في العشرين من هذا الشهر، أصدرت منظمة «مراسلون بلا حدود» الترتيب السنوي الثامن لحرية الصحافة في العالم. وتستند المنظمة في إعداد وصياغة التقرير إلى مساعدة ومشاركة المئات من الخبراء والصحافيين الذين يجيبون عن استبيان توافيهم به المنظمة ويأخذ بعين الاعتبار انتهاكات حرية التعبير التي تمارس بين فاتح سبتمبر و31 غشت من السنة. فيما يثبت الترتيب التوجهات الكلاسيكية للوضع الصحافي في دول شمال أوربا التي تتربع منذ سنوات على رأس القائمة، مثل الدانمارك (المرتبة الأولى)، فنلندا (المرتبة الثانية)، السويد... وفيما حافظت بعض الدول (مثل النرويج وسويسرا) على نفس الترتيب وعرفت دول أوربية أخرى (مثل بولونيا وليتوانيا وقبرص) قفزة في الترتيب؛ شهدت دول (مثل بلجيكا وتشيكيا وليستونيا وإسبانيا والبرتغال) تراجعا في الترتيب مقارنة بالسنة الماضية... لكن المفاجأة أتت من فرنسا، «بلد الحريات»، التي احتلت المرتبة الثالثة والأربعين، بفقدانها ل10.67 نقطة! حيث تتقدمها بلدان إفريقية مثل غانا (المرتبة 27) أو مالي (المرتبة 31). ويعزو التقرير الانتكاسة إلى علاقات الشد والجذب بين قصر الإيليزيه والإعلام، التي تميز بها عام 2009. وهكذا، لم يسلم «بلد الحريات» من انتقادات المنظمة التي اعتبرت أن حرية الصحافة في فرنسا عرفت منذ بضع سنوات تراجعا حقيقيا، وذلك بسبب التوتر الذي أصبح دائما بين الصحافة وقصر الإيليزيه والذي ترجمته الضغوطات المستمرة على الصحافيين كي يكشفوا عن مصادر أخبارهم، دون الحديث عن التوتر الذي تسبب فيه إصلاح القطاع السمعي-البصري. وهكذا، تميزت سنة 2008 بتوتر في العلاقات، بل بالمواجهة بين الرئيس ساركوزي والإعلام. فيما جرت العادة على ألا يرفع رؤساء الجمهورية دعاوى ضد الصحافيين، وهو تقليد راسخ في هذا الباب، داس الرئيس ساركوزي هذا العرف ليرفع دعوى ضد أسبوعية «لونوفيل أوبسيرفاتور»، وذلك في موضوع الرسالة الإلكترونية، الإس-إم-إس، الذي تحدث عنه خطأ ً صحافيُ الأسبوعية مشيرا إلى أن ساركوزي أرسله إلى عقيلته السابقة؛ كما أن ساركوزي كرر هجومه على صحف وأسبوعيات، مثل «ليكسبريس» و»ماريان» و«لوباريزيان» و«لوجورنال دو ديمانش» ووكالة الأنباء الفرنسية، متهما إياها بكونها أجهزة معارضة له. في ما يخص إصلاح الإعلام السمعي-البصري، فقد عين الرئيس ساركوزي على رأس بعض القنوات رؤساء يقعون على خط سياسته. وفي أبريل من هذا العام، استدعت فرقة محاربة الإجرام أربعة صحافيين من الموقع الإلكتروني Rue 89، حيث اتهمتهم بالسرقة وحجز وثائق، بعد أن نشر الموقع تصريحات لنيكولا ساركوزي خارج أستوديو القناة الثالثة في موضوع الإعلام والجهاز العمومي. وتشير المنظمة إلى أنه بسبب التحرشات والمضايقات (استدعاء الصحافيين وحجز وثائقهم) أصبحت فرنسا تتربع على رأس البلدان الأوربية في سجل الخروقات. أما المغرب، فحظي بالمرتبة ال127، يتقدم حقا الجزائر (في الرتبة 141) وتونس، لكنه فقد ريشه مقارنة بالسنة الفائتة. عربيا، وباستثناء الكويت (المرتبة 60) ولبنان (61)، لا زالت حرية الصحافة على وضعها الكارثي. من خلال هذا الترتيب، الذي هو عبارة عن مرآة صقيلة، يتبين أن أغلبية من دول العالم، بما فيها المسماة ديمقراطية، تهاب حقائق السلطة الرابعة ولا تتردد، وبكل الوسائل، في لجم تعابيرها المكتوبة، المرئية والمسموعة.