سواء مكرهات أو عن طيب خاطر.. وجدن أنفسهن « رجل البيت » الذي تعول عليه الأسرة في كل شيء بين مغارات جماعة ميبلادن البعيدة عن ميدلت ب15كلم تمارس النساء أدوارا متعددة .. أمهات ينجبن ويرضعن ويقمن بشؤون البيت لكن هن أيضا معيلات الأسرة مهما تعددت أطرافها .. نساء ينحتن الصخر لاستخراج معادن لا تدر عليهن سوى دريهمات قليلة تسد رمقهن ورمق أسرتهن. تستيقظ زهرة كل صباح على الساعة الخامسة والنصف. تعد الفطور لأطفالها وزوجها، وتقوم بأشغال البيت، وفي حدود الساعة التاسعة والنصف أو العاشرة، تكون قد وصلت إلى المقالع على قدميها، التي تبعد عن المنازل مسافة لاتتعدى 1500متر. بقرية ميبلادن بنواحي ميدلت على المرأة أن تشمر عاليا عن ساعديها وتغوص بين الأحجار والمغارات لاستخراج قوتها وقوت أبنائها.. إنها معيلتهم وخروجها كل صباح أمر لا مفر منه. مطرقة ومصباح زهرة امرأة في الرابعة والثلاثين من عمرها. هي أم لطفلين أكبرهم عمره سبع سنوات، وأصغرهم عامين. بعد انتقالها لعش الزوجية أصبحت زهرة مضطرة رغما عن أنفها إلى القيام بنفس العمل الذي يمارسه زوجها. فجماعة ميبلادن أضحت مدينة مهجورة، جرداء، يصعب على الإنسان الاستمرار فيها بدون الغوص في أعماق الأرض لتوفير القوت اليومي. ما يحصل عليه الزوج غير كاف، لإعالة أسرة وتوفير مصاريف دراسة الطفل « وفواتير الكهرباء والماء وكيس الدقيق المدعم وقنينة الغاز...” تشرح زهرة. أمام هذه الظروف لم يكن من مفر أمام زهرة سوى مقاسمة زوجها نفس المتاعب. فبعد ولادة طفلها، أصبح لديها أيضا مطرقة وعمود حديدي ومصباح يدوي ... كان عليها أن تعول على كل قوتها لتحفر باطن الأرض بحثا عن القوت . قبل أن تطأه قدماها، تحدد بشكل عفوي المغارة التي ستلجها، ثم تشعل المصباح وتدخل. تسير في منعرجات الغار العميق في ظلام دامس، لا يضيؤه سوى شعاع المصباح الخافت. وفي نهاية المغرة، تجلس وتربط المصباح بواسطة شريط تلف به رأسها. تتناول المطرقة، وتشرع في حفر الصخور بكل ما أوتيت من قوة بحثا عن” الكحل” والأحجار الكريمة والفالادين... وفي كيس أبيض مشمع تضع كلما تستخرجه وهي تتمنى أن يكون عائده يوازي المشقة التي تتكبدها. شابت قبل الأوان لم تكن زهرة المرأة الوحيدة التي تعيل أسرتها من هذه العمل ، فعشرات النساء اضطرتهن الحاجة إلى مزاولة نفس المهنة. ففي الساعات الأولى من الصباح تستيقض يامنة التي تجاوزت عقدها الخامس بسنتين. وبعدما تقوم بكل أشغال البيت، وتهتم بأبنائها الستة وزوجها، تغادر في حدود الساعة التاسعة صوب المغارة. وبمدخلها توقذ الشمعة، وبعدما تحدد نقطة الحفر، تجلس ممسكة بالشمعة باليد اليسرى والمطرقة باليد اليمنى. داخل الغار تتشعب الاتجاهات، ولا يمكن سماع أصوات كل الذين يحفرون بنفس الغار، لكن يمكن سماع المطارق التي تبعد عنك بعشرين مترا أو حتى أربعين مترا. برودة شديدة وظلام دامس، وإحساس رهيب تعودت عليه يامنة ورفيقاتها وهن يحفرن الأرض كمن يحفر المستقبل دون أن يراه. لا تقل ظروف يامنة الاجتماعية قساوة عن باقي نساء القرية لدرجة تحولت معها إلى عجوز قبل الآوان. كان زوج يامنة يعمل في المنجم دون أن يحصل على التقاعد لأن الشركة التي كان يعمل لصالحها طالبته بمبلغ 8000 درهم من أجل الاستادة من التقاعد. قررت يامنة منذ حوالي إحدى عشرة سنة التنقيب في الغيران، التي غادرتها الشركة الأجنبية، بحثا عن المعادن لتوفير مصروف البيت. وسريعا ما نتقلت العدوى إلى البنت الكبرى بدورها فتضاعف مصاريف الأسرة دفع بها إلى مزاولة نفس العمل رفقة والدتها. لا تختلف أيام يامنة وغيرها من نساء القرية صيفا ولا شتاء فالعمل داخل المغارات يتواصل دون راحة، حيث تقضي المرأة داخل الغار ما يفوق أربعة ساعات توضح يامنة وهي ترفع المطرقة إلى أعلى لتنزل بها على الصخرة « المجهود العضلي الذي أبدله داخل الغار يعود علي بآلام شديدة في الليل في ظهري لدرجة أني لا أنام الليل ولا أجد سوى الصبر”. ومن شدة ارتباطهن بالغيران، حفظت النسوة أسماءها وأسماء المعادن التي يستخرجنها فالليزو، والتويسيت، والبيضال، وليزاست وأسيف والكدية، وأبيسانك...أسماء لغيران منجمية يحفظنها عن ظهر قلب وعرفن جيدا كم من الألم والأسى يعشن داخلها. تتباين المدة التي تقضيها النساء في الغار، فيامنة تقضي أربع ساعات في اليوم تحصل خلالها على حوالي عشر كيلوغرامات من الأحجار والكحل بينما زهرة وأختها وحماتها يقضين خمس ساعات. درهمان للكيلو أما الكمية التي يجمعنها كل يوم فيخبئنها في البيوت إلى غاية يوم السبت، حيث يقصد السماسرة والوسطاء ميبلادن، فيبيعونهم ما جمعن بدرهم ونصف أو درهمين لكل كيلوغرام، حسب ارتفاع وانخفاض سعر الحديد في السوق. هزالة المبلغ الذي تتحصله المرأة بعد ساعات طوال من الحفر في البرد والظلام تتوضح أكثر عندما نعلم أن قنطارا مما تجمعه المرأة وباقي أفراد الأسرة لا تجني منه سوى 100 درهم. العمل في الغيران تحت الأرض لا يخلو من مخاطر صحية. فالبرودة داخل الغار تدفع الكثير من النساء إلى الاستغناء عن شرب الماء، ما يهدد بمخاطر صحية بسبب الاجتفاف الذي يصيب الجسم. « أشعر ببرودة داخل الغار ولا أقدر على شرب الماء لأن الغار بارد.. مرضت ولدى زيارتي للطبيب كشف أن كليتي والمرارة قد جفتا من الماء وسبق أن قضيت مدة شهرين طريحة الفراش» تروي زهرة. مخاطر هذا العمل الذي تتكبده نساء هذه القرى بحسب مصدر طبي بميدلت لا يمكن الاستهانة بها فهؤلاء النساء مهددات بمرض السيلكوز، لأنهن يحفرن الأحجار في باطن الأرض بشكل عشوائي وبدون وقاية، وعندما يتطاير الغبار يستنشقنه وينفذ داخل الصدر، كما أنهن مهددات بالروماتيزم وضيق التنفس والتهاب المفاصل..» آلام وأمراض لا يساعدهن على تحملها سوى إحساسهن الكبير بمسؤولية وضعت على عاتقهن دون أن إرادتهن.