كما جرت العادة كل سنة, بعد عطلة صيفية طويلة جداً, يخسر خلالها المتعلم المغربي ( تلميذ, طالب) وقتا كان من الممكن استثماره في تطوير معارفه وقدراته الإبداعية – كما هو الحال في دول متقدمة مثل اليابان -. جاء الدخول المدرسي الوطني في حلته الجديدة التي لا تختلف جوهرياً عن سابقاتها في الضعف والخلل المنهجي في التعامل مع هذه الفترة الحساسة من السنة ألا وهي البداية-الأساس. أطل علينا معالي وزير التعليم في برنامج القناة الثانية "لكل الناس", بابتسامته العريضة, المعهودة لديه ولدى بقية أعضاء حكومتنا الموقرة, ليقول أن كل شيء على ما يرام وأن كل المشاكل ستحل ب"إذن الله". وأصر على ضرورة تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في قطاع التربية والتعليم. لكن, هل هناك فعلاً ضمائر وطنية حية يعتمد عليها في إنجاح هذا المشروع الرائع في جانبه النصي ( ونتمنى أن يكون في جانبه العملي بنفس الروعة)؟, وهل نتوفر على تنظيم زمني دقيق وتوزيع حصصي محكم؟. إلى غيرها من الأسئلة التي تتبادر إلى أذهاننا, فتجعلنا أمام تناقض بين الأشياء السليمة التي يجب أن تكون وبين ما هو كائن على الأرض. على كل حال, بلغ يوم الحسم وبدأ التلاميذ في التوافد على المؤسسات التعليمية قصد التسجيل والإطلاع على الأجواء العامة. أول ما ستنتجه وأنت تقف في طابور التلاميذ أمام المسؤول الإداري, هي تلك العقلية السطلوية التي ما تزال ترغب في ممارسة العنف اللفظي أو الجسدي حتى. لكن, من حسن الحظ, شبابنا به بصيص جرأة تقف في وجه هذا الفكر البيروقراطي. وكم أثارتني انتفاضة زميل أمام ذاك الشباك والمسؤول يغلق النافذة في ساعة مبكرة بدعوى نهاية العمل. بعض الأساتذة أعجبتهم رطوبة الشمال أو حرارة الجنوب ففضلوا التأخر "قليلاً", حقهم هذا ما دام السيد الوزير البشوش لم يحقق رغباتهم كاملة. بل إن أساتذة السلك الثانوي الإعدادي خاضوا إضراباً بعد يوم فقط على انطلاق الدراسة!!!... . أما السيد رئيس جمعية الآباء فلا نراه إلا في اليوم الأول بل وفي الساعة الأولى من هذا اليوم فقط, لأنه يأتي ومعه أوراق الأداء, ويغادر سريعاً بعد تكليف أحد التلاميذ "ببيع التذاكر" كما لو أن الأمر متعلق بمقابلة في كرة القدم وليس بواجبات جمعية توكل إليها مهام جد حساسة. كم أغار من أبناء فرنسا وأنا أراهم فرحين, ذاهبين إلى مدارسهم, وكم تنتابني حسرة على إخوتي المغاربة وهم يبكون كما لو كانوا مساقين إلى التجنيد وليس إلى المعرفة وطلب العلم. أحلى حاجة في دخولنا المدرسي, هو ذلك الكم الهائل من الكتب الملونة والثمينة التي أصبحت مكتباتنا حبلى بها بعد "الخصخصة" التي لحقت إعداد المقررات الدراسية, في المكتبات الخاصة طبعاً, في حين أن الكتب البالية المطروحة للكراء في المكتبات الملحقة بالمؤسسات التعليمية العمومية تعاني من نقص حاد إلا من رحم ربي. عمومياً, لم يحمل الدخول المدرسي لهذه السنة مشاريع عملية حقيقية غير شعارات حفظناها, تغير أسماؤها ليس إلا, إن الأمر يتعلق ب"روتين جديد": خطاب قديم بصيغة جديدة, صنع مغربي مئة في المئة كله كذب ونفاق وتلاعب لفظي.