بعد العشوائية في التسيير و الارتجالية في التدبير التي لا يزال يعرفها المركز الاجتماعي التربوي "لهدم" قدرات الشباب، و التي كنا قد تناولناها في مقال سابق، و ناشدنا كل مسؤول من موقع مسؤوليته أن يتدخل لوضع حد لمثل هذه المهازل، و مع الأسف لا حياة لمن تنادي ... هاهي ذي روائح عفن أخرى تفوح من مركز التكوين و التأهيل في حرف الصناعة التقليدية الواقع على طريق الرشيدية ... بدأت حكاية هذا المركز عند تدشينه من طرف الملك في نهاية العام الماضي، حيث سهرت قبل ذلك مؤسسة محمد الخامس للتضامن على تشييده و تجهيزه بكافة ما يلزم من معدات لتطوير حرف الصناعة التقليدية بمدينة ميدلت و بالتالي جعله متنفسا جديدا لإبراز مواهب الشباب و حقلا لتفجير طاقاتهم الدفينة. ثم وضع رهن إشارة المتعلمين الراغبين في الاستفادة بالأساس من برنامج التكوين و التأهيل المهني عبر التدرج، إذ يتكون من مجموعة من حصص التدريب و التكوين في حرف معينة نظرية يتابعها المتدرج بالمركز و تطبيقية تتم بورشات أو بمقاولة شريكة متخصصة ... كانت أول طبخة فاحت روائحها هي تلك التي سبقت الزيارة الملكية و عملية التدشين بقليل، حيث تقبع بميدلت أكوام من الجمعيات الذائعة الصيت و ذات التجربة الرائدة و العالية الكعب في مجال تطوير حرف الصناعة التقليدية بالمنطقة، و مع ذلك لم يجد المسؤولون إلا أن يفبركوا و على وجه السرعة – و الله أعلم لماذا – جمعية أسموها "سوق المغرب"، جل أعضاء مكتبها أشخاص محدودو إن لم نقل عديمو التجربة في العمل الجمعوي ترأسهم فتاة لا يتعدى مستواها الدراسي في أحسن الأحوال الخامسة ابتدائي, ليوكلوا إليهم مهمة تسيير المركز ... ربما "باش يدوزوها على الملك" و "لا عين شافت و لا قلب وجع"، و هذا ديدن المسؤولين في الدولة، إذ بدل أن يأتوا بأشخاص ذوي نباهة و فكر و على مستوى مرض من التعليم و الفهم، يعتمدون في الزيارات الملكية أشخاصا يوافقون أهواءهم، يقدمونهم له على أنهم الشعب أو الشريحة المعنية بالأمر، و هكذا يضمنون أن الأمور ستسير كما أحبوا ... و نتحدى شرف هؤلاء المسؤولين بدءا من المقدم و مرورا بالباشا و ممثل مؤسسة محمد الخامس للتضامن بإقليم ميدلت ثم وصولا إلى العامل، العابثين بمقدرات هذا الوطن بجعلها في أيد غير أمينة، أن يخرجوا لنا تفسيرات أو حتى تفسيرا واحدا لمثل هذا التصرف الغير مسؤول و الذي يثير الكثير من التساؤلات حول علاقتهم بأعضاء مكتب جمعية "سوق المغرب" التي لا تخلو من الشبهة. حيث أنه من المعروف في الوسط الجمعوي بميدلت أن جميع "مراكز الملك" تلقت الجمعيات التي أنيط بها تسييرها هبات ملكية تناهز 250.000 درهم، في حين أن مركز التكوين و التأهيل في حرف الصناعة التقليدية لم يحصل سوى على مبلغ 100.000 درهم ... فهل تراه فعلا المبلغ الذي خصصه الكرم الملكي لهذا المركز، أم أنه كان في الأصل كغيره من المبالغ ثم لعبت به الأيدي و هو في طريقه إلى جمعية "سوق المغرب" !؟ ... إن كان الاحتمال الأخير هو الصحيح، فمن المؤكد أن المكتب المسير للجمعية له يد في ذلك و إلا لماذا لزم أعضاؤه الصمت مع أن الأمر معلوم و مشهور لدى القاصي و الداني ... إن ما يثير فعلا الشك و الريبة، هو تلك الاجتماعات المتوالية و الغير رسمية من حين لآخر و التي تجمع رئيسة الجمعية المسماة مع الباشا تارة و مع ممثل مؤسسة حمد الخامس تارة ثم مع عامل الإقليم تارة أخرى، و التي غالبا ما تتم في مقاهي و فنادق تقع خارج المجال الحضري، و إلى أوقات متأخرة من الليل ... و بطبيعة الحال دون محاضر أو سابق استدعاء لكافة أعضاء المكتب المسير، كيف ذلك و هي تتم "حسي مسي" ... في الوقت الذي غض الجميع فيه الطرف عن هكذا تصرفات مع أنها لا تنبىء بخير، و اكتفوا بسد أنوفهم لاجتناب الرائحة مع التحفظ عن إبداء أي رأي أو استنكار صريح، ظنا من بعضهم رغم التخوف أن الأمور يمكن بقدرة قادر أن تسير على ما يرام و يشتهى، و اعتقادا من الآخرين أن "المركز ديال الملك و ما يمكنش توقع فيه شي حاجة خايبة تضرنا" ... إذا برائحة أخرى كريهة تعقب ما ذكرناه، أفرزها تعاقب خمسة أشخاص على منصب المدير منذ افتتاح المركز إلى حد الآن، مع أن الأمر لم يمض عليه سوى بضعة أشهر قليلة !!! ... فإما أن هؤلاء المدراء عانوا الأمرين بسبب السياسات الملتوية و العشوائية التي تنهجها الجمعية في تسيير شؤون المركز، ثم اختاروا الرحيل بسلام لإراحة عقولهم و تفادي المشاكل، أو أنهم كانوا شبه أميين كأمثالهم و مثيلاتهم من أعضاء الجمعية فلم يقو أحد منهم على تحمل أعباء المسؤولية ! ... هذا ناهيك عن استغلال المتدربات لإنتاج مجموعة من السلع التقليدية و بيعها ثم أكل ثمنها بغير وجه حق من طرف الساهرين العابثين بهذا المركز دون مراقبة أو محاسبة من طرف الجهات المسؤولة، فكما هو معلوم أن مداخيل الورشات إنما يجب أن تخصص لإعادة اقتناء المواد الأولية و كل ما يلزم لتدوير عملية الإنتاج بالورشات، و لكن هيهات "لا حب بقى و لا تبن" ... لقد أصبح فعلا هذا المركز، بهذه التصرفات الرعناء و التدابير الارتجالية الخرقاء للساهرين على استغلاله بل للمتطفلين على استغلاله، يسيء إلى سمعة الصناعة بالمنطقة أكثر مما يخدمها. و يستمر حاليا مسلسل الروائح العفنة، بطرد تعسفي لمجموع العاملين و المتعلمين بدعوى أن المسؤولين بالوزارات المعنية بالصناعة التقليدية و التكوين المهني – على حد قول رئيسة جمعية "سوق المغرب" – لم يوافقوا على منح المركز صلاحية التكوين بالتدرج المهني، حيث تبخرت جميع الوعود و تكسرت على صخرة العبث بمصائر الناس كل الأحلام التي كان الحرفيون العاملون بالمركز ينسجونها في خيالهم عن رواتب محترمة و إجراءات قانونية تضمن لهم مستوى لا بأس به من العيش الكريم بعد زهاء ستة أشهر من التضحية و العمل من غير مقابل مادي. بدورهن المتدربات بمختلف الورشات لم يجدن سوى العبرات ليعبرن عن "القهرة" و الإستياء الذي خالج صدورهن إثر تلقيهن الخبر الذي كان كالصاعقة، حيث أمضين نفس المدة تقريبا في ارتياد المركز بصفة مستمرة صباح مساء، و كابدن في ذلك وطأة البرد و الحر، قصد التمكن إلى جانب التكوين من الإستفادة من شهادة تقديرية أو دبلوم يسهل عليهن ولوج سوق الشغل، و لا يسع الآن المسكينات في آخر المطاف إلا القبول بالأمر الواقع و إنهاء مدة التكوين دون إي شهادة اعتراف ... تُرجع الحرفيات و المتدربات، من اللائي أدلين بشهادتهن في الموضوع، سبب كل هذا إلى سوء التسيير الذي عرفه المركز منذ افتتاحه و إلى عدم أهلية الساهرين عليه و قلة تجربتهم في ميدان الإدراة، مما أسفر عن استهتار بالمسؤولية و ضعف في اتخاذ قرارات حاسمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه كي لا تذهب جهود من أفنوا فيه مدة لا يستهان بها من أوقاتهم أدراج الرياح. لابد للمسؤولين عن مختلف هذه الشؤون الذين يتصرفون في غالب الأحيان "كالأطرش في الزفة" أن يتحملوا مسؤولياتهم كاملة في إعداد هذا النوع من المشاريع الاجتماعية، و حتى إن لم يحسنوا التخطيط في بعض الأحيان فكل ما نأمل منهم هو أن لا يوكلوا إدارتها إلى كل من هب و دب، فالوضع لم يعد يحتمل .. و قد بحت حناجر الناس بالتذمر و الاحتجاج على مثل هكذا أوضاع، و مع الأسف لا مروءة لمن تنادي ...