قد يكون الدستور المغربي القادم إن تم إقراره بالتصويت عليه ب"نعم"مطلع شهر يوليو مفخرة للمغاربة ،لا بمحتواه الذي ينتقده البعض في المعارضة الشبابية الجديدة من خلال حركة 20 فبراير وجماعة العدل والإحسان بقدر ما سيذكره التاريخ بخلاف باقي الدساتير القديمة بأنه ولادة مباركة لمخاض عسير ،وحصيلة خرجات ومظاهرات عمت أرجاء المملكة، أربكت فيها أوراق الأحزاب العقيمة قبل أن يتدخل الملك ليحفظ ماء وجهها ، فأخذت الأحزاب بعدها "تهلل" وتطبل وكأنها صانعة الإنجاز والمتحكمة في الإصلاحات كما سارعت إلي إبداء الآراء وتقديم اقتراحات جوفاء ارتأت من خلالها المحافظة على علاقتها بالمؤسسة الحاكمة، مجسدةً للنمط التقليدي التي دأبت عليه منذ الأزل ،ماعدا أحزاب) الحزب الإشتراكي الموحد وحزب الطليعة( عدت على رؤوس الأصابيع خرجت شيئاً ما عن المألوف ، حين طالبت بما طلب به "الفبريريون" : من ملكية برلمانية خالصة وضرورة تقليص صلاحيات الحاكم وتفويض بعض المهام لمنتخبي الشعب.... الشباب المغربي اليوم وشحه التاريخ بوسام من دهب بغض النظر عن توجهاته وإيديولوجياته : أولاً بحكم دفعه النظام إلى تعديل الدستور وثانياً كشفه لعورة الأحزاب التي ما فتئت تخفى عن أي مواطن بسيط في هذا البلد،ومنه فالإشكال المطروح حالياً يتمثل في جدوى بقاء التمثيلات السياسية على حالها ،إذ يقتضي الواقع إعادة فرز خطط جديدة من قبل هذه الأحزاب لمواكبة غليان الشارع وضرورة اعتبار المرحلة الآنية ؛ مرحلة مفصلية ونقطة انعطاف لوضع قطيعة مع الماضي السياسي المرير . الإصلاحات الحالية تخدم الأحزاب في بنيتها ونهجها أكثر مما تخدم المتظاهرين ،يتجلى ذلك من خلال الدعوة إلى مقاطعة الاستفتاء أو التصويت ب"لا" ضداً على نداءات الأحزاب . الخلاف الحاصل قد يفسره البعض بتحجر أفكار الحركات المعارضة وعلى نقيضه ينوه بعض المتتبعين بتفهم الأحزاب ،مما يعزز الفكرة القائمة على مرونتها المصطنعة وهو ما يجعل حركة 20 فبراير في مهب انتقادات عديدة ويعيب على موقفها ودعوتها للتظاهر مرةً أخرى . ما يحدث في المغرب هو نفسه ما يحدث في اليمن وسوريا الآن وما لم يحدث في الحالتين المصرية والتونسية قطٌ . خرجت مستشارة الرئيس السوري لأول مرة عقب إندلاع الثورة السورية قبل أربعة أشهر داعيةً الجميع إلى التريث وانتظار الإصلاحات فماكان من أحزاب المعارضة إلا أن لبوا النداء وانتظروا مدةً ليست بالهينة قبل أن يخرجوا عن صمتهم بعد أن فطن الجميع لأكاذيب حزب البعث. لم تخلف هذه الأحزاب وعدها والتحقت بركب المتظاهرين حتى لا تكون أضحوكة لغيرهم وهنا يتجسد الخيار المنطقي والمقبول المبني أولاً على الانتظار ،ثانياً تدارس ما جاد به الواقع ،ثالثاً اتخاذ القرار الحاسم،وهو ما لم تفعله أحزابنا، بسرعة الضوء التأمت مجالسها الوطنية بروتوكولياً لتتخذ قرارها بالتصويت ب"نعم" ضاربةً آراء المواطنين عرض الحائط ، لتعلن للملأ نفاقها قصد الزج ببقية الشعب المناوئ في مصاف المعارضين للنظام بمجمله. على سبيل المقارنة لا غير،حالة الأحزاب المغربية تكاد تنطبق بنظيرتها اليمنية المتمثلة في "أحزاب اللقاء المشترك" المعارض للحزب الوطني الحاكم بزعامة الرئيس عبدالله صالح , حيث نكلت بالمتظاهرين ودخلت في مشاورات بشأن إنتقال السلطة عبر الوساطة الخليجية وهو ما شكل خروجا عن رغبة الجماهير إلا أن قوة الشارع الثائر أضعفت من إنتهازية هذه المرتزقة والحال ينطبق على الأحزاب الوطنية التي يسعى قادتها إلى التقرب من النظام والظفر بالحقائب الوزارية رغماً عن أنف الشعب المقهور.الواقع يتحتم على الأحزاب الوقوف إلى جانب الأغلبية سوءاً أرادت التصويت ب"لا" أو "نعم" حتى يتسنى لنا القول بأن هناك أحزاب تمثلنا فعلاً !!!! . بالعودة إلى قيمة الإصلاحات الدستورية والمكانة التي تبوأها الشباب كقوة اقتراحية مؤثرة وكعنصر فاعل إستطاع عبر الإحتجاجات فرض كلمته رغم المقاربة الأمنية التي عالج بها المسؤليين الأمر في أوله، فبغض النظر عن ايجابيات وسلبيات الإصلاحات المعلنة يطرح مشكل عويص أمام شباب 20 فبراير قد يكون مصدره الدولة : ألا وهو الإنجرار نحو معركة حديثة العهد ستدور رحاها بين أسوار الدستور الحالي ،إذ لم يكن أساسا الهدف الرئيسي للحركة بحكم إيمانها المطلق بكون الدستور إطار عام و مرجع قانوني ينظم الحياة العامة بفساحتها و لن يتمخض عنه أي إجراء يضع حداً لتجاوزات أفراد بعينهم ،طغوا في الوزارات واستفحل فسادهم على رأس إدارات عمومية عملاقة. الإبقاء على المطالب المرفوعة منذ 20 فبراير سيكسب الشباب مزيداً من التعاطف في هذه اللحظة بالذات خصوصاً من أولئك المترددين حول ضم أصواتهم للمتظاهرين قبل صدور الدستور ،كما أن عدم الخوض بشكل مفرط في فحوى الدستور وتوجيه الخرجات الأسبوعية نحو إسقاط الفساد يكفل زيادة القاعدة الجماهيرية إتساعاً . الأحزاب السياسية كسبت الرهان وكعادتها خرجت مرفوعة الهامة وبأقل الخسائر ،بينما ورطت من جديد المعارضة الشبابية الغير مؤطرة حزبياً في حربٍ ؛المستفيد منه لا يعدو أن يكون سواها ،بعد إثارتها لمواضيع تنبئ بأزمة مفاهيم عميقة وكذا العودة إلى أزمة فحوى الخطاب السياسي المعلن من قبل حركة 20 فبراير،كما دفعت الأحزاب إلى الثأر لنفسها مستعينةً بتبرئها مما تعمد الحركة الشبابية الفتية إثارته من "استباحة المحرم" والمس بالثوابت الوطنية التي لا محيد عنها و غيرها من الطابوهات التي لا ترقى إلى مستوى نقد أي إطار سياسي. إن ما يعرفه المغرب من حراك سياسي لا يمكن فصله عما يجري في الأقطار العربية من المحيط إلى الخليج ،إذ تتسارع التيارات المختلفة عبر الآليات المتاحة إلى الزج بمعارضيها في متاهات المفاهيم المعقدة أو إثارة "النواقص الفكرية" لإثبات مدى نجاعة التوجه المتبع ومدى إعتلال العنصر المنافس ، ففي المغرب على سبيل المثال - لا الحصر - لا ينظر إلى منجزات الحركات المناضلة بقدر ما تنتقد السياسة المتبعة في سبيل الإتيان بما هو أفضل مما يكبح جماح أي مبادرة قد يكون وقعها أكثر نفعاً . أمانةً، حركة 20 فبراير جادت علينا بهذه الإصلاحات الدستورية أملاً في إسقاط أذيال الفساد مستقبلاً ، فلماذا لا تثمن الأحزاب الحالية مجهودات الحركة عبر خلق قناة للتواصل ؟ لا أن تنزوي وتنساق جل الأحزاب الموالية والمعارضة وراء الخطاب الرسمي تاركة الحناجر المبحوحة تغرد لوحدها !!! مجمل الوقائع الراهنة تنذر بظهور أزمة جديدة في الأوساط الإجتماعية المغربية ناتجة عن سوء التقدير وسوء إستعمال المفاهيم فحبذ لو كانت الحملة الدعائية للإستفتاء ب"نعم!!!" على الدستور أكثر واقعية ووضوح، فهل تكن كذلك يا قادة الأحزاب ؟