تعاني الأنظمة العربية اليوم من الخناق الشعبي الذي تفرضه كأمر واقع الجماهير المقموعة ، التواقة إلى الحرية والانعتاق وهي بذلك أمام أمرين إما أن تقوم بهداية نفسها إلى الصراط المستقيم وهو الطريق القويم الذي ينتهج الديمقراطية والأساليب الحضارية وتداول السلطة بين الأحزاب السياسية وهو ما يضمن الاستقرار للدولة ولبنياتها وهياكلها ، والديمقراطية هي الدواء الوحيد الفعال ضد موجات الاحتجاجات الداعية لسقوط الأنظمة ؛؛؛ الحرية والكرامة وحقوق الإنسان هي ما يضمن للدول العربية الآن استقرارها واستمرارها في وجه التحديات والأزمات المتوالية ؛ وتمثل ثورة الشارع في العالم العربي مرحلة جديدة في تاريخ دول المنطقة التي كانت تبدو عصية على الديمقراطية ، فرغم سقوط دكتاتوريات أمريكا اللاتينية وانهيار الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية ظل العالم العربي في منأى عن موجات التحول الديمقراطي وكان دائما خارج التغطية ولهذا تحدث السياسيون والباحثون في أمور السياسة عن الاستثناء العربي ووظف معظمهم هذا المعطى الثقافي ذاهبا إلى أن الديمقراطية ثقافة مدنية وليست بناء ا سياسيا ، وفي نظري الديمقراطية تجمع بين الثقافة المدنية والبناء السياسي الناتج عن وعي اجتماعي عميق ،ولابد في هذا الطرح من توافق الإرادة المشتركة بين السلطة والشعب لأن الديمقراطية التي فرضت اليوم على دول المنطقة العربية إنما فرضت بالقوة والثورات الدموية كما حدث في ليبيا وهو ما ستكون له تداعيات خطيرة على مستقبل هذه الدول لأن أذناب الأنظمة المقبورة مازالت تشاكس وتتحين الفرص السانحة لتنقض من جديد على السلطة وخصوصا إذا فشلت التجارب الإسلامية الصاعدة إلى الحكم؛ وهكذا تغيرت المجتمعات العربية على المستويين الديموغرافي والثقافي كما شهد ميزان القوى الداخلي على المستوى السياسي تغييرا هائلا ، فانتهاء الحرب الباردة وسيادة العولمة وكثافة التبادلات الدولية والتقنيات الجديدة التي غيرت العلاقات المجتمعية ،كل هذه التطورات التي حدثت في العالم من حولنا حولت الأنظمة العربية إلى أنظمة بالية وعتيقة وسط محيط دولي متغير ينتمي إلى عالم غير عالمنا المتخلف ، هذا المحيط الدولي يتميز بتقدم التكنولوجي المذهل وتقدم هائل على مستوى المؤسسات وحقوق الانسان الذي هو محور التنمية في كل المجتمعات إلا المجتمعات العربية التي جعلته وسيلة لتحقيق أهدافها السلطوية من أجل الحفاظ على الدكتاتورية التي تحكم بها منذ سنين خلت،وسخرته للخدمة كالعبيد وسلبته أبسط حقوقه الآدمية ،فالمظاهرات الشعبية التي أدت إلى سقوط الأنظمة في ليبيا وتونس ومصر امتدت إلى بلدان أخرى حيث ظهرت طبقات متوسطة ترفض الحكومات الظالمة ولفهم الأسباب التي عصفت بالأنظمة العربية فهناك أصول تاريخية كثيرة وأسباب سياسية متنوعة أكسبت الثورات شرعيتها فأصبحت الأنظمة العربية الآن أمام خيار وحيد وهو التغيير ولاشيئ سوى التغيير إما نهج الصراط أو سحب البساط