يحاول هذا الملف الإجابة عن بعض الأسئلة المؤرقة حول علاقة الريف بالمركز على ضوء أحداث 1984 التي مازالت نقطة سوداء على جبين السلطات العمومية وذلك بإعادة تركيب بعض مشاهد أحداث انتفاضة الخبز بإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء وبالتحديد إلى بداية الثمانينات، كما نحاول قراءة بعض ما حدث مع الأستاذ محمد البطيوي الذي كان من بين ضحايا آلة القمع آنذاك. فكري الأزراق هل تم طي صفحة أحداث 19 يناير 1984 بالريف بشكل نهائي؟ هل تمكنت هيئة الإنصاف والمصالحة من الإجابة عن الأسئلة المؤرقة حول المصير المجهول للعديد من المعتقلين والمختطفين في ذلك الشتاء الذي تحولت فيه شوارعنا إلى ثكنات عسكرية نزف فيها الدم بسخاء المقابر الجماعية التي كشف عن بعضها عهد ما بعد 1999؟ وإذا كانت الهيئة المذكورة قدمت بعض الإجابات من الزاوية التي تنظر من خلالها إلى تلك الأحداث فماذا عملت، في المقابل، لحفظ الذاكرة الجماعية؟ وكيف يمكن تفسير الاختلافات حول أعداد الضحايا بين مختلف الهيئات الحقوقية، الرسمية وغير الرسمية؟ ألا يمكن القول بأن الهيئة ومعها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، قفزا على مجموعة من المعطيات خاصة منها المتعلقة بعدد الضحايا وتحديدهم وتسليم الرفات، ليبقى بذلك الجدال مستمرا والحقيقة تراوح مكانها؟ وهل مفهوم "العدالة الانتقالية" كاف ليتجاوز أهل الريف معاناتهم مع دولتهم؟... هذه الأسئلة وغيرها ما زالت تطرح بقوة من طرف مختلف الفاعلين بالريف بعد مرور 27 سنة على أحداث 1984 التي كانت محط اعتراض على وضعية اختناق اجتماعي وسياسي. الملف التالي، يحاول مقاربة الأسئلة المطروحة من مختلف الزوايا، وبالتالي الإجابة عن بعض الأسئلة المؤرقة حول علاقة الريف بالمركز على ضوء تلك الأحداث التي لا زالت "نقطة سوداء في جبين السلطات العمومية" وذلك بإعادة تركيب بعض مشاهد أحداث انتفاضة الخبز بإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وبالتحديد إلى بداية الثمانينات، كما نحاول قراءة بعض ما حدث مع الأستاذ محمد البطيوي الذي كان من بين ضحايا آلة القمع آنذاك ليقرر بعد مدة ليست بالقصيرة استرجاع كرامته عن طريق رفع دعوى قضائية ضد أحد رموز سنوات الرصاص (آنظر نص الحوار) عكس العديد من الضحايا الذي عانوا الكثير وما زالوا يعانونه في صمت أشبه بصمت القبور. وضعية اختناق عرف المغرب في بداية الثمانينات من القرن الماضي أزمة خطيرة شملت مختلف الميادين خاصة في الميدان الاجتماعي والاقتصادي حيث ارتفعت نسبة البطالة بشكل مهول، وانخفضت اسعار الفوسفاط في السوق الدولية، والإنفاق الضخم على التسليح لأجل حرب الصحراء كلفت مليون دولار يوميا، وصلت ديون المغرب الخارجية آنذاك 7.000 مليون دولار. كل هذه الأسباب جعلت البلاد تعيش أزمة اقتصادية لم يسبق لها مثيل ، مما دفع بالسلطات العمومية إلى البحث عن سبل إعادة التوازن في الاقتصاد الوطني، فعملت على الرفع من أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية التي بلغت لأول مرة في تاريخ المغرب زيادة 18% بالنسبة للسكر و 67% بالنسبة للزبدة، أما بالنسبة للغاز والوقود فقد ارتفعت أثمنتها بنسبة 20% أما بالنسبة لقطاع التعليم فقد أضيفت رسوم جديدة للتسجيل تمثلت في دفع 50 درهما بالنسبة للتلاميذ الراغبين في التسجيل بالباكالوريا و100 درهم بالنسبة للطلبة الجامعيين. محمد البطيوي أحد ضحايا انتفاضة الناظور المغترب ببلجيكا شكايتي ضد إدريس البصري هي محاكمة للذاكرة والتاريخ يعتبر محمد البطيوي، أحد ضحايا انتفاضة الناظور المغترب ببلجيكا أن عودته للمغرب (من المنتظر أن تكون في شهر أبريل المقبل) هي لأسباب عائلية محظة. مشيرا إلى أنه لن يتوقف عن العمل في مجال دعم حقوق الإنسان.. كما أنه لا يريد أن يرى نفس السيناريو يتكرر مرة أخرى.. o قامت الأجهزة الأمنية باعتقالك على خلفية أحداث 1984 بالناظور، لتمضي بعد ذلك عقوبة سجنية. لماذا في نظرك؟ هل لأنك كنت من مؤطري الاحتجاجات التلاميذية حينها؟ او كإجراء احترازي قامت به السلطات بعد أن تأزمت الوضعية أكثر وبدأت خيوط اللعبة تنفلت من بين أيديها؟ تم اعتقالي أثناء درس الكيمياء التي كان يدرسها لنا الأستاذ الرمضاني. وكان الاعتقال نتيجة لعضويتي في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وأنشطتي في كلية العلوم والحي الجامعي بوجدة. في هذه المرحلة تم التعامل بقسوة أكثر من الريفيين دون غيرهم من الطلبة بعد خطاب الحسن الثاني في 22 يناير 1984، وهو الخطاب الذي وصف فيه الملك الشعب الريفي ب"الأشرار" و"الأوباش"و"مهربي المخدرات" وهدد بتخريب منازلهم "نخلي دار بوك" وفي جلسات الاستنطاق والتعذيب في مراكز الشرطة بوجدة كانت هذه العبارة مألوفة لاستعمالها بكثرة. o بعد الإفراج عنك التجأت إلى بلجيكا لاستكمال دراستك في المرحلة الأولى والعمل. فهل كانت بلجيكا هي منفاك الاختياري أو الإجباري؟ لم يكن أبدا المنفى اختياري، ومع ذلك التجأت إليه. المنفى ليس سهلا "الإنسان يعيش بعيدا عن عائلته عن أقاربه وأصداقائه وعن محيطه الطبيعي. إنه جحيم في الأرض. ولقد عشت في هذا الجحيم: انتحر شقيقي، وتوفيت والدتي دون أن أتمكن من رؤيتها ولا حضور جنازتها وبالتالي لم يكن أبدا مرتاحا. كثير من الناس غالبا ما ينظرون إلى نجاحي الأكاديمي (5 شواهد جامعية، من بينها دكتوراه الدولة في الاقتصاد وإدارة الأعمال) على أنه يخفي وراءه الكثير من الجراح والآلام القوية. o بعد مدة ليست بالقصيرة قضيتها في بلجيكا فكرت في رفع دعوى قضائية ضد رجل الدولة الذي ساهم في قمع انتفاضة الخبز سنة 1984 إدريس البصري كيف جاءت فكرة مقاضاة رجل كان يتمتع بسلطة حديدية في ظل الحسن الثاني؟ فرصة إيجاد بيئة بلجيكية أوروبية، أو دولية تساعد على تحقيق العدالة كان دائما حلما يراودني. بعد وصولي إلى بلجيكا التي صادق برلمانها على "قانون العدل العالمي" سنة 1997 (القانون الذي يعطي الحق للمواطنين البلجيكيين في رفع الشكايات ضد البلجيكيين أو الأجانب، أينما تواجدوا، ومهما كانت جنسياتهم في القضايا التي تدخل في خانة الجرائم ضد الإنسانية)، جعلني أستغل هذه الفرصة لأعد ملف دعوى قضائية ضد المسؤولين الذين كانوا السبب في معاناتي ومعاناة عائلتي في سنوات الجمر والرصاص وفي شهر أبريل 1999 ربطت اتصالات مع واحد من اكبر المحامين المختصين في القانون الجنائي في بلجيكا وهو الأستاذ Michel Graindorge ووضعنا شكاية في الموضوع لدى المحكمة الابتدائية. o كيف استقبلت قرار المحكمة الجنائية البلجيكية؟ هل كان منتظرا بالنسبة لك؟ قمت بتقديم الشكاية بتاريخ 19 نونبر 1999، وتم قبول شكايتي. وهو الأمر الذي كان مصدر ارتياح كبير بالنسبة لي ولأصدقائي وعائلتي. وشكايتي لم تذهب في اتجاه التأثير على إنسان انتهى زمنه مع موت الحسن الثاني. هدفي كان أكثر نبلا من ذلك. كان هدفي هو جعل هذه المحاكمة محاكمة للذاكرة والتاريخ. o أدانت المحكمة الجنائية البلجيكية إدريس البصري، ونطقت بحكم خلف الكثير من الجدل داخل الأوساط السياسية والإعلامية والحقوقية، ورغم ذلك ظل الرجل بمنأى عن أية متابعة كيف لا ترى ذلك؟ وهل مجرد إدانة المحكمة الجنائية البلجيكية لرجل بوزن البصري في حد ذاتها يعد مكسبا حقوقيا؟ نظرت المحكمة في الملف في يونيو 2009، بعد عشر سنوات من التحقيق،و بعد وفاة إدريس البصري. إذن لم تكن هناك محاكمة جنائية فعلية ضد إدريس البصري. لكن المحكمة قبلت الادعاء ضده لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، ولكن معاناتي خلال سنوات الرصاص. بالنسبة لي كان هدفي نبيلا لأن المحاكمة كانت للذاكرة والتاريخ ومكافحة الإفلات من العقاب والمحكمة البلجيكية فتحت بجدية ملف سنوات الرصاص بالمغرب. o كيف ترى المشهد الحقوقي المغربي، بصفة عامة وبالريف بصفة خاصة في الوقت الراهن علما أن التركة الثقيلة الموروثة عن عهد الحسن الثاني لم تصف بعد؟ الكثير من النساء والرجال الذي كانوا يدافعون عن كرامة وحقوق الإنسان بالأمس أصبحوا اليوم ركائز "النيو-مخزن" فئة كبيرة من الناشطين يوجدون اليوم في خدمة السلطة الجديدة، وبالتالي نجد صعوبة كبيرة في التمييز بين الهمة، الماجيدي، أزولاي وبين حرزني اليازمي... الكل في خدمة نفس الباطرون "المخزن". o ما رأيك في عمل هيئة الإنصاف والمصالحة التي قيل بانها عملت على تصحيح أخطاء الماضي؟ وهل ترى بأنها عملت على تصحيح بعض أخطاء الماضي؟ هذا هو حفار القبور ( !) تماشيا مع التصورات المنبثقة من المجتمع المدني لمعالجة ملف سنوات الرصاص بالمغرب ومحاكمة المجرمين، قدمت الشكاية بتاريخ 19 نونبر 1999، وهيئة الإنصاف والمصالحة تم إحداثها بعد ثلاثة أيام فقط. فهل هي مصادفة أو استراتيجية السلطة؟ وحده التاريخ سيحكم. ورغم التغطية الإعلامية الواسعة للشكاية التي قدمتها ضد البصري من طرف الصحف المكتوبة والقنوات التلفزيونية لم تربط الهيئة أي اتصال معي شخصيا أو مع لجنة دعم الشكاية المتكونة من أكثر من 50 شخصية بلجيكية (سياسيين، اساتذة جامعيين، كتاب...) فما الذي كان وراء صمت إدريس بنزكري؟ لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال. والتاريخ سيحمل الإجابة للأجيال القادمة. o أنت مقبل على العودة إلى وطنك الأم بالعودة إلى المغرب في أبريل 2011،بعد 27 سنة من الاغتراب واجترار مرارة اليأس في بلد أعطاط ما لم يعطيه لك بلدك الأصلي. هل هذه خطوة نحو المصالحة مع الماضي؟ ام رغبة في دعم النضال الحقوقي في بلد ما زال لم يحسم بعد في العديد من اختياراته الكبرى ومنها الاختيارات الحقوقية؟ بالنسبة لي أسأل عن المصالحة والغفران ولا أنتظر ذلك. أنا رجل الحوار والتوافق ولست رجل تنازلات عودتي بالدرجة الأولى في لأسباب عائلية لزيارة والدي البالغ من العمر 90 سنة، وانا لا اريد أن أرى نفس السيناريو يتكرر مرة أخرى. ومن موقعي في المنفى لم يسبق لي أن توقفت عن العمل في مجال دعم حقوق الإنسان. وبكل صدق إنه عمل أكثر فعالية من داخل المعهد الأوروبي للعلاقات الدولية، والأكاديمية الملكية للعلوم، أو مع أبناء بلدي كمدرس أو متحدث الضحايا الذين وردت اسمائهم في التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة 1-كريم الرتبي 2- عبد الخالق الهواري 3- الفايدة يحيى 4- المرابط نجيم 5- بوعرورو صالح 6- الترحيب حكيم 7- عبد العزيز الجراري 8- خليفة الوكيلي 9- زهير فارس 10-عوجة مصطفى 11- ميمون المجاهدي 12- عبد الرزاق المسعودي الضحايا الذين وردت أسماؤهم في لجنة المتابعة لعمل هيئة الإنصاف والمصالحة التابعة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. 1-نجيم أزدي أحمد 2- عامر عبد الحميد 3- عبد الله بودواسل 4- عبد السلامة مصطفى ومن جانب آخر أكد المنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف فرع الناظور، توفره على لائحة إضافية تضم أسماء خمسة ضحايا اثنان منهم ذكرا في لائحة لجنة المتابعة وهما :نجيم أزدي أحمد وعبد السلامة مصطفى وثلاثة أسماء أخرى هم :عامر عبد الحميد، برو امحمد، كنوف الحسن. وهنا يتضح الإشكال حول الجدال القائم عن العدد الحقيقي لضحايا 1984 علما أن المنتدى يؤكد توفره على معطيات تفيد أن عدد الضحايا يفوق بكثير العدد المصرح به بناء على شهادات حية. الوطن الآن