تقاس بعض درجات نضج الشعوب بالنظر إلى أفراحها وكيفية قضائها ، فالشعب الناضج يركز على الأساسيات ويحافظ على جوهر المقاصد ، في حين يتيه الشعب القاصر في الكماليات وينزاح عن لب الأمور . جاء اختياري لموضوع الطقوس الليلية لبعض الأعراس المغربية ، لاعتبار ذاتي ودواعي موضوعية ، يتمثل الداعي الذاتي في حضوري لعرس أحد الأقارب بمدينة تمارة حيث ابتدأت سهرة العرس على الساعة الخامسة مساء وانتهت على الساعة الحادية عشرة ليلا ، أما الاعتبارات الموضوعية فتتجسد في الازعاج الليلي الذي تتسبب فيه غالبية حفلات الزواج التي تقام في الأحياء دون احترام للقانون أو مراعاة لحسن الجوار . فاذا كانت حرارة فصل الصيف تسبب إرهاقا ومعاناة للكثير من الأشخاص ، وإذا كان الكثير من الموظفين والعمال والتجار وأصحاب الحرف والمهن، والمرضى والصبيان ، والآباء والأمهات ، ينتظرون الليل بفارغ الصبر للخلود الى الراحة ، والاستمتاع بالنوم حتى يقوم في صباح اليوم الموالي وهو قادرعلى مواجهة متاعب الشغل أو العمل ،إلا ان الكثير من المواطنين يصابون بخيبة الأمل عندما يعودون الى منازلهم في المساء فيجدون في الحي حفلة عرس ، فيستنتجون مباشرة أنهم سوف يقضون ليلة بيضاء نظرا لما سيستعمله أصحاب العرس من مكبرات للصوت، لا تزعج الجيران فحسب وإنما تزعج الحي بأكمله ، حيث يلجؤون الى استعمال مكبرات صوت ذات ذبذبات عالية جدا ، والغريب في الأمر بل المدهش، هو أن حفلات الأعراس لا تبداْ الا بعد منتصف الليل لتستمر الى ما بعد صلاة الصبح ، لتبدأ بعد ذلك طوابير سيارات العرس في استعمال منبهات الصوت بشكل جماعي دون مراعاة لا للقوانين ولا للأخلاق والأعراف ، وبذلك يقضي سكان الحي أو المدينة بأكملها ليلة بيضاء .وبذلك ينطبق المثل القائل ” شي يعرس وشي يتهرس “. فما لا يقبله عقل بشري سوي ولا يقره منطق إنساني سليم أن تظل مثل هذه السلوكات والممارسات الشاذة - والتي هي عبارة عن طقوس موروثة - دون حسيب ولا رقيب ، علما أن القانون الجنائي المغربي في الجزء الثاني المتعلق بالمخالفات من الدرجة الثانية (المخالفات المتعلقة بالنظام والأمن العام : الفصول 608 .612 ) يدين مرتكبي الضجيج أو الضوضاء أو التجمع المهين أو الليلي الذي يقلق راحة السكان. فإذا كان القانون يحث الأفراد على خفض أصوات مكبرات الصوت أو إيقافها بعد منتصف الليل فإن ذلك لم يردع بعض الأفراد عن التمادي في غيهم ، وهنا يجب التفكير مليا في تخصيص غرامة مالية " باهضة " تفرضها الجهات المختصة تحت طائلة المتابعة القانونية على كل من سولت له نفسه استخدام مكبرات الصوت بعد منتصف الليل ، وإذا كان البعض يعتقد أن الإشهار من الشروط الأساسية في الزواج ، فينبغي أن يعي هؤلاء أن ساعة قبل منتصف الليل كافية لتحقيق الغرض . فلا أحد يمنع أهل العرس من التعبير عن فرحتهم باقامة حفل الزفاف لإبنهم او ابنتهم ،واستعمال مكبرات الصوت خلال النهار ولكن خلال الليل فما على من يريدون الاحتفال بطريقة صاخبة الا اكتراء القاعات المخصصة للحفلات والتي غالبا ما تكون بعيدة عن السكان، وهم آنذاكأحرار في احتفالهم طيلة الليل . إن تعاليم ديننا الحنيف تدعو إلى مراعاة الضوابط الأخلاقية فيشأن حق الجار على جاره ، وفي هذا الصدد قال تعالى: " وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ" ويحدد الحبيب المصطفى حدود الجوار ومساحة الجيران، قال: (كل أربعين داراً جيران من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله) وكما ورد أيضاً في الأثر (خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره) ... أين نحن من هذا ؟. هكذا يستحسن القيام بحفلات الزواج نهارا أو قبل منتصف الليل ،حتى يسلم السكان من إزعاج مكبرات الصوت ليلا، وتفادي بعض الآفات المجتمعية الأخرى حيث أن بعض حفلات الزواج تعرف أحيانا مواجهات دامية بين الأفراد ولاسيما المخمورين. وكم من حفل زواج تحول إلى مأتم لأنه تراكمت عادات سيئة تتجلى في شرب الخمر ليلا في حفلات الزواج، ويحدث ذلك أكثر في البوادي. ولنتذكر جميعاً أن الإسلام دخل أقطاراً كثيرة بسبب تعلق المسلمين بقيم دينهم، وإني لأرجو ألاّ تكون حال بعض المسلمين اليوم كما قال المفكر الشيخ محمد عبده حينما عاد من رحلته الأوربية: " وجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين، وهنا وجدت مسلمين ولم أجد إسلاماً " .وفقنا الله جميعًا إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأَمِدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.