أمام هذه الحملة الإعلامية التي تقوم بها هيآت سياسية ونقابية ودعوية في موضوع مراجعة ما يتعلق بالإسلام في الوثيقة الدستورية من لدن لجنة المراجعة، يتوارد على الذهن الكثير من الأسئلة والاستغراب، ليس من الحملة الإعلامية، فهذا حق مشروع لكل الفاعلين السياسيين، ولكن الذي يثير الاستغراب إذا كان الأمر صحيحا هو أن تعمد اللجنة إلى مراجعة ما لم يكن واردا في موضوع المراجعة، لأن تأسيس اللجنة جاء اثر الخطاب الملكي السامي ليوم تاسع مارس 2011 والذي أكد فيه جلالته على الثوابت التي تعتبر ثوابت المغاربة جميعا والتي لا يمكن أن تكون موضوع المراجعة. نعم قد يكون موضوع المراجعة المقترحة من لدن بعض الأحزاب والهيآت ومن ضمنها حزب الاستقلال في الموضوع هو تقوية الثوابت بما يخدم دور المغرب التاريخي والحضاري في محيطه الإقليمي والدولي وبالأخص في العالمين العربي والإسلامي، ولكن أن تعمد اللجنة إلى مراجعة المادة الإسلامية بحذف ما كان موجودا في صلب الدستور وديباجته حيث نجد في الديباجة كما هو معروف وفي أول سطر منها: (لمملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة..الخ وفي الفصل السادس: الإسلام دين الدولة والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية. إن هذا التنصيص في الدستور الحالي هو ما دأبت كل الدساتير التي عرفها المغرب على تأكيده منذ سنة 1962. وهو في الوقت نفسه جوهر وأساس ما قامت عليه الدولة المغربية منذ أربعة عشر قرنا. ولا تكتفي الدساتير المغربية السابقة على تأكيدها وإنما تؤكد معها أنها غير قابلة للتعديل وهذا ما نجده مؤكدا في كل الدساتير التي عرفها المغرب في النصف الأخير من القرن العشرين. ففي دستور سنة 1962 ينص الفصل مائة وثمانية منه على: (النظام الملكي للدولة وكذلك النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة.) وفي دستور عام 1970 رغم ما لنا من ملاحظات عليه فإنه في الفصل المائة يقول: - النظام الملكي للدولة وكذا النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة. وفي دستور سنة 1972 نجد نفس المادة في الفصل 101. أما الدستور الحالي الذي تتم مراجعته فهو ينص في الباب الثاني عشر منه وفي الفصل السادس بعد المائة: النظام الملكي للدولة وكذا النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن ان تتناولها المراجعة. والسؤال الذي يلح كثيرا ما الدافع للتعدي على الدستور وتعديل النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي؟ ثم إن هذه المراجعة اللادستورية وفق أحكام الدستور الحالي الا يمكن أن يتجرأ من قام بها أو دفع للقيام إلى مراجعة المادة بالكامل؟ ويتناول بالمراجعة موضوع النظام الملكي، فجلالة الملك كلف اللجنة بالمراجعة من أجل (تحصين المكتسبات وتقويم الاختلالات...) وأكد جلالة الملك «ولنا في قدسية توابتنا التي هي محط إجماع وطني وهي الإسلام كدين للدولة الضامنة لحرية ممارسة الشعائر الدينية وإمارة المؤمنين والنظام الملكي والوحدة الوطنية و الترابية...إلخ. إن ما تتداوله الصحف إذا كان صحيحا _ولا دخان بدون نار_ فإن اللجنة خرجت عن المسار الذي وضعه جلالة الملك في خطابه التاريخي يوم تاسع مارس كما سعت من خلال عملها إذا صح التعبير إلى خلق بلبلة في موضوع يعتبر من المواضيع التي لا يقبل فيها المواطن المغربي البلبلة والمساومة أو التلاعب. إن ما يجمع المغاربة بكل شرائحهم بما فيهم الأقلية الدينية اليهودية هو ما يوفره الإسلام من تسامح وتعايش وتساكن واحترام الغير. وإن التدخل الأجنبي بواسطة بعض الأطراف هنا أو هناك باسم الحرية الدينية الذي لاحظناه في السنوات الأخيرة ومن أجل فتح المجال أمام الإرساليات التنصيرية هو الذي يمكن أن يكون ما يتداول في شأن مراجعة موضوع النصوص المتعلقة بالإسلام في الدستور هو ما يتبادر إلى ذهن الملاحظين والمتتبعين ولاشك أن هذا سيكون الطرف الذي يسره ويسعده أن ينزلق المغرب نحو علمانية مدمرة والتي من شأنها أن تقوض المقوم الأساس الذي يجمع المغاربة دينا ومذهبا؟ عن الأمر يتطلب مراجعة وتطمينا فوريا للرأي العام المغربي المتشبث بهويته الإسلامية وهوية الدولة المغربية ولاسيما في الظروف الحالية التي تعرف فيها كثير من الدول القلاقل والاضطراب.