فالأحزاب السياسية التي تثير الكثير من الجدل في طريقة تدبيرها للممارسة السياسية، يجب أن تكون مع الموعد، وأن تكون لديها الفرصة لإحداث تغييرا جذريا داخل دواليب وهياكل تنظيماتها، والقطع مع العمل المرحلي والمناسباتي، فالحركات الشبابية التي خرجت إلى الشارع بدون تأطير سياسي رغم رفعها لشعارات التغيير ذو الحمولات السياسية،جعلت من هذه الأحزاب تقف وقفة تأمل في طريقة تعاملها مع فئة الشباب الذي يعتبر المحور الداعم لجيل جديد من الإصلاحات، وذلك من اجل تحقيق ديمقراطية تواكب صوت ونبض المجتمع، خصوصا وأننا على موعد مع الانتخابات التشريعية، التي تعتبر المحك الأساسي لبلورة الجهوية الموسعة وتحقيق انتخابات تفرز حكومة قوية منتخبة ديمقراطيا، وبرلمان يعيد للحياة السياسية بكارتها المفقودة. اليوم يقف الملك مع الشعب في محطة جديدة من محطات مغرب الحداثة والديمقراطية، فبعد الترحيب الدولي لخطط الإصلاح الجريئة للمغرب،و فتح النقاش العمومي مع كل المتدخلين يقدم المغرب إذن، النموذج الحضاري لدولة حديثة تجيب عن كل الإشكالات المطروحة، وتحسم مع أفكار الإقصاء والتهميش، فالمغرب اليوم ينتقل الى مرحلة جديدة غايتها دعم دولة المؤسسات الديمقراطية، والمفروض خلف تجانس حقيقي بين كل قوى المجتمع من اجل بناء مغرب آخر بمقومات الاختلاف الثقافي والسياسي، واعتبار الديموقراطية السياسية وسيلة لتجنيد كل الطاقات لتحقيق الأهداف الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وواجهة حضارية أمام العالم الخارجي، تبين تشبث المغرب بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.