ضربة جديدة للنظام الجزائري.. جمهورية بنما تعمق عزلة البوليساريو    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    السجن المحلي بالقنيطرة ينفي تدوينات يدعي أصحابها انتشار الحشرات في صفوف السجناء    وهبي يشارك في انعقاد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب    كأس إفريقيا للسيدات... المنتخب المغربي في المجموعة الأولى رفقة الكونغو والسنغال وزامبيا    الصحف الصينية تصف زيارة الرئيس الصيني للمغرب بالمحطة التاريخية    نشرة إنذارية.. طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المملكة    التعادل يحسم ديربي الدار البيضاء بين الرجاء والوداد    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    يوم دراسي حول تدبير مياه السقي وأفاق تطوير الإنتاج الحيواني    MP INDUSTRY تدشن مصنعا بطنجة    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    أمريكا تجدد الدعم للحكم الذاتي بالصحراء    بينهم من ينشطون بتطوان والفنيدق.. تفكيك خلية إرهابية بالساحل في عملية أمنية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار الاسبوع :محطات في تاريخ اليساري إبن الريف إلياس العمري
نشر في أسيف يوم 19 - 10 - 2009

خلق الحدث على أكثر من واجهة ابن الريف الذي يعشق الحسيمة حتى الجنون لكنه لا يمتنع عن إعادة تقليب مواجع جزء من فصول العقاب الجماعي الذي تعرضت له المنطقة وهو طفل ابتلي بالسياسة والاحتجاجات كجزء لا يتجزأ من سيرورة أنتجها محيطه الاجتماعي والبيئي بعد المسافة الفاصلة بين المدرسة والمنزل الموجود في غحدى قرى الريف المحسوب على المغرب غير النافع 'نذاك ولد لدى الطفل غلياس غضبا داخليا دفعه إلى الانخراط إلى جانب من يكبره سنا في الاحتجاج ضد سلب الدولة في منتصف السبعينات من القرن الماضي لاراضي السكان بغية تشييد سد حمل اسم زعيم الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي كما أن أحداث دجنبر 1983 التي مهدت لاطلاق أولى الرصاصات في الحسيمة والتي عندما هرب من شظاياها رده والده إليها حتى لا ينعت ابنه بالجبان، ساهمت بدورها في تشكل الوجدان السياسي لالياس العمرب الذي من الثانوية وامتهن عدة مهن كبيع الخضر في القامرة بالرباط وتنكر في أكثر من اسم هروبا من قبضة الامن قبل أن ترسو به سفينته النضال على ساحل الديمقراطيين المستقلين بمحض الصدفة ثم تتطور الامور ليربط علاقات متينة مع فؤاد عالي الهمة، كانت مقدمة لالتقاء إرادة "كائن يساري" أنتجته الظروف وغرادة المخزن ، الكلمة التي يصر إلياس على عدم الاعتراف بشرعيتها في التأسيس لتجربة هيئة الانصاف والمصالحة ،رفقة طيف من فعاليات اليسار الماركسي اللينيني ضمن مفهوم للسياسة لا يعترف بالمبادئ والنوايا بقدر ما يلتفت إلى النتائج كما يقول العمري في هذا الحديث المفتوح.
هل الصداقة مع الملك جريمة؟ متى بدا المسار السياسي لالياس العمري هل مع أحداث يناير 1984 في مدن الشمال أم قبل هذا التاريخ؟ إذا تحدثنا عن المسار السياسي لأي شخص من خلال تفاعله مع ما يحدث حوله أو من خلال محيطه الاجتماعي فغن وعيه السياسي يبدا في التشكل إنطلاقا مما يعيشه من حوله من أحداث.بالنسبة الى تجربتي الشخصية فان مساري السياسي غير المنظم بدأ مبكرا وانا طفل كان يقطع عشرات الكلمترات صحبة اخوته للذهاب على المدرسة بعد عبور الوادي في قرية امنود بجماعة النكور التي كنا نقطنها بنواحي الحسيمة.اتذكر لحظة مهمة خلال هذه الفترة من عمري في اواسط السبعينات والتي كانت نقطة تحول اساسية رسمت معالم حياتي السياسية والشخصية في ما بعد وهي عندما قام احد اساتذتي آنذاك اثناء إلقائه للدرس برسم بقرة في سبورة القسم وسالنا عن اسم هذا الحيوان فقلت له بالامازيغية تافوناست وام يتقبل الامر حين اصر على ان اردد كلمة بقرة ولما اصررت الرفض كان ثمن عنادي أن نلت منه الضرب المبرح ما جعلني أغيب عن المدرسة لشهور فايقنت حينها أننا لا نساوي شيئا في بلد لا يعترف لمواطنيه بحد أدنى من الحق في الحياة كان لهذه اللحظة تأثير كبير على مسار حياتي كما قلت.لم يقف الامر عند هذا الحد في تشكل وعيي السياسي قبل سنة 1984 بل إن القرية التي كنت أقطنها عاشت أحداثا لم أنساها إلى حد الآن وكان لها أيضا تأثير بالغ في إنشغالي بمحيطي في تلك الفترة طفحت على السطح إحتجاجات ضد قيام الدولة عبر وزارتي الفلاحة والداخلية بإنتزاع أراضي السكان من أجل تشييد سد عبد الكريم الخطابي فثارت ثائرة السكان الفقراء الذين لم يكن أفضلهم يملك أكثر من 15 شجرة وردد هؤلاء شعارات بسيطة مناوئة للدولة باللغة الامازيغية لم يكن يسمح سني لي آنذاك باستيعابها فكان جواب الدرك الملكي هو قمع الاحتجاجات واعتقال عدد من أبناء القرية الذين حكم على البعض منهم بخمس سنوات سجنا لم تتورع الدولة رغم ذلك في مصادرة أراضي السكان المغلوبين على أمرهم. هل اعتقلت بسبب أحداث يناير 1984؟ لم اعتقل بسبب هذه الاحداث فحين اندلعت شرارتها كنت ادرس في ثانوية امزورن والحقيقة أن الانتفاضة بدأت قبل هذا التاريخ وبالضبط في 7 دجنبر 1983 لما هاجمت قوات الامن الطلبة بوحشية في مدينة وجدة ترتب عنها اعتقال عدد من ابناء الحسيمة وجرح آخرين فكان لذلك تأثير على مجريات الاحداث بثانوية امزورن التي كنت أتابع فيها دراستي بل شملت المظاهرات شمال المغرب بأكمله استمرت الاحتجاجات أياما قبل أن تتدخل قوات الامن بشراسة عبر إستعمال الرصاص الحي بإطلاق أول رصاصة في 13 يناير 1984 راضح ضحيتها أحد الابناء البررة لمدينة الحسيمة.جرى بعد ذلك اعتقال عدد من المناضلين أما انا فنجوت من قبضة الامن بأعجوبة واتذكر هنا لحظة فاصلة في حياتي لما توجهت صوب قريتي بعد الاحداث صادفت في طريقي والدي رحمه الله الذي كان إمام مسجد فسألني عن سبب عودتي المبكرة من الثانوية فأحطته علما بالاحداث فقال لي بالحرف " أفضل أن تعود محمولا على نعش على أن تهرب كجبان" وأمدني حينها بمبلغ 20 درهما فالتحقت بالرفاق لاتمام ما بداناه فاعتقل من اعتقل واستشهد من استشهد ودخلنا آنذاك في حوار مع السلطات من أجل إطلاق سراح المعتقلين فكان نصيبي من ذلك هو الطرد من الثانوية.لم يقف الامر عند هذا الحد بل منعت من التسجيل في جميع المؤسسات التعليمية بالحسيمة بحجة أنني أشكل خطرا على النظام العام إلى أن التقيت شخصا أعتبره ملاكا هو الذي انتشلني من هذه المحنة كنت حينها تلقيت قرار منعي من متابعة دراستي الثانوية بكثير من الاسى فأجهشت بالبكاء بالقرب من إحدى الثانويات لانني كنت أدرك أن مصيري في هذه الحالة هو العودة إلى القرية والاشتغال في الرعي إلى أن جاء هذا الشخص فسألني عن سبب بكائي ولما حكيت له الامر وعدني خيرا وذلك ما كان إذ توجه إلى المدرسة التي رفضت تسجيلي في البداية حاملا معه ملفي الشخصي ليعود بعد ساعة ويزف لي البشرى.ما تزال علاقتي بهذا الشخص "الملاك" الذي يدعى بوغابة قائمة إلى حد الان وأتذكر أنه كان يعمل بأحد أندية كرة القدم في الحسيمة وكنا نعتبر آنذاك أن الكرة أداة بيد النظام لالهاء الجماهير فقالوا لي حينها إن الشخص المذكور ينتمي إلى الطينة نفسها لاصحح لهم هذه الاخطاء بالقول " لو كنا كماركسيين لا نعبد أحدا فإنني سأعبد هذا الشخص".بالعودة إلى محطة الاعتقال أقول إنني اعتقلت مرتين ما بين سنتي 1985 و 1987 قبل أن أفر لاحاكم غيابيا صحبة الرفاق بخمس سنوات سجنا إلى أن صدر العفو المكلي على المعتقلين السياسيين سنة 1989. إلياس العمري في لقاء توصالي للاصالة بالناظورألم تكن على علاقة آنذاك بعناصر من تنظيم القاعديين؟ لم أربط علاقات بالقاعديين إلا بعد فراري من قبضى الامن إذ انتقلت سرا ما بين الحسيمة وطنجة عبر مدينة تازة لم أكن قادرا على التنقل مباشرة بسبب الحواجز الامنية المتعددة فذهبت راجلا عبر تاونات صحبة أحد الرفاق لمسافة أزيد من 120 كلم كنت حينها على علم بأن الدرك يترصدني أينما حللت كنا ننام في الخلاء أو في ضيافة أحد أبناء القرى التي كنا نحل بها إمتطيت القطار من تازة صوب طتجة حيث نزلت لمدة ثمانية أشهر عند أحد الاقرباء في منطقة بني مكادة واضطررت إلى تغيرر اسمي من إلياس إلى جلال وكنت أؤم الناس للصلاة في أحد المساجد "دون وضوء" فلم تكن قناعاتي الفكرية ملاءمة لوضع من هذا القبيل.دبر لي أحدهم إمكانية الفرار إلى الخارج لكنني فضلت أن أبقى في المغرب في إنتظار دور الاحكام في حق الرفاق. ألم تنتظموا في مجموعات ؟ لم يكن الامر كذلك بل إن الدولة هي التي ضمتنا إلى تنظيم أطلقت عليه إسم "الطريق".كنا بذلك أكثر ذكاء من الدولة هي التي كان مفروضا عليها أن تعلم كل شيء عن إنتماءاتنا وولاءاتنا تبين في ما بعد أنها كانت تجهل كل شيء عنا فمنحتنا تنظيما وهميا ووضعت له هيكلا تنظيميا وضعت فيه الرفيق عيسى بويزارن رئيسا وأنا مكلفا بالعلاقات الخارجية وكان ذلك محط صدفة فقط فعيسى كان يجتاز الخدمة المدنية في سلك التعليم بالرباط وكان حينها رئيسا لناد سينمائي اعتقل الامن بعضا من أعضائه من التلاميذ فصغنا بيانا في الموضو في مدينة الرباط قبل ذلك اسطحبت معي مسودة البيان من الحسيمة وحللت بفاس حيث التقيت بأحد الرفاق الذين فروا من قبضة الدرك وكان ينتمي إلى النادي السينمائي ويدعى جمال وأخبرته بالخطوة التي كنا نعد لها قبل أن أزور الرباط والتقي بعيسى بويزران في منزل الرفيق التدمري إلى جانب بنعزوز فقمنا بصياغة البيان وبعدما انتهينا من ذلك طلب أحدهم تمزيق المسودة فرددت مقولة شهيرة للرفيق لينين " أحرق أحرق فإن العدو يلصق".كان التدمري يصوغ البيان على كتاب "حركة القوميين العرب" وبعدما انتهى قام بتوزيعه بالاستعانة بدراجته النارية فلما اعتقل جمال وتحت وطأة التعذيب أخبر الامن بالحكاية كلها بعدها فتشت قوات الامن منزل الرفيق التدمري فعثرت على مسودة البيان في كتاب "حركة القوميين العرب" من تأكدت أوهامهم فخلقوا لنا تنظيما من وحي خيالهم حوكما جميعا كنت من المحظوظين الذين لم يقع اعتقالهم صحبة الرفيق جمال أكوش الذي استغل تكليفه من لدن نوبير الاموي بمهمة في هولندا إذ كان حينها مسؤولا مكلفا بالعلاقات الخارجية في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل. كيف جاء انضمامك إلى تيار " الديمقراطيين المستقلين"؟ حكايتي مع تيار الديمقراطيين المستقلين فيها الكثير من المفارقات أتذكر في هذا الشأن أنني كنت مقيما في مدينة الرباط بلا هوية فانتحلت العديد من الصفات طالب في كلية الآداب طالب معهد الاحصاء التطبيقي طالب في المعهد الوطني للزراعة في معهد الطاقة والمعادن بل حتى البطاقة الوطنية لم أكن أملكها كنت أبيع الخضر في القامرة وأعود إلى مدرجات الكلية واتنقل بين باقي المؤسسات التعليمية بصفات متعددة.في يوليوز 1989 لما صدر العفو الملكي قصدت بيت العائلة الذي لم أزره منذ مدة إذ لم أحضر مراسيم جنازة الوالد الذي توفي وأنا هارب لما عدت إلى الرباط التقيت عمر الزيدي وأسسنا مطبعة للنشر لم تكلفنا شيئا يذكر آنذاك أخذنا نلتقي بعدد من المناضلين الذين برحوا السجن المركزي بالقنيطرة من قبيل عبد الله زعزاع وعبد الرحيم تفنوت وفؤاد المومني... وبدأت هذه المجموعة في الاشتغال منذ اللقاءات الاولى لعناصرها وكانت النقاشات تتمحور حول عدد من الاسئلة حول الوضع العام في المغرب وماذا بإمكاننا فعله فتكلف المناضل لحبابي الذي كان من قياديي 23 مارس آنذاك بصياغة أرضية أولى تلخص نقاشاتنا إلا أن غياب هذا الاخير عن اللقاء الموالي دفع زعزاع إلى المبادرة بتلخيص الخطوط العريضة لما كنا نتداوله من نقاشات فارتضينا تأسيس إطار جديد أطلقنا عليه اسم "التجمع الديمقراطي" فأخذنا نجوب عددا من مناطق المغرب للتعريف بمشروعنا السياسي قبل أن نهتدي في النهاية إلى تأسيس جريدة تعرف بمبادئه أطلقنا عليها اسم "المواطن" التي كانت تصدرها دار النشر التي أسستها بمعية عمر الزيدي وكان مقرها في إحدى شقق أكدال بالرباط كنا اكتريناها من أحمد الدغرني وأتذكر بالمناسبة أن هذا الاخير لما زارنا في أحد الايام من أجل استخلاص سومة الكراء وكنا نجد صعوبات في أداءها بانتظام طفح غضبه علينا لكنه بالمقابل قام بوضع يديه على الوثائق التي كنا نملكها والمتعلقة بالاطار الذي كنا ننوي تأسيسه وقدمها إلى عبد الله الستوكي الذي آنذاك جريدة "الكشكول" فبادر هذا الاخير إلى نشر تلك الوثائق في أعداد جريدته ما بين سنتي 1989 و 1990 على حلقات قالوا فيها إن الامر يتعلق بتنظيم يساري سري ينتظر الفرصة المواتية للاعلان عن نفسه فجاء تأسيسنا لجريدة "المواطن" ضمن هذا السياق للخروج إلى العلن والاعلان عن مبادئنا وأهدافنا.أتذكر بالمناسبة أن العدد الاول نشرنا فيه رسالة من معتقلي تازمامارت من الجيش وكانت زوجة الرايس الطبيبة التي كانت تشتغل في مستشفى ابن سينا بالرباط وأعتبرها مناضلة حقيقية هي من أمدتنا بتلك الرسالة فقامت الدولة بمنع الجريدة من النشر بقرار من الوزير الاول استند فيه على الفصل 77 من قانون الصحافة كانت البداية الاولى لتجميع عناصر المجموعة في منزل المومني كان حينها الرفيق عبد القادر الشاوي أصدر جريدة رفقة بلكوش ومعروف وآخرين سماها "على العقل" فيما اختار الاخوة الذين سيؤسسون في ما بعد حزب النهج الديمقراطي عنوان "الافق" لجريدتهم والتي كانت بمبادرة من عمر الزغاري الصحافي في بيان اليوم والهادي المتوكل...صدر عدد من جريدة الافق احتفاء بمرور سنة على صدورها حول المشهد السياسي في المغرب تضمن تصورا لهذه المجموعات ففضلنا نحن بدورنا الاعلان عن التيار السياسي وأسباب نزوله من هنا جاء ميلاد "الديمقراطيين المستقلين" من طرف الاستاذ أيمن الذي كان ضمن المجموعة والمشهور بفصاحته اللغوية وما إن نطق بالاسم حتى "فقد" سوته فتكفل الرفيق المتوكل بالاعلان عن الاطار الاديولوجي للتنظيم فيما أنيطت بجمال بوسفورالتقني في القناة الثانية مهمة طرح التصور الاقتصادي والاجتماعي فقمنا بعد ذلك بتاسيس الاطار التنظيمي للتيار قبل أن ينظم في ما بعد إلى حزب اليسار الاشتراكي الموحد. هل ما زلت تعتبر نفسك اليوم في اليسار الموحد؟ لم تعد تجمعني باليسار الموحد أي علاقة تنظيمية. ألا ترون معي أن مقولة "اكثر من جمعية وأقل من حزب" التي طرحها عبد الحميد أمين هي التي إشتغلت عليها في ما بعد جمعية لكل الديمقراطيين التي أسسها الهمة؟ بكل تأكيد هذا يعني أن اليسار هو المهندس الحقيقي للحركة السياسية للهمة؟ لا أظن ذلك فالعمل كان جماعيا. ما علاقتك بفؤاد عالي الهمة وما هو أول لقاء جمعكما؟ علاقتي بالهمة إنسانية ففؤاد إجتماعي بطبعه يحدث أن تجمعك علاقة بشخص ما في مناسبات عديدة فرحة أو محزنة عموما كان لقائي الاول بالهمة في إحدى المناسبات التي لم أتذكرها بالضبط عن طريق حسن أوريد قبل أن يصبح هذا الاخير ناطقا باسم القصر الملكي أتذكر أن اللقاء حضرته العديد من الفعاليات الاعلامية والسياسية.أود القول في هذا الصدد إن علاقتي عادية بفؤاد عالي الهمة وأطرح تساؤلا عريضا حول ما يجري تداوله بخصوص هذا الشخص حول انشغال النخبة المغربية اليوم بالمظاهر والظواهر أكثر من بحثها في عمق الاشياء فظاهرة الهمة صنعتها الصحافة والنخبة.طبعا أي
شخص في التاريخ له تأثيره على مجريات الامور لكن لا يوجد أي شخص بإمكانه تجسيد مسيرة تاريخية ما فمع كامل الاسف جرى التركيز في السنوات الاخيرة من طرف البعض في قراءة ما يجري في الساحة السياسية على الاشخاص أكثر من المشاريع والافكار وهو ما منح لأشخاص معينين مثل الهمة هذه الهالة الكبرى.للاسف لم تكن الامور كذلك فلو تنصلت النخبة من داء تشخيص القضايا لكانت الامور ستذهب في اتجاهها الصحيح.الهمة صديق أحترمه أناقشه أختلف وأتفق معه ، حيث يجب الاتفاق وحيث يجب الاختلاف لكل منا مساره المختلف عن الاخر ففؤاد كان قبل أن أكون وكنت أنا قبل أن يكون. لكن ينتقدك خصومك بكونك اكتسبت نفوذك وقوتك من الهمة إلى درجة يصفونك بأنك صديق صديق الملك؟ أؤكد مرة أخرى أن الهمة كان قبل أن أكون وكنت قبل أن يكون فالمسار يختلف بيننا لكنكما التقيتما في ما بعد؟ جميع المسارات تلتقي في التاريخ فبإمكان الحركة الماركسية أن تلتقي حتى مع العسكر. لكنكما التقيتما في المشروع السياسي الحالي من خلال النواة التي كانت محيطة بالهمة منذ سنوات؟ لم يكن إلياس لوحده ضمن هذه النواة السياسيى التي جالست الهمة.مشروعنا كيساريين أسس لامتدادات مختلفة ومجالات عمل موازية سواء في العمل الحقوقي أو السياسي أو النقابي أو الثقافي بل وأثمر مشروعا مجتمعيا يتقاطع أبينا أم كرهنا مع الدولة.والهمة كان جزءا من الدولة التي كانت مسؤولة عن أحداث الماضي الاليم وكان في الوقت نفسه من محاوري نخب مختلفة في ما يخص تفاعلات الاحداث وكانت هذه النخب تضم حقوقيين منهم الراحل إدريس بنزكري وسياسيين في أحزاب وفعاليات نسوية وثقافية مختلفة. كيف تقاطعتم مع الدولة وهل كنتم تؤمنون بأن التغيير لا يمكن أن يأتي إلا من المخزن؟ لم يكن الامر كذلك لم نؤمن بالمخزن ولم يؤمن بنا السياسة خالية من الايمان عكس الايديوليجيا وهي بذلك تبقى فن لادارة الصراع هي نص مسرحي فيه فصول ومشاهد تتغير بتغير الظروف كما أن الموقف السياسي يبقى وليدا لاسباب نزوله في الزمان والمكان. نريد منك أن تلبس تصورك النظري للسياسة للوقائع التي دفعت بكم إلى الانخراط في مشروع الدولة؟ إن التصور النظري الذي شرحته لم يكن له عمليا بناء أفقي أي أننا لم نتوقع ما سيأتي من أحداث كما لم تبرمج من خلاله أي أجندة أي أن نقوم بكذا... أو نلتقي هذا الشخص أو ذاك وبالتالي فإن مبادرتنا تفاعلت مع من تفاعل معها ومن بين الذين تفاعلوا مع المبادرة جزء من رجالات الدولة وبالتالي فما كنا نعرضه كمشروع كان يتطلب منا أن نتفق حول مضامينه مع من بيدهم الحل لما يطرحه من مشاكل وقضايا. أي أنكم توصلتم إلى نتيجة مفادها أن الدولة هي التي بيدها التغيير؟ إنه منطق الاشياء فالدولة تبقى مسؤولة عما حدث لضحايا سنوات الرصاص وهي التي يبقى بيدها تحسين أوضاعهم الاجتماعية فلمن سنتوجه بمطالبنا هل إلى حكومة موريطانيا؟ لكن رهانات الدولة كانت تختلف عن رهاناتكم؟ الرهان في السياسة هو النية المبيتة وهي عنصر لا علاقة له نهائيا بمنطق تدبير الاشياء فماوتسي تونغ يقول " السياسة رهينة بالنتائج لا بالنيات " أما رجلات الدين فيقولون " من خدعنا في الله انخدعنا له " ما زلتم تتحدثون في المجرد؟ هل ليس مجردت إنه واقع الاشياء. هل انطلقت اللقاءات الاولى التي جمعتكم بالهمة مع فكرة تاسيس هيئة الانصاف والمصالحة؟ نعم كانت نقطة البداية مع التفكير في إنشاء هيئة للمصالحة وهي مسار طبيعي للاحداث. تلاه مشروع الهمة السياسي جمع يساريي الامس بأحد رجالات الدولة أليس كذلك؟ كان هناك إرادتان التقتا إرادة عائلات ضحايا سنوات الرصاص وإرادة الدولة الرامية لاعادة تجديد الشرعية لأن ما عشناه منذ أواسط السبعينات من القرن الماضي هو صراع بناء الشرعيات وتجديدها فالدولة أرادت تجديد شرعيتها فلم يكن بإمكانها ذلك إلا إذا اعترفت بالاخطاء التي ارتكبتها. كنتم القاعدة الاجتماعية لتجديد الشرعية؟ لم نكن لوحدنا فإذا أمعنت جيدا في مشروع الملك محمد السادس ستجد أنه يتجاوز بكثير حجمنا ليس الفكري بل البشري وبالتالي لفإن تجديد الشرعية كان يتجاوزنا من حيث عدد المشمولين به لذلك فإنه من الافضل القول بالتقاء إرادتين مثلما يلتقي ماء الوادي بماء البحر فينتج كهرباء. ماذا أعطانا هذا التفاعل بين إرادة الدولة في شخص الهمة وإرادتكم كيسار يفاوض حول سبل طي ملفات الماضي؟ أعطى ما أنت بصدد الحديث عنه الآن فأنت لا تتحدث عما جرى في البيرو أو الارجنتين بل عن المغرب. ألا تنظرون إلى أن ميلاد الأصالة والمعاصرة جاء متسلسلا مع هذه الاحداث؟ هذا التطور والتفاعل بين غرادتين لم يفرز فقط الاصالة والمعاصرة بل هناك من قصد النهج الديمقراطي ومنهم اختار اليسار الموحد والبعض فضل البقاء في منزله أما إدريس بنزكري فقد مات تعددت قراءة الاطراف للاحداث منهم من اقتنع بالانضمام إلى الاصالة والمعاصرة ومنهم من استمر في النضال داخل منتدى الحقيقة والانصاف يعتبر ألا شيء تحقق وأن صفحة الماضي ما تزال مفتوحة كل بنى مواقفه وفقا لقناعاته الذاتية.تأسيس حزب الاصالة والمعاصرة لم يكن في الحسبان بقدر ما جاء كتتويج لتطور طبيعي في تقديري الشخصي في حين يرى آخرون عكس ذلك تماما ويقولون إن الحزب جاء نتاجا لولادة قيصرية. يقولون عنك إنك المهندس الفعلي لمشروع الاصالة والمعاصرة وإنك تفضل التواري عن الانظار؟ قرأت شيئا من هذا القبيل في بعض الصحف لكنني أؤكد بالمقابل أن مهندسا واحدا لا يمكنه بناء عمارة سكنية فالاصالة والمعاصرة هي عمارة بنتها سواعد مختلفة كنت منها وإذا زعم أحد أنني لوحدي بانيها فإنها ستنهار والحال هو العكس يمكن أن يكون ذلك حلما لكن الواقع يؤكد أن مشروع الاصالة والمعارصة ساهمت فيه طاقات نهلت من تجارب مختلفة تمرست لسنوات في العمل الحزبي والحقوقي وهي تنتمي أيضا لمشارب اجتماعية مختلفة. كنت من المساهمين في مشروع الاصالة والمعاصرة لأنني آمنت بفلسفته إلى أن يثبت العكس واعتبره وسيلة سياسية لتحقيق بعض المطالب الطبيعية لشعب يتألم. لكنك كنت معارضا لفكرة تأسيس حزب سياسي؟ كنت فعلا أعارض تاسيس حزب سياسي واختلفت بسبب ذلك مع عدد من الاخوة في جمعية لكل الديمقراطيين وقلت حينها غن قراءتي للشروط الموضوعية الذاتية والموضوعية تفيد أنه لم يحن الوقت بعد من أجل تاسيس حزب سياسي فضلا عن عدم استكمال النقاش مع مجموعات أخرى تريد الانخراط في التجربة لكنها بقيت مترددة.كنت رافضا لفكرة تأسيس حزب لكنني انضبطت تنظيميا لإرادة الاغلبية بل حتى في صفوف اليسار الاشتراكي الموحد كنت معارضا للاندماج إلا أنني امتثلت في نهاية المطاف لإرادة الاغلبية في أن ينضم تيار " الديمقراطيين المستقلين" لليسار الموحد بل كنت عضوا للجنة الوطنية للحزب. لماذا فضلتم الابتعاد عن المواقع القيادية في حزب الاصالة والمعاصرة؟ لست عضوا لا في المكتب الوطني ولا في المجلس الوطني أنا منتسب لحزب الاصالة والمعاصرة وبالضبط لاطاره الفكري والفلسفي إذ لم يكن سهلا على أن أتقلد مهام تنظيمية بحكم انشغالاتي ومسؤولياتي المتعددة فالارتباط التنظيمي بالحزب يعني التزاما وهو ما فطنت إلى أنه لم يكن بمقدوري فكان لا يمكن أن أكون متفرغا لباقي التزاماتي وأنا عضو في المكتب الوطني فهؤلاء تراهم اليوم يتحركون بين العديد من المناطق استعدادا لمحطة تجديد ثلث المجلس المستشارين وهو ما لم يكن بمستطاعي في الوقت الحالي. نود أن نعود إلى تصدر "البام" لنتائج الانتخابات المحلية الاخيرة الذي يثير علامات الاستفهام خصوصا في العلاقة مع الهمة يقولون إن الامر يتعلق بصديق الملك ومن هذه الصداقة الاعتبارية يستمد قوته؟ ألم يكن الاخوة في الحركة الاتحادية في نهاية عقد الخمسينات ملازمين للملك هل وجب أن نقول إن مشروعهم آنذاك كان مشروع الملك وإنهم استمدوا قوتهم من الملك وهل من الجائز القول إن الحاج أحمد بلافريج بحكم صداقته للملك الراحل كان حزب الاستقلال استمد قوته من الملك المهدي بنبركة كان أستاذا للملك باعتراف من هذا الاخير وبذلك فعلاقته به تجاوزت دائرة الصداقة هل من الجائز القول إن اختياراته ومواقفه وما حدث له آنذاك من وحي الملك وهل الصداقة مع الملك تعد جريمة كلها اسئلة وجب طرحها لاستبيان عدم صحة هذه الطروحات وإن كانت تدخل في صميم اللعبة السياسية فالاصالة والمعاصرة تنعت العدالة والتنمية بأنه حزب ظلامي يستمد خطابه من الايديولوجية الوهابية كما أن الاتحاد الاشتراكي كان ينعت من لدن خصومه في منتصف السبعينات من القرن الماضي بأن له ارتباطات خارجية مع أطراف معينة كالجزائر مثلا... كل هذه النعوت نبقى عادية فالاصالة والمعاصرة يمكنه أن يصف ما سيأتي بعده من أحزاب قوية مستقبلا بأنها من صنع الدولة مثلما يقولون عنه اليوم إنها طبيعة بشرية فحين نعجز عن النقاش والتحاور في ما بيننا حول مشاريع مجتمعية نحصر أنفسنا في دائرى الاشخاص وهذه هي مشكلة النخب المغربية اليوم فبدلا من الحديث عن تجربة حكومة التناوب كتجربة سياسية لها ما لها وماعليها تحدث البعض عن "خيانة عبد الرحمن اليوسفي" وعن "مخزنة اليوسفي" فغاب النقاش السياسي الهادئ حول هذه المحطة السياسة المهمة في تاريخنا قد يكون للاشخاص دور في تطور الامور والاشياء فتحمل بصماتهم لكننا لا ينبغي أن نحصر أنفسنا في هذه الدائرة الضيقة.من حق حزب الاصالة والمعاصرة أن يوظف فؤاد عالي الهمة لمصلحته هذا أمر طبيعي لو كان الهمة ينشط في أحزاب أخرى لوظفته بدورها لكن الهمة ليس بليدا فله تجربته الطويلة ويدرك ما يفعل جيدا.من يعتقد أن الكلمة الاولى والاخيرة في حزب الاصالة والمعاصرة ترجع إلى الهمة فإنه يرتكب خطأ كبيرا فمشروع الاصالة والمعاصرة أكبر بكثير من فؤاد عالي الهمة وبيد الله وغلياس العمري وبنشماس...مشروع الاصالة والمعاصرة أكبر من الاشخاص....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.