المطالبة بمحاكمة رموز الفساد وناهبي المال العام، إخراج السلطة القضائية المستقلة للوجود تسريعا للتنزيل الدستوري، والفصل الحقيقي بين السلطات الثلاث، شعارات عبرت عنها الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها مؤخرا، فروع الهيأة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب أمام محكمة النقض بالعاصمة الرباط. تأتي هذه الوقفة وكذا الوقفات التي سبقتها، في سياق انشغال الرأي العام المغربي بتداعيات نتائج الانتخابات والإعداد لتشكيل الحكومة، التي سبق وأن أعلن رئيسها بأن محاربة الفساد المالي والسياسي إحدى أولوياته. طارق السباعي، رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام، والمحامي بهيئة الرباط، قال في حديث ل "العربية نت"، بأن الهدف من هذه الوقفة التي حضرتها عدة فروع للهيأة ونشطائها من مختلف المدن المغربية، هو تحريك المتابعات وتسريعها في حق وزراء ورؤساء محافظات، وضعت بشأنهم شكايات لدى الجهات القضائية المختصة، غير أن الحصانات السلطوية التي يتوفرون عليها، تجعل- حسبه- المتابعات القانونية لا تطال هذه الفئة من المواطنين، مع أن الخطب الملكية والدستور تؤكد تبعا له، على أن كافة المسؤولين هم سواسية أمام القانون. وذكر السباعي، بمجموعة من الملفات التي أحالتها الهيئة على القضاء قبل الاستفتاء على الدستور الجديد، و بعده، والتي قال بأنه راسل في شأنها وزير العدل، وتتناول موضوع إهدار وضياع المال العام والرشوة، همت حسبه عدة مشاريع تخص وزارة التجهيز والنقل ووزارة الشبيبة والرياضة، ومؤسسات عمومية ومسؤولين تابعين لوزارة الداخلية. مشيرا إلى أن هيأته طالبت الوزير بفتح تحقيق حول جميع الاختلالات والتجاوزات الواردة في الشكايات المرفوعة إليه، والبحث في كل الوثائق والمستندات، للتحري تبعا له، في كل فاعل أصلي أو مشارك أو مساهم في ارتكاب جرائم اختلاس وتبديد ونهب المال العام والرشوة والاغتناء غير المشروع. واعتبر السباعي، أن هذه العينة من الشكايات، كانت تستوجب البحث من طرف المسؤولين، وإخبار رافعيها بالقرار المتخذ سواء بالمتابعة أو بالرفض، مما يعطي الانطباع حسب وجهة نظره، بالغياب التام للإرادة السياسية في تطبيق القانون بشأن محاربة الفساد، فكلما تعلق الأمر بوزير أو محافظ إلا وتعطلت عجلة العدالة، يشير رئيس الهيئة، الذي استطرد في رصد القوانين الجاري بها العمل بالمغرب بخصوص هذا الموضوع، والتي لم يسبق تفعيلها مطلقا حسبه إلا في حالة واحدة، ومن ضمن هذه القوانين قانون "من أين لك هذا"، الذي ترفعه الهيأة شعارا لها في مواجهة المفسدين، يقول المتحدث. وأشار إلى أن الهيئة الوطنية، سبق وأن أرسلت رسالة لرئيس المجلس الأعلى للقضاء منذ ثلاث سنوات، تطالبه بإصلاح القضاء، جاء فيها: " لقد أصبح الأمر يلزم تحقيق تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لمكافحة الفساد ونشر الشفافية وتحديثها توطيدا للأمن القضائي، وترسيخ الثقة اللازمة لتحفيز الاستثمار، والنهوض بالتنمية. أوقفوا الرشوة من جهتها، أشارت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة بالمغرب، في تقاريرها الأخيرة، إلى ارتفاع شكايات الفساد المالي خلال سنة 2011، ووفق معطيات قدمها مولاي الحسن العلوي الكاتب العام لهذه الهيأة في ندوة نظمت مؤخرا بالرباط، تحت عنوان "الاقتصاد الخفي والجرائم المالية ودورهما في إعاقة التنمية"، فإن عدد الشكايات التي توصلت بها منظمته عبر بوابتها الإلكترونية "أوقفوا الرشوة"، والمخصصة للمقاولات الصغرى والمتوسطة، بلغت 881 شكاية، وذلك منذ انطلاقها في شهر نوفنبر من سنة 2010 إلى حدود نهاية شهر نوفنبر من سنة 2011، وعزت الهيأة هذا الارتفاع إلى أن البوابة تضمن إخفاء الهوية. كما أبرز العلوي، بأن الشكايات المباشرة، التي ظلت تتوصل بها الهيأة خلال الأشهر العشر من السنة الحالية، وصل عددها إلى 165 شكاية، في حين لم يتعد عدد الشكايات المتوصل بها، يقول المتحدث، في السنة الماضية 103 شكايات. الهيئة طالبت خلال هذه الندوة، من تمكينها من الإحالة المباشرة للملفات المتعلقة بالرشوة، مباشرة إلى النيابة العامة وتمكينها من الحصول في الآجال المعقولة على توضيحات معللة تتعلق بمآل توصياتها ومقترحاتها. يشار إلى أن عبد الإله بن كيران، رئيس الوزراء المكلف بإنشاء الحكومة، علق حسب بعض المصادر جميع أنشطته الاقتصادية، وسيعمل على التصريح بجميع ممتلكاته، كما أنه سيفرض تبعا لذات المصادر، على باقي الوزراء نفس الإجراء، ودعوتهم إلى التخلص من جميع أعمالهم التجارية، كما هو منصوص عليه في الدستور، الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة.