يدور الجدل دائما حول الإسلام والديمقراطية وعلاقتهما وهل الإسلام ديمقراطي أم الديمقراطية هي الغزو القادم من الغرب بديلا عن الشريعة الإسلامية، وقد امتد هذا الجدل إلى أن وصل البعض إلى تكفير الديمقراطية وتحريم الاشتراك بالانتخابات، والبعض الأخر ذهب إلى النقيض تماما في محاوله منه إلباس الإسلام ثوب الديمقراطية حتى أنه لم يتورع عن الاستشهاد بأحاديث وروايات وتفاسير ضعيفة لكي يثبت أن الإسلام ديمقراطي، لربما مخافة منة أن ينعت الإسلام بالتخلف والرجعية!!! والحقيقة أن الديمقراطية بشكلها الحديث هي عبارة عن نظام حكم يهدف إلى أن يكون الحاكم مختارا ومراقبا من قبل الشعب وله في ذلك من ينوب عنه عن طريق الانتخاب فيما يعرف بالبرلمان أو المجلس التشريعي،فهل هذا النظام يخالف تعاليم الإسلام؟؟!! اختلفت الآراء حول ذلك ولكن جمهور كبير من علماء المسلمين هي مع الرأي الذي يحرم الديمقراطية و أهم أدلتهم في ذلك هي: أولا: أن التشريع في الأصل من عند الله أما في النظام الديمقراطي فالتشريع يكون من حق الأغلبية في البرلمان. ثانيا: اختيار الحاكم في الشريعة يكون من قبل أهل الحل والعقد وهم اناس مؤهلين لهذه المهمة إما الديمقراطية فان للجميع حق التصويت حتى المنحرفون. ثالثا: إن الشورى هي النظام الإسلامي وليس الديمقراطية لان الشورى تكون من أهل الحل والعقد أما الديمقراطية فإنها تتبع رأي الأغلبية حتى لو كان بينهم غوغاء، وبذلك فالشورى دائما توصل إلى الصواب على خلاف الديمقراطية. والحقيقة التي ليس هناك جدال فيها أن الرسول علية الصلاة والسلام توفى ولم يضع للمسلمين نظام معين يتبعوه في اختيار الخليفة ولم يحدد آلية لنظام الحكم، وقد ترك هذا الأمر للمسلمين رغم خطورته ، وهذا بالطبع لم يكن من قبيل السهو معاذ الله بل هي حكمة المولى عز وجل، وهكذا ترك الأمر للمسلمين لكي يختاروا نظام الحكم والحاكم بالطريقة التي تناسبهم، ولكن بما لا يخالف القران الكريم او السنة النبوية الشريفة، فالرسول علية الصلاة والسلام لم يختار الخليفة لأنة لو فعل لكان اختيار الخلفاء هو أمر ألاهي لان الرسول علية الصلاة والسلام لا ينطق على الهوى، وإنما أراد الله أن يقول للمسلمين أن اختيار الحاكم يكون من قبل المسلمين وبالطريقة التي يرونها، فهوا شخص منهم يصيب ويخطئ وللمسلمين الحق في محاسبته وهذه هي القواعد التي أرساها سيدنا أبو بكر في خطابة بعد تولية الخلافة، وبالتالي فان الأخذ بأي نظام سياسي هو أمر جائز طالما لم يخالف تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية، ولو جئنا لمناقشة الادلة في تكفير الديمقراطية سنجد أن: أولا: إن الادعاء بأن الديمقراطية تستبدل شرع الله بشرعة الناس هو كلام مردود لان المجلس التشريعي في النظام الديمقراطي يضع قوانينه بشرط أن لا تخالف الدستور ونحن كدول إسلامية ينبغي أن يكون دستورنا مستوحى من القران الكريم والسنة النبوية، وبالتالي يصبح الدستور المستمد من القران الكريم والسنة النبوية ضمانة على عدم مخالفة القوانين للشريعة الإسلامية، وعندها ستكون مهمة المجلس التشريعي استخلاص القوانين من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية في الأمور المنصوص عليها صراحة واللجوء إلى القواعد الكلية للقياس في الأمور التي لم يرد بها نص صريح في القران والسنة. ثانيا: إن القول بان الحاكم يجب أن يتم اختياره من قبل أهل الحل والعقد وليس العامة، أقول لهم أن أهل الحل والعقد هم عبارة أناس شهد لهم المسلمون بالحكمة وسداد الرأي والتقوى ، والمسلمون يمكن أن يشهدوا بذلك لآهل الحل والعقد شفاهه أو كتابة في ورقة اقتراع، ولما أصبح المجتمع الإسلامي من الضخامة العددية ما يجعل فكرة الترشيح والاختيار الشفوي مستحيل، يصبح صندوق الاقتراع حينها مجرد أليه تطلبتها الحداثة لاختيار أهل الحل والعقد والذين بدورهم يقومون باختيار الخليفة أو الرئيس وهذا ما يسمى في الديمقراطية بالانتخاب على درجتين. ثالثا: القول بأن الديمقراطية تتبع رأي الأغلبية ولو فيه ضلال، فأقول إن هذا كلام غير سليم، حيث أن الدستور يقيد رأي الأغلبية وطالما كان الدستور في الدولة مستمد من الشريعة الإسلامية من قرأن كريم وسنة نبوية فلن نواجه مثل هذا الضلال ، أما من يدعي أن رأي الأغلبية غير معتبر في الإسلام بل أن الرأي الصحيح أولى بالإتباع فأقول له وكيف لنا أن نعرف الرأي الصحيح من الخاطئ دون الاحتكام إلى رأي الأغلبية ، وليس أدل من إتباع رأي الأغلبية شيء أكثر مما روي عن معركة احد حيث رأت الأغلبية الخروج للقاء العدو ورأت الأقلية ومنهم رسول الله علية الصلاة والسلام وكبار الصحابة التحصن في المدينة ، فنزل الرسول على رأي الأغلبية، وهنا نجد أن حتى صوت النبي الكريم لم يرجح صوت الأقلية. وهكذا نرى أن عدم قراءة الديمقراطية بشكل سليم من قبل المكفرين لها ورفض كل ما هو غربي من قبل البعض هي المشكلة الحقيقية وراء رفض الديمقراطية من قبل الكثيرين. فالديمقراطية ما هي إلا نظام للحكم يحمي الفرد من تسلط طائفة أو فئة أو عرق على بقية الشعب، وبالتالي فان النظام الديمقراطي تحت دستور إسلامي سيؤمن المساواة والعدل للناس جميعا ويحمي المجتمع الإسلامي من الانجرار إلى نظام التفويض الإلهي لفرد كما هو الحال النظام الملكي والنظام الدكتاتوري أو التفويض الإلهي لمجموعه كما هو الحال في حكم الكنيسة في العصور الوسطى. وختاما أقول أن من الممكن أن تكون الديمقراطية كافرة إذا استبدلت شرع الله بشرع الناس، أما أذا وجد دستور أسلامي خلف النظام الديمقراطي يحفظ الهوية الإسلامية للمجتمع فستكون حينها ديمقراطية ولكنها ليست كافرة.