من التقاليد والعادات المتجدرة في قيم وسلوكيات وأخلاق المغاربة ؛ أن كرمهم لا حدود له ،كرم قد يفوق كرم حاتم الطائي ؛ ذاك الرجل البدوي الكريم الذي زاره ضيوف في كبد الليل ولم يجد ما يقدمه لهم من أكل كواجب للضيافة ؛ سوى أن ينحر لهم حصانه الأدهم الذي كان يحبه أكثر من أبناءه ؛ وكانت كل القرى تعرف معزة هذا الحصان لصاحبه حاتم ، فلما أكلوا وشربوا وشكروا له حسن الضيافة ؛ سألوه عن الحصان ، فقال لهم مستغربا : هل تعرفون الأدهم ؟ قالوا له : لقد جئنا لنشتريه منك بالثمن الذي تطلبه ؛ وما اهتدينا إلى منزلك إلا في هذا الليل ذلك ؛ فقال لهم : إن ما تأكلون هو الحصان ، فلم أجد شيئا أقدمه لكم وأنتم ضيوفي سوى الأدهم . أسباب هذه القصة الحاتمية جاءت لتوضح مع شيء من التأكيد أن الكرم المغربي ؛ بدأ ينزل عن عرشه في المدن وليس بالقطع في البوادي والقرى ، في المدينة وضوضاؤها انشغل الناس في أمور دنياهم ؛ فلم يجدوا الوقت الكافي حتى لهرش فروة رؤوسهم ؛ في المدن أصبح الوقت عملة صعبة ؛ يصعب هدره بشيء يمكن أن نسميه تفاهة " الضيافة " لأن الحياة حركة والحركة بركة فلكي تفوز فلا بد لك أن تستغل كل ثانية في حياتك – اعمل أصغري على كبري – فرجال التعليم مثلا وليس كلهم ، فالحياة عندهم عمل في القسم ؛ وساعات إضافيات للدروس الخصوصية الليلية ، وحصص ودروس على شكل تعاقد مع بعض المؤسسات التعليمية الخاصة ؛ ومن لم يجد له عملا إضافيا خارج أوقات العمل الرسمية ؛ تبقى التجارة مجاله المفضل ؛ البيع والشراء في الدراجات النارية أو في السيارات ؛ بل أعرف أستاذا لمادة الفيزياء يبيع ويشتري في " الثوم " . وعودة إلى موضوع هذا العمود ؛ في المدينة بعد هذا الزخم الكبير من المشاكل التي يتخبط فيها المرء صباح مساء ، تاه الكائن الإنساني في كل متاهاتها ، محاولا الخروج إلى برالأمان بأقل كلفة وبأقل الخسائر ؛ فعلى سبيل المثال وليس على سبيل الحصر؛ حضرت عزاءا في المدينة في حي راق جدا ؛ حي نسميه تجاوزا " الفيلات " علية القوم ونخبها ؛ فلا أحد من ساكني هذه الفيلات شعربأن أحد جيرانه فقد عزيزا عليه ؛ نصبت خيمة كبيرة ؛ لكن لا أحد شارك أسرة الفقيد حزنهم ؛ هذه فقط واحدة من عشرات القصص ؛ التي تؤكد بالواضح أن سكان المدينة قد نسوا شيئا من أخلاق سلفهم السابق . في البادية الفرح والقرح وجهان لعملة واحدة ؛ في البادية إذا ماكان هناك مأتم فكل سكان الدوار والدواوير القريبة أو البعيدة ؛ يعنيها هذا المأتم ؛ فالحزن حزنهم والفرح فرحهم ، فتجد الناس تتوافذ بالعشرات لإشعار أسرة المتوفي بأن البقاء لله تعالى ولسان حالهم يقول : أننا مازلنا أسرة مترابطة ؛ أما النساء فكرمهم فوق كل الكرم ؛ الأكل يصل اتباعا من كل المنازل ومن كل الدواوير . أما الفرح فشيء آخر ؛ الأكل تتقاسمه العائلة في الإعداد ، وهو متوفر بشكل كبير ومتنوع ، أفراح تستمر في بعض الأحيان إلى أكثر من خمسة أيام . صحيح أن الشعب المغربي كريم ومضياف ؛ لكن يبدو أن المدينة والحداثة قد أنستنا عظيم أخلاقنا ؛ فتهنا في زحمة الحياة غير مبالين بتاريخ أجدادنا العظام ؛ حياة أنستنا أن أجدادنا في كل ليل وقبل الخلود إلى النوم كانوا يوقدون النار أمام منازلهم لتقود زوار الليل إلى بيوتهم ؛ قصد الإستراحة والضيافة . فمتى يتذكر مغاربة المدن والحضارة تاريخ الأجداد ؟؟؟ مجرد سؤال .........