نجحت الأنظمة الدكتاتورية العربية في إبداع أشكال من الاستبداد تجاوزت النماذج التقليدية المتمثلة في النموذجين الفاشي والنازي والنماذج الستالينية ونماذج أمريكا الجنوبية وغيرها. وفي هذا الصدد، يرى المفكر المغربي سبيلا أن العالم العربي أنتج ما أسماه «علم الاستبداد» (Tyrannologie)، ويقوم هذا العلم الجديد حسب رأيه على إبداع وسائل جديدة من أجل التحقير من الذات العربية وتحويلها إلى كائنات جوفاء. وأدى هذا الأمر إلى وصول العالم العربي إلى نوع من «الجمهوملكيات»، حيث تحولت الجمهوريات إلى مملكات للتوريث السياسي وما يرافق ذلك من شخصنة للسلطة والتماهي بين البلد والحزب والشخص. وقد استمر هذا الوضع عقودا من الزمن سادت فيها، فضلا عن الاستبداد، مظاهر الفساد الإداري والمالي والتضييق على الحريات ومصادرة الحقوق، مما نتج عنه احتقان سياسي واجتماعي، وأحيانا يأس شعبي تحول إلى احتجاجات وثورات شعبية عارمة شهدتها مختلف الدول العربية، من أجل رد الاعتبار والأمل للشعوب نحو غد أفضل. وإذا كانت هذه التحولات تفرض اعتماد إصلاحات جذرية تهدف إلى تحقيق الديمقراطية والتنمية، ودعم دولة الحق والقانون، واحترام حقوق الإنسان، والقطع مع الفساد والاستبداد، وإعلاء قيم الحرية والعدالة الاجتماعية، فإننا، من جهة أخرى، نطرح التساؤل التالي: هل ستنحرف هذه «الثورات» والاحتجاجات؟ وهل سيتكرر سيناريو الاستبداد مع بقاء رموز الأنظمة الراحلة؟ علما أن الكثير من «الثورات»، التي حدثت مع بداية الاستقلال، رفعت شعارات مرتبطة ببناء الدولة الحديثة والتنمية والديمقراطية وتحقيق العدالة والحرية وتحولت إلى أنظمة مستبدة وديكتاتورية تضيق على الحريات وترفض الرأي المعارض. وللإحاطة بالموضوع ومحاولة الإجابة على هذه التساؤلات، ارتأينا التطرق إلى ثلاث نقط نعتبرها أساسية لفهم إشكالية الموضوع: أين تتجلى العلاقة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ التحول الديمقراطي الذي يشهده العالم العربي. آفاق الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلدان العربية التي شهدت ثورات. أولا : الديمقراطية وحقوق الإنسان: أية علاقة؟ الديمقراطية وحقوق الإنسان مصطلحان واضحا المعالم، لكن مشتركان بعلاقة متبادلة، الديمقراطية تعزى إلى الحكم من قبل الشعب. وحقوق الإنسان تعزى إلى الحقوق العالمية التي تنطبق على جميع الأفراد بجميع المجتمعات. هذا البحث العلاقة المتبادلة بين حقوق الإنسان والديمقراطية. تاريخيا، نُظر إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان كمفهومين منفصلين ولو كانا متوازيين. ومع ذلك، معنى كل من الديمقراطية وحقوق الإنسان يتميز بفاعلية وبتفاوت. ومؤخرا، تمت إعادة تعريف الفكرتين، مما أدى إلى ظهور علاقة تقترن باعتماد أحدهما على الآخر، بالأخص تعريفات الديمقراطية توسعت من الديمقراطية التقليدية الإجرائية لتشمل مفاهيم جوهرية، ومتحررة للديمقراطية. كذلك الأمر بالنسبة لإطار حقوق الإنسان، الذي بدأ يتوسع ويطور مفاهيم للحقوق الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية، بالإضافة إلى الحريات المدنية والسياسية، وذلك بتوسيع مفهوم حقوق الإنسان ليشمل أمن الإنسان، وتوسيع حقوق الإنسان إلى المستوى الجماعي وكذلك الفردي. من وجهة نظر تاريخية، نظر إلى الديمقراطية بطرق مختلفة زمنيا وثقافيا، من خلال أخذ الديمقراطية لأشكال عديدة بالمجتمعات المختلفة، الديمقراطية المباشرة في أثينا القديمة، تحولت إلى ممثل الديمقراطية غير المباشرة المتعارف عليها اليوم. فالمؤشر الأولي للديمقراطية هو وجود انتخابات شعبية. وحسب بيتهام، فالتفويض الشعبي يتم تحقيقه عن طريق انتخابات تنافسية تعتمد على صناديق الاقتراع الحر. كما يقول بشادراك غسوتو: «لكي تكون الانتخابات «حرة وعادلة» بالضرورة، يجب فحص المبادئ والحقوق المتواجدة، بما فيها الحق في حرية التعبير والرأي». ووفقا لهذين الرأيين، فإن الديمقراطية ترتكز بشكل أساسي على الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين، خصوصا حرية التعبير، المشاركة السياسية. لكم أصبحت الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، مع تطور المجتمعات، خصوصا في العقد الأخير، تحظى بأهمية، بل صارت كشروط للديمقراطية. ذلك أن المواطنين لا يمكن أن تكون لهم القدرة على ممارسة الحقوق السياسية والمدنية إذا لم يكونوا متمتعين بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية. فلا تنمية بدون ديمقراطية ولا ديمقراطية إذا لم يكن المواطن في وضعية اجتماعية واقتصادية تؤهله للمشاركة السياسية وإعطاء المواطنة مدلولها الفعلي والحقيقي، عندما يشيع هذا الأخير بأنه يساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في صناعة القرار السياسي. ولذلك لا يمكن، في الوقت الراهن، الفصل بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى وإن كان ذلك ممكنا تاريخيا، باعتبار أن مفهوم الديمقراطية - بمعناها اليوناني القديم - كان موجودا رغم غياب حقوق الإنسان كمنظومة. ويبقى الإشكال مطروحا بالنسبة إلى توفر الوعي الشامل بذلك الترابط والتلازم لدى من يرفعهما كشعار. وهنا تبرز إشكالية جوهرية عند تقييم واقع الديمقراطية و حقوق الإنسان» في مجتمع من المجتمعات، وتتعلق بمدى انتشار الوعي والشعور بالحاجة إليهما، وهذا ما جعل منهما، في المجتمع العربي، عموما، وإن بدرجات متفاوتة، حسب الأقطار، مطالب نخبة وليست مطالب شعبية - حسب رأي البعض-. لكن، إذا كانت الديمقراطية في المجتمع العربي، خلال سنوات مضت، مطلبا للنخبة المثقفة، فإنه اليوم، ومع ما يعرفه العالم العربي من حراك سياسي، أصبحت الديمقراطية مطلبا شعبيا، مما يدل على انتشار الوعي السياسي لدى فئات عريضة من الشعب. وهذا ما نلاحظه في الشارع العربي، من خلال المسيرات الشعبية الحاشدة، التي تضم مختلف الطبقات الاجتماعية، حيث جميعها تطالب بمكافحة الفساد وإسقاط الأنظمة وإرساء الديمقراطية، وبالتالي فإن رفع شعار الديمقراطية صار شأنا شعبيا ولم يعد نخبويا. وهنا نطرح السؤال حول كيفية تناول الديمقراطية من حيث هي قيمة أم من حيث هي شعار، حيث يختلف الطرح، حسب زاوية النظر، فإذا تناولناها من حيث هي شعار، فإن أسئلة أخرى ستطرح: ما هي دوافع رفع الشعار؟ من يرفع الشعار؟ المؤسسة الحاكمة أم مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها الأحزاب السياسية. أما إذا تناولناها من حيث هي قيمة فلا مناص من التأكيد على أنها شاملة أولا تكون، إذ لا يمكن الحديث عن الديمقراطية السياسية بمعزل عن الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث لا يمكن أن تجرى انتخابات ديمقراطية حقيقية في مجتمع فقير تعمه الأمية أو يطغى فيه رأس المال وتكثر فيه وتسهل عملية شراء الأصوات وبيعها. وفي هذا السياق، يرى أحد المفكرين أن «التلاعب بالحقوق الأساسية للمواطنين ومنها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يؤدي حتما إلى نتائج تضرب أسس استقرار الأنظمة ذاتها وتعرضها للزوال، مهما كانت شدة قبضتها الأمنية». ومن هنا، يظهر الارتباط الوثيق بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، من جهة، وبين الحقوق السياسية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، من جهة ثانية. ثانيا: التحول الديمقراطي في العالم العربي كان على رأس الحراك العربي شعارات نادت بها حركة حقوق الإنسان العربية على مدار عشرات من السنين، والتي قام بها ودفع ثمنها كم كبير من المناضلين والمدافعين عن حقوق الإنسان في المنطقة العربية. شعارات تركزت بالأساس حول الديمقراطية، سيادة القانون، وحقوق الإنسان. وهذه الحركة اتسمت بالنخبوية وبنبذ العنف والجنوح إلى السلم، حيث تتشكل من النخبة المثقفة. ونشير في هذا الصدد، إلى أن التحول الديمقراطي بقرار تحتي، أي بضغط شعبي، لا يمكن عادة أن يحصل سلميا، إذا تمسكت قوى السلطة بموقفها الرافض للتغيير، ولا يكون إلا بالعنف وبكثير من التضحيات، وأحيانا بكثير من الفوضى، التي يمكن أن تدوم مدة زمنية طويلة، قد تعقبها انتكاسات، وقد دام ذلك بضعة قرون في بعض البلدان الأوروبية. لكن ما ميز الثورات الأخيرة في العالم العربي، وبالخصوص في تونس ومصر، أن الثوار نبذوا العنف واللجوء إلى القوة كوسيلة لإسقاط النظام، لدرجة أن هناك من وصف ثورة تونس بثورة «الياسمين» كدلالة على سلميتها. ولعل الحالة المثلى لتحقيق الديمقراطية هي التي يحدث فيها التقاء بين إرادة فوقية ورغبة قاعدية، أي مطلب شعبي وإرادة سياسية ووعي سياسي بضرورة تحقيق ذلك، وإذا حصل هذا التلاقي، فإن الوضع يمكن أن يتطور إيجابيا وبنسق سريع نسبيا. أما إذا غابت الإرادة الفوقية، فإن ذلك يعني استمرار الأزمة والاحتقان السياسي والاجتماعي، وبالتالي فإن القوى الشعبية لن تبقى مكتوفة الأيدي، وهذا ما يجري في بعض البلدان العربية. كما أن السياسات القائمة على زرع الخوف، كما كان حاصلا في النظام الليبي السابق، عهد الدكتاتور القذافي، تجبر المجتمعات على قبول التخلي عن جزء من مكتسباتها في مقابل أمن وهمي، لأنه لا أمن حقيقي مع الظلم والاستغلال وانتهاك حقوق الإنسان، أو تضطرها إلى القيام بردة فعل من خلال مؤسسات المجتمع المدني، وهو ما يميز المجتمعات الديمقراطية، التي ترسخ فيها مفهوم المواطنة المحوري، الذي ما زال ضبابيا في المجتمعات العربية. *أستاذ باحث في العلوم السياسية وحقوق الإنسان ويزداد الأمر تعقيدا إذا كانت غالبية الشعب ترفض الطبقة الحاكمة، لأن عملية الإصلاح تصبح عملية معقدة، حيث لا يمكن إنجازها في العمق بإرادة فوقية فحسب، ولا بإرادة تحتية وحدها، كما لا يمكن، على الإطلاق، أن تحدث بتدخل خارجي، وإنما تنجح عملية الإصلاح عندما يحدث التقاء بين الإرادة الحاكمة والإرادة الشعبية، من خلال مشاركة المواطنين في العملية الانتخابية للتعبير عن إرادتهم الحرة تجاه الحاكمين. ثالثا: آفاق الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي في ظل ما يعرفه العالم العربي من حراك سياسي، نتساءل عن مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلدان العربية، التي نجحت ثوراتها، ونعني بالخصوص تونس ومصر وليبيا. يرى أحد الباحثين أن مسار التغيير والإصلاح في المنطقة العربية، بعد الثورات والاحتجاجات، سيكون صعبا وبطيئا، ولن يتم بالسرعة المطلوبة وبالحجم الكبير لوجود مقاومة محلية وإقليمية ودولية... وعدم انخراط النخب في هذه التحولات، بما قد يفرز نوعا من التصادم والصراع مع المحيط الإقليمي والقوى الدولية الكبرى، التي تسعى من خلال المؤسسات الدولية ومن خلال سلوكاتها المنفردة إلى توجيه التطورات بما يخدم مصالحها. (د. إدريس لكريني في مقال له بعنوان «الرهانات الاستراتيجية للحراك العربي»). وتساءل باحث آخر : هل فعلا ما نشهده في العالم العربي يشكل ثورة أم مجرد رجة وحراك قوي؟، لأن الثورة، في رأيه، تعني تغييرا جذريا في السلطة ووسائل الإنتاج والنموذج الثقافي، في حين أن ما نلاحظه في العالم العربي هو تغيير رأس السلطة مع الحفاظ على بنياته. (د. محمد سبيلا في مداخلة له بعنوان «الحراك العربي والديمقراطية وحقوق الأقليات»). وهل ستحقق الثورات فعلا القيم التي وعدت بها، ومن بينها حقوق الأقليات، أم أنها ستؤول إلى الفشل؟ عقبات كثيرة تواجه الحراك الشعبي العربي، في رأي الباحثة التونسية آمال قرامي، لأن المسار الديمقراطي في رأيها - ما زال في بدايته ويحاول الخروج من هذا النفق (آمال قرامي، الحراك العربي والانتقال نحو الديمقراطية). تساؤلات كثيرة ومشروعة يطرحها المتتبعون للحراك العربي وما ستؤول إليه الأوضاع بعد نجاح الثورات الشعبية. إن الربيع العربي كشف حجم الكلفة التي يؤديها المجتمع عندما يتم تعطيل عجلة الديمقراطية فيه أو إيقاف تطور وعي الناس بحريتهم وكرامتهم، أو حتى عندما يستبلد الحكام شعوبهم ويعتبرونهم قاصرين عن إدراك حقهم في الكرامة والعيش الحر والمساواة والإنصاف. ففي تونس، بدأت معالم الديمقراطية تتشكل، وتجلى ذلك في الانتخابات الأخيرة الخاصة بتشكيل مجلس وطني سيعهد إليه بتدبير المرحلة ووضع دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، حيث كانت نسبة المشاركة في الانتخابات مهمة جدا ومر الانتخاب في ظروف طبعتها الشفافية والنزاهة والحرية، ولم يشكك أحد في نزاهة هاته الانتخابات وطنيا ودوليا. ورغم حصول التيار الإسلامي، الممثل في حركة النهضة،على المرتبة الأولى في الانتخابات، لم يواجه هذا الأخير عقبات أمام التيار العلماني بتونس أثناء مشاوراته مع الأحزاب السياسية، التي احتلت مرتبة مهمة في هذه الانتخابات، بهدف اختيار رئيس الدولة والوزير الأول المؤقتين، مما يؤشر على نضج وعي ديمقراطي بتونس سيؤهل البلاد إلى مصاف الدول الديمقراطية في العالم. أما في مصر، فإن الوضع السياسي يزداد تعقدا بحضور قوي للمؤسسة العسكرية في تدبير الحكم وبقاء رموز نظام حسني مبارك، وتجلى ذلك من خلال وضع مشروع دستور ووجه بالرفض من قبل أهم الأحزاب السياسية بمصر، نظرا لما تضمنه من بنودمتنافية مع أسس الحكم الديمقراطي، وكذا إجراء انتخابات تشريعية في ظروف طبعتها احتجاجات وأعمال عنف. وبالرغم من فوز جماعة الإخوان المسلمين، الممثلة بحزب الحرية والعدالة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كإشارة على نزاهة الانتخابات، عكس الاستحقاقات الماضية، التي كانت تتسم بالتزوير في عهد النظام السابق، فإن هذا الأمر لا يمنع النظر إلى هذه الثورة بعين ناقدة، من قبيل الحرص والعمل على إنجاحها وإكمالها، لأن هناك محاولات لوأدها، وهناك استهدافات داخلية وخارجية، ونذكر بالأساس، على المستوى الخارجي مثلا، عدم ارتياح إسرائيل من قيام الثورة بمصر لخوفها أن تهدد مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، ومنها بالأساس «اتفاقية كامب ديفيد للسلام «، الموقعة بين مصر وإسرائيل في عهد الرئيس الراحل أنور السادات. ولتجاوز هذا الوضع بمصر، يقتضي الأمر أن تتنازل المؤسسة العسكرية عن الصلاحيات الحكومية التي بيدها للحكومة الحالية، وأن تبقى محايدة، لها وظيفتها المتجلية في حماية أمن دولة مصر والدفاع عن وحدتها. وفي ليبيا، ما زال الوضع غير مستقر مع استمرار حمل السلاح من قبل الثوار وحدوث صراعات عشائرية لا زالت تشكل عائقا أمام الوحدة الوطنية . كما أنه لم يصدر دستور ينظم أسس الحكم الديمقراطي بليبيا، ويحدث تغييرا جذريا في النظام السياسي، حيث كان النظام الدكتاتوري السابق يستند على «الكتاب الأخضر» لصاحبه معمر القذافي، والذي كان يعتبر المصدر الرئيسي للتشريعات والسلط، التي مورست في ظل نظام استبدادي بعيدا عن المحاسبة والمراقبة وانعدام حرية التعبير والمشاركة السياسية الحرة. إن صدور دستور بليبيا متقدم وديمقراطي يبقى الرهان الأكبر للحكومة وللشعب الليبيين معا. ونعتقد أن هناك إرادة لدى المجلس الوطني الانتقالي لنقل الدولة من دولة الاستبداد إلى دولة الحق والقانون والمؤسسات الديمقراطية. وهذا لن يتأتى إلا بضمان الأمن والاستقرار من خلال قيام وحدة وطنية تنبذ التمييز وتقضي على النعرات القبلية والاحتكام إلى سيادة القانون، مع الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان. خلاصات: إن الخوض في تحليل الواقع العربي مغامرة غير مأمونة العواقب، بحكم تعقيدات الواقع السياسي بالوطن العربي واستمرار النزعات العشائرية أحيانا والصراعات الفكرية والإديولوجية بين التيار العلماني والتيار الإسلامي، فضلا عن مشاكل التنمية في بعض البلدان العربية. وإذا ما حاولنا تقييم واقع الديمقراطية وآفاق التحول الديمقراطي العربي في خضم ما يعرفه من حراك سياسي، فإنه يصعب إصدار حكم عام شامل، لأن الأوضاع متفاوتة من بلد إلى آخر، ومن مجال إلى آخر، ولكن يمكن تقديم أحكام عامة بالتركيز على مؤشرات إجمالية تشمل ما يهم المنظومة مثل نسبة التعليم والأمية، ونسبة التشغيل والفقر بالمقاييس الدولية، ومكانة المرأة \t «_blank» في المجتمع، والعدالة الاجتماعية، ومدى احترام الأقليات (العرقية والدينية واللغوية)، إلى جانب مؤشرات أخرى هامة، كوضعية الإعلام وحرية الرأي والتعبير والمعتقد، ونزاهة الانتخابات واستقلال القضاء. ويمكن انطلاقا من تقارير التنمية الإنسانية العربية الصادرة عن الأممالمتحدة أن نلاحظ أن البلاد العربية، بصفة عامة، تشكو نقصا كبيرا جدا في المحاور الأساسية التالية: الحريات، تمكين المرأة، وكسب المعارف، ينضاف إليها نقص وهشاشة في الأمن والاستقرار. كما أنه لا يمكن، في غياب الأمن الإنساني، وضع أسس تحول ديمقراطي حقيقي. وختاما، فإن صمام الأمان الحقيقي للاستقرار والنمو في الوطن العربي هو إقامة أنظمة ديمقراطية تحترم كرامة الإنسان، عبر ضمان حقوقه الأساسية كما هي متعارف عليها دوليا، وقيام نظام يضمن المساواة في توزيع الثروات والاستفادة من التمنية والمشاركة في تدبير الشأن العام وربط المسؤولية بالمحاسبة. أستاذ باحث في العلوم السياسية وحقوق الإنسان خالد الشرقاوي السموني