أعاد مسلسل محاكمة الصحف المغربية موضوع حرية الصحافة في هذا البلد إلى مائدة النقاش، في وقت احتلت المملكة المرتبة 127 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لهذه السنة، الذي تعده منظمة مراسلون بلا حدود، بعد أن كانت الرتبة 122 في 2008. ووسط جدل من يقف وراء توتر العلاقة بين الصحافة والسلطة، تتصاعد الأصوات المطالبة بتحديد المقاربة الناجعة حتى يتسنى إشاعة مناخ الثقة وتكريس روح الانتماء للمرفق (عمومي/خاص) مع احترام القوانين والالتزام بالضوابط، الكفيلة بتكريس أخلاقيات المهنة. تجري منذ عدة سنوات مناقشات ومفاوضات بين الحكومة والنقابة الوطنية للصحافة المغربية وفيدرالية ناشري الصحف حول الصيغة النهائية لمشروع قانون تنظيم الصحافة دون الوصول إلى توافق حول هذه الصيغة. غير أن هناك من يرى بأن فتح باب النقاش أمر ضروري، لكن دون أن يسبقه سيف المتابعات المسلط حاليًا على عدد من الصحف المستقلة، التي أودع أحد مدراء نشرها السجن. ويتعلق الأمر بإدريس شحتان، مدير نشر أسبوعية (المشعل)، الذي قضت المحكمة الابتدائية بالرباط اليوم الخميس بسنة حبسًا نافذًا وغرامة نافذة ب 10 آلاف درهم. كما قضت المحكمة بثلاثة أشهر حبسًا نافذًا في حق كل من مصطفى حيران، ورشيد محاميد، وأداء كل واحد منهما غرامة نافذة بخمسة آلاف درهم، مع جعل الصائر تضامنا والإجبار في الحد الأدنى، وإلقاء القبض على شحتان وإيداعه السجن. ويأتي هذا في وقت أدرجت المحكمة الابتدائية بالرباط ملف مدير نشر صحيفة (الجريدة الأولى)، علي أنوزلا، والصحافية بوشرى الضوو، المتابعين من أجل جنحة "نشر نبأ زائف بسوء نية وادعاءات ووقائع غير صحيحة والمشاركة في ذلك"، طبقا للفصلين 42 و68 من قانون الصحافة، في المداولة، وذلك للنطق بالحكم يوم 26 تشرين الثاني (أكتوبر) الجاري. وجاءت المتابعة إثر نشر الجريدة في الصفحة الأولى من عددها الصادر، بتاريخ 27 آب (أغسطس) الماضي (عدد 394)، مقالا من توقيع الصحفية بوشرى الضوو، حول مرض العاهل المغربي أخبار اليوم" كان لها نصيب في هذا المسلسل الطويل للمتابعات، إذ ينتظر أن يمثل كل من توفيق بوعشرين، مدير نشر الجريدة، ورسام الكاريكاتور، خالد كدار، يوم 23 من الشهر نفسه، أمام الغرفة الجنحية بابتدائية الدارالبيضاء مجددا، بعد أن قررت وزارة الداخلية متابعة الجريدة والقيام بحجزها، بسبب نشر الجريدة في عددها المؤرخ ب 26 و27 أيلول (سبتمبر) الماضي، رسما كاريكاتوريا له علاقة باحتفال الأسرة الملكية بحدث له طابع خاص جدا. ويتابع في هذا الملف مدير النشر بالجريدة توفيق بوعشرين بتهمة "المشاركة في إهانة العلم الوطني"، ورسام الكاريكاتور بتهمة "إهانة العلم الوطني". وكانت المحكمة الإدارية بالدارالبيضاء قررت رفض طلب تقدمت به شركة "ميديا 21"، التي تصدر جريدة "أخبار اليوم"، تلتمس فيه توقيف قرار إغلاق مقر الجريدة. ففي ببداية شهر آب (أغسطس) الماضي، عمدت وزارة الداخلية إلى مصادرة ثم إتلاف مائة ألف نسخة من مجلتي "نيشان" و"تيل كيل" الأسبوعيتين، ومنع جريدة "لوموند" الفرنسية من ولوج السوق المغربية، على خلفية من نشر المجلتين والجريدة إياها، لنتائج استطلاع رأي حول العشر سنوات الأولى من حكم الملك محمد السادس. وقال محمد السراج الضو، الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، "مشكل الوضع الذي تعيشه الصحافة حاليًا، بشكل عام، يرجع بالأساس إلى كون أنه يوجد قانون للصحافة، لكنه ما زال مجمدًا لدى الحكومة". وذكر السراج الضو، في تصريح ل "إيلاف"، أن "الصحافة المكتوبة في حاجة إلى إعادة تأهيل، أي خضوع الصحافيين إلى تكوين مستمر"، مشيرًا إلى أن "هناك مقدسات في المغرب لا يجب المس بها، وهذا يوجد في عدد من الدول حتى في أوروبا". وأوضح الكاتب العام للنقابة أن "هناك قانونًا يحمي المقدسات، غير أن هناك بعض المنابر الصحافية والصحافيين يتعدون على القانون"، مبرزا أنه "في المغرب يوجد الكثير من حرية التعبير، ويجب أن تكون هناك مسؤولية من قبل الصحافيين، إذ من الضروري التأكد من مصداقية مصدر الخبر ودقته، ونوعية المعلومة المحصل عليها"، وفي الوقت نفسه على الحكومة دفع الإدارات لفتح أبوابها أمام الصحافيين للحصول على المعطيات التي يريدونها، لأن هذا حقهم". وأضاف السراج الضو "نحمل جزء من المشاكل الواقعة حاليًا لبعض الصحف المستقلة والصحافيين"، مشددًا في الوقت نفسه على ضرورة وجود حوار مع الحكومة لإعادة هيكلة الصحافة ودعمها، خاصة في مجال التكوين، إلى جانب إخراج قانون الصحافة إلى حيز الوجود. وخلص إلى القول إلى أنه من "المطلوب أن تكون هناك مسؤولية من جانب الصحافيين ومن جانب الحكومة، المطالبة أيضًا بالقيام بخطوات للدفع في تجاه تحقيق المهنية في الصحافة". وكانت النقابة الوطنية الصحافة قد أكدت، في بيان لها، أن اعتقال مدير جريدة "المشعل" شكل بالنسبة لها "صدمة"، مضيفة أنه "في الوقت الذي كانت تتوقع فيه النقابة أن تتاح لدفاع ادريس شحتان، فرصة استئناف الحكم الابتدائي، وهو في حالة سراح، كما ينص على ذلك القانون، جرى اللجوء إلى مسطرة استثنائية وتعسفية لا مبرر لها". وذكرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، بموقفها المبدئي الرافض للعقوبات السالبة للحرية في قضايا الصحافة والنشر، وتؤكد أن استمرار اعتقال مدير أسبوعية "المشعل"، والحكم بحبس الصحفيين مصطفى حيران، ورشيد محاميد من الأسبوعية نفسها، يناقض كل تعهدات السلطات المغربية، بخلق أجواء الانفتاح والتخلي عن تشددها تجاه الصحافة.