تحفظت شريحة من المغاربة على مبادرة دعوة دول مجلس التعاون الخليجي بلادهم في الانضمام لهذا التكتل، في حين رحبت غالبية الذين استطلعت «العرب» آراءهم بالعاصمة الرباط بدعوة قادة دول المجلس كلاً من المملكتين الأردنية والمغربية للانخراط في هذه المنظومة، بيد أنهم أكدوا على صعوبة تحقيق ذلك بالنسبة للمغرب بسبب البعد الجغرافي والاختلافات الاجتماعية، مشددين على أهمية تطوير الشراكة والتعاون خاصة في المجالات الاقتصادية. ويأتي استطلاع الرأي الذي أجرته «العرب» في العاصمة المغربية في اليوم التالي لعقد وزراء الخارجية الخليجيين اجتماعا بالأمانة العامة للمجلس في مدينة جدة الساحلية بحضور نظرائهما من المغرب والأردن.
وكان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني أعلن في خطوة مفاجئة إثر قمة تشاورية في الرياض في العاشر من مايو الماضي تأييد قادة الدول الست انضمام البلدين العربيين غير النفطيين لصفوف المجلس.
بوابة إفريقي وفي هذا الصدد اعتبر الدكتور عمر الكتاني أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط أن مبادرة دعوة المملكتين المغربية والأردنية للانضمام لدول مجلس التعاون الخليجي فكرة جيدة من حيث المبدأ، مشيراً إلى أن كل تكتل سياسي أو اقتصادي يشكل قوة وتحديا في هذا الوقت الذي يعرف بعصر التكتلات والتحالفات على المستوى العالمي. واستطرد الكتاني مؤكداً على أن أهداف هذه المبادرة ليست واضحة بالشكل الكافي، فهل هي تكتل أمني أم اقتصادي، أم هما معا؟ وقال إنه «يغلب الظن أن الأهداف السياسية خلف هذه المبادرة بانضمام المغرب والأردن أكثر منها أهدافا اقتصادية»، معتبرا ذلك خطأ من الناحية المنهجية، لأن الاقتصاد هو الذي يتحكم اليوم في سيرورات الدول عبر العالم ويحدد توجهات النظام العالمي بكافة تجلياته، مستدلا في هذا الصدد بفشل المحاولات الوحدوية العربية السابقة، لأنها غلبت الأبعاد السياسي ولم تراع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، محذرا من تكرار نفس التجربة بخصوص هذه المبادرة الوحدوية الجديدة.
قصة تاريخية أما بخصوص الجوانب الاقتصادية، فقد أكد الخبير الاقتصادي عمر الكتاني أن أمام المغرب فرصة تاريخية الآن، فكل الظروف مواتية جدا لكي يستفيد من اندماجه وشراكته مع دول مجلس التعاون الخليجي ليلعب دور القاطرة والقنطرة في جلب الاستثمارات الخليجية إلى المغرب والقارة الإفريقية برمتها، موضحا أن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي تعانيها الدول الأوروبية وأميركا مرشحة للاستمرار فترة مقدرة من الزمن، وبالتالي فإن دول الخليج ستستنكف عن إرسال رؤوس الأموال إلى هناك حتى تتجاوز الأزمة، وبالتالي فهي ستتجه للبحث عن دول مستقرة تشكل حاضنات أمينة لهذه الرأسمالية الهامة. وأكد أن المغرب يمكنه أن يلعب دور القنطرة للاستثمارات الخليجية نحو إفريقيا، وذلك بالرهان على جلب ما يقدر ب150 مليار دولار تشكل فائض دول الخليج التي يصل ناتجها الداخلي السنوي إلى 500 مليار دولار سنوياً. ويعد المغرب بالفعل بوابة عبر المتوسط للقارة الأوروبية فضلا عن كونه بوابة نحو السوق الأميركية عبر المحيط الأطلسي، فيما أبرمت الرباط اتفاقية تجارة حرة مع واشنطن، الأمر الذي ينسحب على الأردن أيضا.
قدرات وبرر الدكتور الكتاني قدرة المغرب على القيام بهذا الدور بالعلاقات السياسية والاقتصادية الجيدة التي تربط المغرب بجل الدول الإفريقية، وكذا التواجد البنكي المغربي في عدد من العواصم الإفريقية، لكن أكد ضرورة العمل على تأهيل البنية التشريعية المالية لتكون قادرة على التعامل المالي الإسلامي، مشددا على قدرة المغرب في حالة إقدامه على هذه الخطوة التشريعية على خلق مركز مالي إسلامي قوي قادر على جلب الاستثمارات الخليجية يضاهي كبريات المراكز المالية الإسلامية المعروفة عبر العالم. وحذر الكتاني السلطات المغربية من تفويت هذه الفرصة الاقتصادية الهامة خاصة في ضوء التنافس الصيني التركي على المنطقة، ومحاولاتهما إيجاد موقع قدم في السوق الإفريقية والهيمنة على الرأسمالية الخليجية، ودعا الخبير الاقتصادي إلى مباشرة المفاوضات مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية على أساس الشراكة والتعاون الذي يحقق الاستفادة للجميع، ولم يستبعد الخبير الاقتصادي أن يكون لهذه الشراكة الاقتصادية ثمن سياسي وأمني، لكنه أكد أن المقاربة الأمنية يجب ألا تكون منفصلة على الإصلاحات السياسية، مشيراً إلى أهمية تركيز المغرب على فكرة الشراكة والتعاون عوض الاندماج والانضمام.
ربيع عربي
ومن جانبه غلب الإعلامي أنس مزور مدير مؤسسة الصحراء الكبرى للإعلام والبحوث الجوانب والاعتبارات السياسية في تحليله ونظرته للمبادرة الخليجية، وأرجع خلفيات هذه الخطة إلى «إدراك دول الخليج أن زهور الربيع العربي قد تلهم مواطنيها بالتطلع إلى أنموذج الثورات العربية التي أسقطت أنظمة جمهورية شبيهة بالملكيات. ولا يبدو أنها ستقاوم لمدة طويلة مطالب الغرب بالديمقراطية ومطالب النخب الرافضة لأنماط الحكم المعتمدة. فتبين لها أن أنموذج المملكتين الأردنية والمغربية هما الأقرب إلى نظام الدولة الذي يحترم المعادلة الجديدة بالخليج». واعتبر أن هدف المطالبة بالانضمام قد يكون وراءه اعتبار المغاربة والأردنيين أنسب مهاجرين قد تستقبلهم هذه الدول للاشتغال بمؤسساتها الخاصة والعمومية. مما يحتاج إلى وضع جديد في التعاون بين دول مجلس التعاون والمملكتين، وقال إنه مقابل استفادة دول الخليج من تجربة النظامين الأردني والمغربي. سيوفر لهما مجلس التعاون إمكانات مهمة للإقلاع الاقتصادي. واعتبر أنس مزور هذه هي الإيجابية الوحيدة في نظره التي يمكن أن يفرزها انضمام المغرب لمجلس التعاون الخليجي، أما السلبيات في اعتقاده فأكد أنها المساعدات الاقتصادية والاستثمارات المرتقبة من الخليج قد تؤثر في تحريف مسار التوجه نحو الديمقراطية الذي يعيشه المغرب، إذ ينتظر أن تكسب المساعدات الاقتصادية مزيدا من الوقت لمناهضي التغيير بالمغرب، حيث سيجدون بديلا للتنمية عبر الحكامة الجيدة من خلال أموال الخليج ومساعداته. واقترح مدير مؤسسة الصحراء الكبرى للإعلام والبحوث أن الصورة الحقيقية لخطوة انضمام البلدين إلى مجلس التعاون الخليجي هي اتحاد للملكيات العربية. من أجل ضمان الاستمرار لأنموذج من الحكم يبدو أن رياح المنطقة تجري بما لا تشتهيه قصور الحاكمين.
نقاط مشتركة وعبرت فاطمة الزهراء الأمني، أستاذة التعليم الثانوي عن مفاجئتها بدعوة مجلس التعاون لدول الخليج العربي كلا من المغرب والأردن للانضمام إليه، وقالت: «في اعتقادي أن فكرة هذا الانضمام قد تكون مبادرة جيدة باعتبار وجود عدد من النقاط المشتركة بين الطرفين، أهمها الدين واللغة»، لكنها عبرت عن استغرابها مما أسمته ب»الحملة الإعلامية المغرضة» التي قام بها البعض بدول الخليج يهينون فيها الشعب المغربي بدعوى الخوف من الطابع التحرري للمغرب والاختلاف الثقافي والبعد الجغرافي وغير ذلك، مما اعتبرته سوء فهم للواقع المغربي وخصائصه. وتؤكد فاطمة الزهراء: «أنه ما دام الإسلام واللغة قاسمين مشتركين أساسيين بين المغرب والأردن ودول الخليج، فهذا يكفي أن يكون حافزا للنظر بإيجابية لهذه المبادرة إذ كانت الاستفادة ستعم الطرفين وستوحد الشعوب». وأضافت: «أما إذا كانت دول الخليج تسعى من خلال طلبها لهذا الانضمام إلى تحقيق أهداف أخرى قد تكون سياسية أو أمنية أو اقتصادية، فإننا نخشى من تكرار التجربة الفاشلة للاستثمارات الأجنبية التي لم يستفد منها الشعب المغربي مباشرة، بل ذهبت لجيوب الفاسدين، وفي هذه الحالة فنحن طبعا سنرفض هذا الانضمام، وسيظل أملنا هو توحد جميع الشعوب العربية والإسلامية من أجل النهوض بهذه الأمة بحول الله».
إصلاحات سياسية وبدورها زاوجت الطالبة صفاء الحلوطي (تخصص علوم سياسية بمدرسة الحكامة والاقتصاد بالرباط) بين الترحيب والتحفظ، وقالت «إن طلب مجلس التعاون الخليجي انضمام المملكة المغربية الذي حظي بتأييد قادة الدول الست جاء في ظرفية سياسية غير اعتيادية يعرف فيها العالم العربية تحولات سياسية مهمة، معتبرة ذلك مفاجئا للشعب المغربي بشكل عام حيث لم تحدد لا طبيعته ولا دواعيه، وكذا عدم قيام هذا الانضمام على أي أساس جغرافي أو تاريخي مشترك. وأضافت الحلوطي: «شخصيا أؤيد هذا الانضمام ولو ببعض التحفظ، وتأييدي جاء بناء على مجموعة من المعطيات التي قد أعتبرها إيجابية إلى حد ما والتي هي في صالح المملكة المغربية بالدرجة الأولى، وذلك على مستوى إنعاش الاستثمارات الخليجية بالمغرب مثلا أو حتى حل مشكلة التأشيرة بالنسبة للمغاربة الراغبين في الاستقرار أو العمل بدول الخليج، لكن هذا لا يوازي من حيث الأهمية إمكانية تزويد المغرب بالنفط بأثمنة تفضيلية، فهذا سيكون أكبر مكسب بجانب المساعدات الاقتصادية الأخرى التي قد يستفيد منها المغرب والأردن. أما بخصوص تحفظها على المبادرة، فتشدد الطالبة على أنه يأتي على مستويين. الأول أن ليس لهذا الانضمام أي أساس جغرافي مشترك على عكس جميع التكتلات المعروفة، متسائلة عن موقع المغرب من الالتزام بالاستمرار في اتحاد المغرب العربي في حالة عضويته بمجلس التعاون الخليجي، أما المستوى الثاني فتجمله الحلوطي في كون المغرب قطع أشواطا مهمة في مجالات حقوق الإنسان والحريات وإرساء دولة الحق والقانون والانتقال الديمقراطي والذي حقق فيه الشيء الكثير خصوصا مع اعتماد الإصلاحات الدستورية الأخيرة التي عرفتها المملكة، وهو ما يفرض على دول الخليج ضرورة الارتقاء إلى هذا التطوير السياسي من أجل تحقيق التجانس والانسجام المنشود. وأكد السيد زكرياء حميدان (موظف) عن الموقف نفسه من خلال حديثه عن إيجابيات وسلبيات هذه المبادر، وقال «في نظري انضمام المغرب لمجلس التعاون الخليجي له إيجابيات وسلبيات، أما عن الإيجابيات فيمكن تركيزها في استفادة المغرب من الرأسمال الخليجي وسوق الشغل التي يمكن أن توفرها هذه الدول، وتفعيل الاتفاقات التجارية والاقتصادية بين هذه البلدان، أما السلبيات فهي تتعلق بالاتفاقيات العسكرية والدفاع المشترك لحماية الدول الخليجية من أي مد شيعي محتمل من إيران خاصة في ضوء المنطقة من توترات في عصر الثورات.
الجانب الأردني وكان وزير المالية الأردنية الدكتور محمد أبو حمود قد أبلغ «العرب» في حوار نشر يوم أمس أن انضمام بلاده للمنظومة الخليجية يأتي لمواجهة تعاضد التكتلات الاقتصادية الدولية والإقليمية القائمة على أسس سليمة ووفق قواعد تخدم مصالح مختلف الجهات. وقال الوزير ذاته «نحن على يقين بأن دول مجلس التعاون الخليجي تشكل عمقاً استراتيجياً للأردن، وبأن العلاقات بين الأردن ودول الخليج هي علاقات استراتيجية وتاريخية وقائمة على مبادئ التعاون المشترك والاحترام المتبادل، لذلك فإن انضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي سيشكل إضافة لهذا التجمع الإقليمي، كما أنه سيشكل نقلة ذات مغزى بالنسبة للأردن، وهناك ثقة بأن هذا الانضمام ستكون له آثار إيجابية على الطرفين، خاصة أن عمان تحظى حالياً بعلاقات مميزة مع دول الخليج الشقيقة، ومن المؤكد أن استثمارات هذه الدول في الأردن تشكل أحد الجوانب الرئيسة التي نقدرها عالياً، كما لا ينبغي أن ننسى مستوردات المملكة من دول الخليج خاصة النفط، حيث إن هذه الدول هي المزود الأساس للمملكة بالطاقة».
نبذة وتأسس مجلس التعاون العام 1981 من الدول الخليجية الست أي قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين وسلطنة عمان، وفي حال نجاح مفاوضات انضمام المغرب والأردن، فمن المتوقع أن تشهد المنطقة تغييرا مهما في بنيتها السياسية والأمنية خصوصا.