صوت مرتفع و نظرات لا يرتجى منها خير،تخرج من أفواه بعظ الموظفين عبارات كالتالي " أرا الشكاية،اتسنى برا،سير منهنا سيمانة،كحز ألهنا،أنت ولد فلان.." لقد تفاجئت بكل هذا الكم من العبارات عند دخولي لعالم كنت أجهله ! إنه عالم المحاكم و مخافر الشرطة و المقاطعات و ما أدراك ما هي،هذه الأماكن التي يقصدها مئات المواطنين يوميا لقضاء أغراضهم التي في غالبيتها يكون من حق المواطنين قضائها و الحصول عليها،كما أنه من و اجب الموظفين توفيرها بكل سهولة و دون أن يستعمل ضدهم القاموس اللغوي الرديئ الذي يسيطر على هذه الأماكن،و يعاملو بطريقة جد سيئة و حقيرة و كأن المواطنين عبيد يتاجر فيهم أو مجرمون يستحقون تلك المعاملة لقد كنت دائما أسمع الكثير عن هذا الموضوع،كما حكيت لي العديد من الحالات التي لم ثأثر في كثيرا نظرا لأني كنت أظن أن الأمر مبالغ فيه لا غير.إلى أن شأت الأقدار أن تدشن أقدامي أبواب هاته الأماكن فأدخل غمار هذا العالم بسبب مشكل تافه للغاية،لا يستحق التحدث عنه،كما أن ذكره قد يجعلني أبتعد بسنوات ضوئية عن الموضوع. لقد رأيت بأم عيني السياسة المستعملة بهذه الأماكن، واكتشفت ما كنت أجهله سابقا.كم تمنيت لو بقيت في دار غفلون، على أن أكتشف هاته الحقائق التي ستجعلني أفقد الأمل و أعي جيدا أن العديد من المسائل ببلادنا لم تتغير إلا على المستوى السطحي و ليس على المستوى الجوهري. إنه عالم الأخد بالمظاهر،عالم يقصي بالعلني الضعيف و ينصر القوي،عالم تكثر فيه حركة الإتصالات،عالم يعامل فيه المواطن العادي بطريقة لم أستطع و صفها،عالم يتعمد فيه المسؤولون عدم التحدث مع المواطنين و لو كان الأمر فقط يتعلق برغبة في الإستفسار،عالم يستمتع أصحابه بقول رغم أن الأمر لا يستحق العناء أو بالأحرى لا يستحق التأجيل،عالم رأيت أن أغلب مكاتبه فارغة من أصحابها،فلم أفهم السبب إلى حين إلتفث إلى أحد الجدران فقرأت شكايات عديدة موجهة للمدراء و الرؤساء تحثهم على التدخل لكي يقدمو إنذارهم لبعض الموظفين الذين لا يلتحقون بمقرات عملهم،إنه عالم يوجد فيه القليل ممن يؤمنون بأن الدين سلوك و معاملة،فتستغرب لطريقة تعاملهم و تواضعهم و مدى رغبتهم في تقديم يد المساعدة. لكن المثل المغربي يقول وهذا ما يقع بالفعل،أو الفاهم يفهم. إنه حقا عالم يصعب استكمال و صفه ،نظرا لغموضه. و الغريب في الأمرهو أن المدن التي يستعمل فيها هذا النوع من الثقافة بالدرجة الأولى، هي المدن الصغرى، و قد يكون من الضروري القيام بدراسة عميقة و جدية لمعرفة الأسباب. ولكل من اختلف معي في الأمر أو شكك فيما قلت، أن يقصد إحدى هاته الأماكن و يشل حركة الإتصالات،ويمتنع عن مد يده إلى جيبه ويقتصر بالتعريف باسمه فقط دون أن يذكر أسماء أخرى قد تغير لون بشرة الموظفين أو المسؤولين.ليرى حينها كيف سيكون مصيره أو بالأحرى كيف سيعامل.. أتمنى أن تتغير الأمور في أقصى أجل ممكن،فيزول هذا النوع من الثقافة وما جاورها، ليزول معه هذا العالم الغريب الذي يسكنه الأوباش،فيتم تعويضه بثقافة التواضع و حسن المعاملة و المساواة و الحق و العدالة. وياليت كان كل ما يتمناه المرئ يدركه. حفيضي محمد طالب صحاف