المغرب يحتاج الى بناء صرح الثقة المفقود،الذي زال منذ سنوات بسبب السياسات الفاشلة السابقة في كافة المجالات الاقتصادية و الاجتماعية،و التي لم تعطي أكلها و ساهمت في تراجع المغرب الى مستويات مقلقة. ولو أردنا أخذ مسببات كل هذا الفشل سنجده متعدد و مستمر،على الرغم من تغيير الاشخاص الساهرين على انزال كل تلك المخططات و الاصلاحات للتطبيق، و هنا سأعطي مجرد مثال فقط على أحد النماذج الفاشلة، و في المقالات القادمة سأقوم بالتطرق لنماذج أخرى سابقة و حالية.
و أذكر هنا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،التي أعطى انطلاقتها ملك البلاد في شهر ماي من سنة 2005، و التي كانت ترمي إلى "تحسين ظروف عيش الفقراء" والمساعدة على "تحسين الاستفادة بشكل أوسع من الخدمات الأساسية والبرامج الاجتماعية والفرص الاقتصادية في المناطق الأكثرفقرا" من البلاد.
وكانت تهدف أيضا الى:
1-دعم الأنشطة المدرة للدخل؛
2-تحسين ظروف الولوج للخدمات والتجهيزات الأساسية ( التعليم- الصحة- الطرق – الماء...)؛
3-التنشيط الاجتماعي، الثقافي، الديني والرياضي؛
4-تنمية الكفاءات المحلية والحكامة الجيدة.
وخصصت لكل هذا مبالغ طائلة ابتدأت في انطلاقتها بمبلغ 250.000.000 درهم،و خصص أيضا لها ما بين سنة 2006 و 2010 مبلغ 10 ملايير درهم.كل هذه المبالغ الضخمة التي صرفت لم تحقق كل تلك النتائج التي خلقت من أجلها و هنا الفشل.
و المشكل الكبير الذي نعاني فيه في كل المخططات التي توضع للبلاد هو أننا نستمد نماذجها من الدول الغربية(كفرنسا)، و نحاول تطبيق ذلك على واقعنا في المغرب رغم ثبات فشل معظم نماذج التنمية المستوحاة من تلك البلدان،وهو مانحصد ثماره الآن.كما أن غياب استراتيجيات واضحة و بعيدة النظر،وذات صبغة مغربية خالصة،يجعلنا نتراجع بشكل مهول في كل المؤشرات التنموية سنة بعد أخرى و ما احتلال المغرب لرتب متأخرة الا دليل واضح على الطريق غير السوي الذي نسير فيه.
في تقارير مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأممالمتحدة، يأتي المغرب في المرتبة 123عالميا، وهي مرتبة متخلفة لا تبتعد إلا قليلا عن لائحة الخمسين دولة الأقل تقدما من بين 175 دولة العضو في هيئة الأممالمتحدة.و بالنسبة للمغرب العربي، يوجد المغرب ضمن الدول المتأخرة، رغم أن كل دول المغرب العربي الخمس تصنف ضمن مجموعة الدول ذات مستوى التنمية المتوسط.
وكل تلك المخططات لم تستطع تحريك العجلة الاقتصادية و التنموية لبلادنا،بل ساهمت في تأزيم الأوضاع المعيشية للفئات الأكثر هشاشة و فقرا،وزادت في الفوارق الطبيقة بين فئات الشعب الواحد،فأغنت الأغنياء وزادت في تكريس سلطتهم و هيمنتهم، وزادت في تفقير باقي فئات الشعب.حتى الطبقة المتوسطةالتي يعتبر وجودها هو صمام الأمان لأي بلد،فبدأت تزول سنة بعد أخرى بفعل غياب الاهتمام بها.بالاضافة الى غياب الرقابة والمحاسبة على منفذي تلك المخططات التي شابتها وتشوبها اختلالات تسييرية و مالية كبيرة، سواء في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي لم تحقق الأهداف التي خلقت من أجلها و لم تساهم في القضاء على الفقر أو حتى التقليل منه بل استعملت للابتزاز السياسي و لشراء المواقف من الخصوم بالدعم المالي،و استفاد أيضا منها المقربين من دوائر القرار و جمعياتهم أو غيرها. و هذا مجرد نموذج بسيط من تلك البرامج الفاشلة. و التي بفضلها تكرس الاستبداد بكافة أشكاله و أنواعه وزادت من الاحتقان الشعبي.حتى أصبح المواطن لا يبالي لا بمسؤوليه و لا بوعودهم المعسولة،والتي يطلقونها مع بروز شرارات الغضب في الشارع المغربي،الذي خرج للشارع للتظاهر و للمطالبة بالتغيير الشامل،و بالقطع مع ممارسات الماضي .حتى أصبح يشكل قوة ضغط أجبرت أعلى سلطة في البلاد تبادر للقيام ببعض هذه الاصلاحات التي يطالب بها المتظاهرون.
لكن الذي نلاحظه من اصلاحات و التي جاءت بضغط من الشارع ماهو الا ذر للرماذ في العيون ولن تقدم أي اضافة لكي تتغير الأوضاع السائدة حاليا، و لم تعطي أية اشارات قوية على وجود ارادة حقيقة للقيام بها،بالاضافة الى عدم ترجمة كل تلك الوعود التي أعطيت على أرض الواقع و بشكل مستعجل لامتصاص غضب الشارع الذي أصبح لا يبالي بكل ما يقال لأنه صمت آذانه بنفس الوعود المتكررة و المستمرة على مدى السنوات القليلة الماضية.بل يريد أن يرى كل تلك الوعود تطبق على أرض الواقع لتلمسه في حياته اليومية،ولكي تساهم في تحسين أوضاعه المعيشية.
و ما المراهنة على هذه الاصلاحات، لتهدئة الوضع وربح الوقت الا محاولة فاشلة للضحك على الذقون.وما رفضها من البداية من طرف الحركات الشبابية التي تقود هذا الحراك و المتظاهرين، الا دليل على الفشل الذريع في ارجاع تلك الثقة المفقودة التي هدمت منذ سنوات .و التي لن تتأتى الا بالاستجابة الفورية لمطالب الشباب و الشارع الذي يخرج للتظاهر لكي يندد بكل الأساليب المخزنية المشينة.،والصمت الرهيب أمام جلادي الشعب.
و لهذا يجب التحرك سريعا و الاستجابة الفورية و بدون شروط لمطالب المتظاهرين و بالخصوص حركة 20 فبراير،قبل فوات الأوان،لأنه لا يزال هناك وقت لتدارك كل هاته الأمور و القيام باصلاحات حقيقة و ملموسة،وليس اصلاحات صورية فقط.
لأن الدولة الناجحة هي التي تبني مخططاتها على أسس صحيحة لكي تتقدم و تتطوروتصبح قوية داخليا و خارجيا، و ليس على استراتيجيات و برامج هشة و فاشلة.