جدد الطيب الفاسي الفهري، وزير خارجية المغرب، تضامن بلاده المطلق مع وحدة تراب السعودية، وإدانة كل محاولة تهدف إلى المس بالطمأنينة والسكينة فيها، مهما كانت الخلفيات أو من يدفعها ويقف وراءها. وقال الفاسي في حديث أدلى به ل« الشرق الأوسط »، خلال وجوده في لندن للمشاركة في مؤتمر الاستثمار بالمغرب، الذي نظم أول من أمس في حي المال والأعمال، إن المنطقة جد حساسة، وأمن واستقرار الخليج بالنسبة للمغرب شيء له أولوية وخاصة بكل ما يتعلق بأمن واستقرار المملكة العربية السعودية. إلى ذلك، نفى رئيس الدبلوماسية المغربية أن يكون تلقى طلبا من هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، خلال وجودها أخيرا في مراكش، بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتبادل فتح التمثيليات الدبلوماسية في عاصمتي البلدين. وقال الفاسي الفهري إن التطبيع والتبادل الدبلوماسي مع إسرائيل غير مطروحين في ظل الظروف الحالية، مشيرا إلى أن المغرب منخرط في نطاق المبادرة العربية للسلام، وبالتالي لا يمكنه إلا أن يشجع الأطراف على المضي قدما في عملية السلام. وبخصوص وضعية العلاقات بين بلاده والجزائر، قال الفاسي الفهري : « مع الأسف، لم تعرف العلاقات المغربية - الجزائرية، حتى الآن، أي تقدم. والمغرب يتأسف لهذا الوضع نظرا لما تتطلع إليه الشعوب الخمسة للمنطقة، وما يتطلع إليه الشعبان المغربي والجزائري بشأن العمل المشترك، ومدى أهمية هذا العمل المشترك ». وزاد الفاسي الفهري قائلا : « لم نتوصل حتى الآن بأي إشارة من لدن الأشقاء في الجزائر للانخراط في عملية التطبيع أو عملية الاتصال أو في عمليات ثنائية محضة أو أي إشارة بالنسبة لفتح الحدود البرية بين البلدين ». وبخصوص المبادرة المغربية المتعلقة بمنح حكم ذاتي موسع للصحراء، قال الفاسي الفهري « إنها ما زالت موجودة، ونحن على استعداد للتفاوض حولها ». وزاد قائلا : « لو كانت هناك إرادة سياسية لدى الطرف الآخر لتوصلنا إلى الحل السياسي المطلوب من المجتمع الدولي أي حل توافقي ومتفاوض حوله، حل يطلب من الأطراف أن تتعامل بروح الواقعية وروح التوافق، كما ذكرته بوضوح القرارات الأخيرة لمجلس الأمن ». وفي ما يلي نص الحوار. * تعرف منطقة الشرق الأوسط عدة مستجدات : هناك جمود في عملية السلام، وهناك تلويح من محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية بعدم الترشح مجددا لرئاسة السلطة الفلسطينية، والمغرب أعلن أخيرا عن دعمه اللا مشروط لأبو مازن. ما الدور الذي يمكن أن تقوم به الرباط لجهة الدفع بعملية السلام وإبقاء أبو مازن على رأس القيادة الفلسطينية؟ أولا، المغرب يطالب بمفاوضات تقوم على أسس سليمة وواضحة المعالم للتوصل إلى حل الوضع النهائي. وهذا يعني أن الشروع في المفاوضات يجب أن يتم في نطاق معايير محددة أي قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة ضمن حدود 1967، وتكون بطبيعة الحال قابلة للحياة على جميع الصعد، ومتواصلة جغرافيا بين قطاع غزة والضفة الغربية، وأن تكون عاصمتها القدس الشريف. هذا مع العلم أن الكل متفق على هذا. الآن، هناك تراجع إلى الوراء من طرف الحكومة الإسرائيلية الحالية. ونحن في المغرب لا نطلب من الأخ أبو مازن الشروع في المفاوضات في جو يكتنفه الغموض أو التوصل إلى حل مرحلي انتقالي أي إقامة دولة دون حدود، دولة مرتبطة بالعيش مع إسرائيل، ويصعب على الأشقاء الفلسطينيين التحرك فيها. فانطلاق مفاوضات تقوم على أسس سليمة وواضحة المعالم أمر ممكن. وهذا ما سمعناه من الإدارة الأميركية الجديدة، وما يعمل من أجله الاتحاد الأوروبي. ودور المغرب في هذا السياق يكمن في التذكير أولا بالمبادئ وبخارطة الطريق، والتذكير أيضا بأهمية المبادرة العربية، التي أصبحت اليوم مبادرة لجميع الدول الإسلامية بعد اعتمادها من لدن منظمة المؤتمر الإسلامي. من جهة أخرى، نتابع كل المحاولات الهادفة إلى تحقيق المصالحة الفلسطينية، وندعم الجهود المصرية في هذا المجال. إن المنطقة لا يمكن أن تظل على هذه الحال، وهذا ما لمسناه لدى الوزيرة كلينتون الأسبوع الماضي في مراكش. كما أن المحادثات التي أجرتها مع بعض الزملاء وزراء خارجية الدول العربية الشقيقة أبرزت وجود قناعة بهذا التوجه القائم على قيام مفاوضات حول الوضع النهائي تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، وليس شيئا آخر غامضا قد يؤدي إلى صعوبات أكثر تزيد من تعقيد الوضع. * الملاحظ أن الوزيرة كلينتون تراجعت في مراكش عن دعمها لما قدمته إسرائيل بشأن وقف الأنشطة الاستيطانية خلال زيارتها لتل أبيب، غيرت من لهجتها، فهل هذا التراجع الحاصل في موقفها، في نظركم، راجع إلى وجود قناعة بذلك، أم أن الأمر مجرد موقف فرضته المناسبة؟ إن الوزيرة كلينتون ذكرت في مراكش بخطابات الرئيس أوباما، وقالت إن الاستيطان عملية غير مشروعة، وإنه لا يمكن استثناء القدس من ذلك. وهذا التذكير جاء في محله، أي أنه تم فوق أرض عربية هي أرض المغرب، حيث أثبتت أنه ربما ما فُهم في بعض تصريحاتها السابقة كان يمضي في اتجاه آخر، ولكن نوعية الحوار مع الوزيرة كلينتون، وتوسعة الحوار مع دول عربية أخرى، ساعدت على توضيح الصورة، ونحن نعمل كذلك من خلال لقائي اليوم (أول من أمس) بزميلي البريطاني ديفيد ميليباند، وهو يشاطرنا نفس التوجه، أي كيف يمكن في الأسابيع المقبلة أن نستطيع إطلاق المفاوضات على أساس ما سبق ذكره. * هل تلقيت مجددا من الوزيرة كلينتون خلال وجودها في مراكش طلبا بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتبادل فتح التمثيليات الدبلوماسية في عاصمتي البلدين؟ لا، بتاتا. المغرب منخرط في نطاق المبادرة العربية للسلام، وبالتالي لا يمكنه إلا أن يشجع الأطراف على المضي قدما في عملية السلام. إن الأمر (التطبيع والتبادل الدبلوماسي) غير مطروح وبخاصة في ظل الظروف الحالية. * أعلن المغرب تضامنه مع السعودية جراء تعرض أراضيها لهجوم من الحوثيين. ما قراءتكم لهذا الوضع؟ لا يمكن للمغرب إلا أن يعبّر على أعلى مستوى، أي جلالة الملك محمد السادس ومعه الشعب المغربي، عن تضامنه المطلق مع وحدة تراب السعودية، وإدانة كل محاولة تهدف إلى المسّ بالطمأنينة والسكينة فيها، مهما كانت الخلفيات أو من يدفعها ويقف وراءها. وفي نفس الوقت، أودّ التذكير أن المغرب سبق له أن عبّر عن تضامنه مع الأشقاء في اليمن. فالمنطقة جد حساسة، وأمن واستقرار الخليج بالنسبة إلى المغرب شيء له أولوية وخاصة بكل ما يتعلق بأمن واستقرار المملكة العربية السعودية. * هناك انتظار لانطلاق جولة جديدة من المفاوضات المتعلقة بنزاع الصحراء. هل من جديد في هذا الشأن؟ الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى انطلاق المسيرة الخضراء واضح، أولا، المبادرة المغربية التي أنشأت ديناميكية المفاوضات ما زالت موجودة، ونحن على استعداد للتفاوض حولها. ولو كانت هناك إرادة سياسية لدى الطرفين الآخرين لتوصلنا إلى الحل السياسي المطلوب من المجتمع الدولي أي إلى حل توافقي ومتفاوَض حوله، حل يطلب من الأطراف أن تتعامل بروح الواقعية وروح التوافق، كما ذكرته بوضوح القرارات الأخيرة لمجلس الأمن. لكن مع الأسف، لم نلمس حتى الآن وجود هذه الإرادة لدى الأطراف الأخرى. ثانيا، الخطاب الملكي الأخير كان أيضا واضحا بالنسبة إلى ما سنقوم به في نطاق مغربي مغربي، وذلك في انتظار الحل النهائي على المستوى الأممي لهذا الخلاف الإقليمي المفتعل. ففي سياق ذلك هناك مشروع يتكون من ست نقط، سيطال المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بالأقاليم الجنوبية الغالية على كل مغربي. إذن، بالنسبة إلى المفاوضات نحن مستعدون، وننتظر إشارة من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى المنطقة. وأؤكد أننا ما زلنا على استعداد للتفاوض. بيد أننا نلاحظ أنه على أثر تقديم المبادرة المغربية لجأت الأطراف الأخرى إلى بعض المناورات وبعض الممارسات المعروفة لدى الجميع، تهدف من ورائها إلى تحطيم المجهود المغربي، من قبيل الحديث عن استغلال الثروات الطبيعية للجنوب من طرف الدولة المغربية، والحديث عن المسّ بحقوق الإنسان. علما أن المغرب ليس في حاجة إلى أي درس من أي كان في هذا المجال. أما بالنسبة إلى بعض الأشخاص الذين يتعاملون مائة في المائة مع الأطراف الأخرى خدمة لمصالحهم، فإن تعاملهم هذا أمر لا يعقل، ولا يمكن للقانون المغربي والشعب المغربي أن يقبلا به. * ما قراءتكم للشروط التي وضعتها جبهة البوليساريو حين أعلنت مؤخرا أنها لن تستأنف المفاوضات إلا إذا أفرجت الرباط عن الأشخاص الذين تحدثت عنهم؟ أنا تحدثت عن وجود مناورات، وما أعلنت عنه جبهة البوليساريو مؤخرا يدخل ضمن خانة هذه المناورات. فالمفاوضات مطلوبة من المجتمع الدولي، ولا يمكن التهرب من مسؤولية المفاوضات، ولا يمكن أيضا أن نبحث عن شرط مسبق من هذا النوع. ونحن نعلم أن الأطراف الأخرى عملت الكثير من أجل توظيف هؤلاء الأشخاص في هذا الوضع. وعموما فإن العدالة المغربية ستقول كلمتها، وستعلن موقفها بالنسبة إلى الخيانة المتمثلة في جلوس أولئك الأشخاص مع الأطراف الأخرى خدمة لمصالحها، وفي نطاق عسكري يمس بالمصالح العليا للمغرب، ضمنها المصالح الأمنية، وبالتالي نحن هنا لسنا كما كان يقال بأننا في نطاق المسّ بحقوق الإنسان عبر المسّ بحرية التنقل وحرية التعبير. ويجب أن لا نغلط بأن وراء رفع ورقة حقوق الإنسان عملية استراتيجية ممولة ومعروفة. ونتمنى أن لا ينعكس ذلك على المفاوضات. * في ضوء هذه المستجدات، كيف هي العلاقات مع الجزائر الآن؟ هل هناك اتصالات مباشرة ونقاش ثنائي حول القضايا الخلافية؟ مع الأسف، لم تعرف العلاقات المغربية الجزائرية، حتى الآن، أي تقدم. والمغرب يتأسف لهذا الوضع نظرا إلى ما تتطلع إليه الشعوب الخمسة للمنطقة، وما يتطلع إليه الشعبان المغربي والجزائري بشأن العمل المشترك، ومدى أهمية هذا العمل المشترك. ولكن، مع الأسف، لم نتوصل حتى الآن إلى أي إشارة من لدن الأشقاء في الجزائر للانخراط في عملية التطبيع أو عملية الاتصال أو في عمليات ثنائية محضة أو أي إشارة بالنسبة إلى فتح الحدود البرية بين البلدين. بل بالعكس، وكما قلت سابقا، فإنهم فضلوا اللجوء إلى المناورات، واعتماد خطط سلبية تحول دون المضي قدما لإيجاد حل نهائي للنزاع المفتعل