يبدو أن عقار الفياغرا لا يزال شغل الباحثين الطبيين، وحتى غير الطبيين، للاستفادة منه قدر المستطاع على كافة الأصعدة. وتتفاوت أخبار الفياغرا بين الجد والهزل، لكنها تدل على أن ثمة اهتماماً واسعاً بأي شيء، يثبت أو لا يثبت جدواه، في جانب تحسين الانتصاب لدى الرجال. وكان إعلان الباحثين السويديين على تأكيد أهمية أخذ مشكلة ضعف الانتصاب مأخذاً أكثر جدية في دقة التشخيص بالإصابة به، هو بسبب أن الشكوى من وجود هذه المشكلة، لدى الرجل السليم من أية أعراض لأمراض شرايين القلب، قد يعني أن ثمة مشكلة خفية، لم تظهر علاماتها بعد، في الشرايين التاجية للقلب. وكذلك الإعلان البحثي الجاد الآخر كان من قبل الباحثين البريطانيين، حيث قالوا إن ثمة مؤشرات تدل على أن قدرات الحيوانات المنوية على إخصاب بويضة الأنثى قد تتأثر بشكل سلبي جراء تناول عقار فياغرا. وهو جانب لا يزال يشغل الباحثين بدون نتائج حاسمة في تأكيده. لكن صدور مثل هذه الدراسة البريطانية يُثير تساؤلات حول الإفراط في تناول بعض من صغار السن البالغين والأصحاء، الذين لا يشكون بالأصل من ضعف في الانتصاب، لعقاقير مثل فياغرا أو ليفيترا أو سيالس، خصوصاً مع وجود بعض من الآثار الجانبية لاستخدام بعضها، كالتي قد تصيب قدرات الإبصار. * الفياغرا والحيوانات المنوية أعلن الباحثون من بريطانيا، ضمن عدد مايو الماضي من مجلة الخصوبة والعقم، الصادرة عن المجمع الأميركي لطب التناسل، أن تجارب المختبرات تشير إلى أن ثمة احتمالات حصول تأثيرات سلبية لعقار فياغرا على قدرات الحيوانات المنوية في ماء الرجل لجهة تمكنها من تلقيح البويضة الأنثوية بنجاح. وقال الباحثون من جامعة الملكة في بلفاست إن على متناولي فياغرا لغايات «ترفيهية»، وليس علاجية، إدراك أن ثمة سلبيات محتملة لذلك السلوك، في إشارة منهم إلى الأضرار المحتملة لإقبال البعض على تناول فياغرا بلا داع طبي، أي تناول فياغرا من قبل أشخاص لا يشكون بالأصل من صعوبات في تحقيق أي قدر من الانتصاب لتحقيق أداء العملية الجنسية. ولاحظ الدكتور ديفيد غلين، الباحث الرئيس في الدراسة، أن تعريض الحيوانات المنوية في أطباق المختبرات للفياغرا يُؤدي إلى رفع مستوى الحركة لديها، في كل من جانب سرعتها في حركة التنقل، وفي جانب تكثير عدد الحيوانات المنوية القادرة على الحركة. هذا بالمقارنة مع عدم تعريض تلك الحيوانات المنوية للفياغرا. لكنهم لاحظوا أيضاً أن تعريض الحيوانات المنوية لتركيزات من عقار فياغرا موازية لأعلى معدلاته في الدم بعد نصف ساعة من تناول عقار فياغرا بقوة 100 ملغم، أدى أيضاً إلى نشوء حالة من النشاط المبكر وغير الناضج في الأجزاء المغطية لرأس الحيوان المنوي، أو ما يُعرف ب«أكروسوم»acrosome . وقال الباحثون إن التأثير المحتمل لعقار فياغرا في تنشيط تفاعل أكروسوم بشكل مبكر، وقبل التحام الحيوان المنوي بالبويضة له دلالات إكلينيكية مهمة. وعللوا ذلك بالقول إن الحيوان المنوي الذي ينشط فيه ذلك التفاعل في وقت مبكر، وقبل وصوله إلى البويضة والتحامه بها، هو غير قادر على تلقيح البويضة لعجزه عن اختراق أغلفتها الصلبة متى ما وصل إليها، بمعنى أن النشاط المفرط ذلك في وقت مبكر هو أشبه بالهدر والاستنزاف لقدرات الحيوان المنوي بلا طائل أو جدوى. وهو ما يجعل الحيوان المنوي عاجزاً ومتهالكاً عند التقائه بالبويضة، التي يتطلب اختراق أغشيتها الصلبة مجهوداً قوياً من قبل الحيوان المنوي وأنظمة الأنزيمات الكيميائية فيه. * تفاعل أكروسوم ومما لا يُلقي له الكثيرون بالاً أن حصول تفاعل أكروسوم ربما يكون هو أهم أحداث حياة الإنسان برمتها، لأنه التفاعل الذي يتم من خلاله، حال نجاح حصوله بفاعلية، تلقيح البويضة الأنثوية من قبل الحيوان المنوي، وفي لحظاته يتم تحديد جنس المولود. والمعلوم أن الحيوان المنوي الواحد يتركب بشكل عام من جزء بيضاوي يُسمى الرأس، وجزء ذيلي طويل، ويصل بينهما جزء قصير يُدعى العنق. ويُغطي جزء الرأس البيضاوي بطبقة أكروسوم، التي تحتوي على مجموعات من الأنزيمات التي تُساعد في تمكين الحيوان المنوي من إذابة الأغلفة الصلبة للبويضة zona pellucida، لحماية مكنوناتها من التأثر بأي شيء خارجي، وبالتالي دخول الحامض النووي في الحيوان المنوي إلى داخل البويضة وتلقيحها. وهذا العمل الذي تقوم به طبقة أكروسوم يُسمى بتفاعل أكروسوم acrosome reaction. والطبيعي في تسلسل الأحداث أن يبقى نشاط تفاعل أكروسوم خاملاً حتى حصول ملاقاة الحيوان المنوي للبويضة، وإتمام عملية التصاق جزء الرأس في الحيوان المنوي بأغلفة البويضة الخارجية. ثم بعد ذلك يتم تنشيط تفاعل أكروسوم في غلاف رأس الحيوان المنوي، للبدء في عملية إفراز الأنزيمات التي تعمل على إذابة تلك الطبقة الصلبة المحيطة بالبويضة، ثم يتم الالتصاق المباشر بين رأس الحيوان المنوي والغلاف البلازمي الداخلي للبويضة، بعد تخطي حاجز الغلاف الصلب المتقدم الذكر، ليعقب ذلك بدء استضافة البويضة للأجزاء الحيوية المهمة في الحيوان المنوي واللازمة لإتمام عملية التلقيح، التي بنجاح حصولها يبدأ تكوين الإنسان. * استخدام ترفيهي والإشكالية هي في تلك الاستخدامات الترفيهية لأدوية تنشيط الانتصاب، من قبل من لا يشكون بالأصل من أي ضعف مرضي في قدرات المحافظة على انتصاب تتم العملية الجنسية من خلاله بشكل معتدل، سواء من قبل صغار السن أو المتقدمين فيه. وهو ما عبر الدكتور غلين عنه بالقول مع ارتفاع استخدام الأصحاء الصغار في السن، أي الذين هم في عمر الإخصاب وتكوين الأسر، لأدوية كالفياغرا كعامل يرفع من القدرات الجنسية، وليس من قبل الرجال الأكبر سناً الذين يُعانون من ضعف في الانتصاب، والذين هم بحاجة، بالدرجة الأولى، إلى تنشيط قدرة الانتصاب لديهم وليس الإنجاب. وقالت الدكتورة شينا لويس البريطانية، في معرض تعليقها على دراسة سابقة للدكتور غلين حول نفس الموضوع صدرت عام 2004، إن الفياغرا حينما ظهرت لأول مرة عام 1998، لم يكن الهدف من ورائها هو الاستخدام الترفيهي، بل مساعدة الرجال الذين يُعانون من ضعف الانتصاب، وبشكل أخص الرجال الكبار الذين لم يعد يعنيهم إنجاب مزيد من الأطفال. لكن اليوم نشهد أن الفياغرا تحولت إلى مادة شائعة الاستخدام جداً من أجل تنشيط ورفع القدرات الجنسية. وأضافت بأن الرسالة التي يُراد توصيلها للرجال هي أخذ جانب الحيطة عند استخدام أدوية لغايات ترفيهية في حال وجود رغبة بتكوين أسرة وإنجاب أطفال. * الجنون فنون.. استخدامات طريفة للفياغرا كان أحد المزارعين الأستراليين قد أعلن، الأسبوع الماضي، عن استخدامه لعقار فياغرا في تغذية أحد أنواع المحار البحرية، المعروفة باسم محار صخرة سيدني. وأبدى أمله بأن يكون لإنتاج مزرعته من هذه الحيوانات البحرية، مفعول منشط للأداء الجنسي للرجال عبر تحسين الانتصاب لديهم. وبالرغم من رفض السلطات الأسترالية تسويق هذه الأنواع من المحار في أسواقها المحلية، وبالرغم من تنبيه شركة «فايزر» المنتجة للعقار لذلك المزارع بالكف عن استخدام اسم منتجها الدوائي في الدعاية لمحاراته، إلا أن الرجل متفائل في تحقيقه مبيعات وأرباحا قياسية في أسواق أنحاء أخرى من العالم، يُقدرها بالملايين! هذا كله مع عدم تأكيد أي فائدة لتناول المحار ذاك في إعطاء الرجل مزيداً من النشاط، ناهيك من احتمالات تضرر تلك الأنواع من المحار بفعل إعطائها ذاك النوع من الأدوية! لكن، لأن حظوظ الناس لا يُعرف من أين تأتي أحياناً، يُؤكد المزارع بأنه تلقى بالفعل اتصالات من هونغ كونغ وموسكو ومناطق أخرى من العالم تطلب تزويدها بمنتج المحار ذاك. من جانبهم، أعلن بعض الباحثين الأرجنتينيين إجراءهم تجارب مبدئية على بعض أنواع الجرذان لاستخدام عقار الفياغرا في تخفيف المعاناة من ال«جت لاغ» وهي تلك الحالات التي تُصيب كثيراً من الناس باضطرابات في النوم والوعي والمهارات بعد قيامهم برحلة جوية طويلة. وتحديداً فإن الشخص حينما يُسافر شرقاً، يُعاني من صعوبات في الخلود إلى النوم والأرق لبضع ليال. في حين أن السفر غرباً يُؤدي بالبعض إلى الخمول والنعاس والنوم المبكر، والاستيقاظ المبكر قبل الناس. وقال الباحثون من بوينس آيريس إن فياغرا تعمل بالأساس على منع تحلل مركب جي إم بي cyclic GMP وهو نفس المركب الموجود في الدماغ ضمن تراكيب أنظمة الساعة البيولوجية المعنية بالإحساس بوقت النوم عبر التفاعل مع الضوء والظلام. ولاحظ الدكتور ديجو غولمبك، الباحث الرئيس في الدراسة أن الجرذان التي تُعطى فياغرا أقدر على ضبط نومها وتعودها على الوقت الجديد بفارق أربعة أيام عن الجرذان التي لم تُعط نفس العقار. والخطوة التالية للباحثين هي تجربة نفس الشيء على متطوعين من البشر لاختبار مدى فاعلية فياغرا في هذا المضمار العلاجي الجديد. وشدد الباحثون على أن الناس يجب أن لا يستخدموا فياغرا اليوم لهذه الغاية طالما لم تُجر تجارب على البشر تُؤكد هذه الجدوى المحتملة. لكن الأشد طرافة كان تلك الدراسة، التي لم تُجر على الحيوانات البحرية ولا على الجرذان، بل على زهور النباتات. وفيها قال الباحثون إن فياغرا هو الأفضل للإضافة لماء المزهريات للإبقاء على الزهور منتصبة ومنع إصابتها بالذبول!