تعتبر منطقة "ثوغا"، الواقعة جغرافيا بأقصى الأطلس الكبير الشرقي والمنتمية إداريا لقيادة تونفيت إقليمخنيفرة سابقا وميدلت حاليا، فضاءا حيويا للشعر الأمازيغي بجميع أجناسه وبالخصوص "تمديازت وأفرّادي" وتتضمّن "ثوغا" -هذه المنطقة الجغرافية المعروفة بتضاريسها الوعرة وحفاظها على البنيات السوسيوثقافية الأمازيغية -مجموعة من التشكيلات القبلية من قبيل " أيت عمر" وعاصمتهم أنفكو، وأيت مرزوك ومركزهم (أنمزي)، إلى جانب "أيت سليمان" بمركزي (ماسو لكاغ) ناهيك عن أيت فضولي وأيت موسى وأيت مرزوك... اشتهرت هذه المنطقة كرافد من أهمّ روافد الكلمة الأمازيغية الأصيلة بالأطلس، ومنبعا لا ينضب للتعبيرات الأدبية الشفهية، إلاّ أنها لم تلق عنايةًو اهتماما كافيين من قبل المهتمين بهذا الشأن، باستثناء محاولة الباحث الفرنسي المستقر بالمغرب "Michael Peyron" الذي أولى لهذه المنطقة مكانة مهمة ومتميّزة في أبحاثه وكتاباته خاصة في كتابه الذائع الصيت "Isaffenghbanin"Rivières profondes : poésies du Moyen-Atlas marocain traduites et annotées, Wallada, 1993 الذي لقّب فيه تونفيت ببلدة الشعراء. ومن أهمّ الشعراء الذين تركوا بصمتهم ب "ثوغا"، نجد الشاعر الكبير المرحوم "أمولاي"، هذا الشاعر الذي ألقّبه بكيركجارد الأطلس، أولا لأنه استطاع أن يمركز أشعاره على الذات وعلى تجربته الشخصية، وأن يبدع اشتغالا على الأبعاد المأساوية للوجود الإنساني، مثل القلق والخوف والحزن والكآبة والحنين المرضي... تماما كما فعل الفيلسوف الدانماركي سورين كيركجاردSøren Kierkegaardحينما تمرّد على الفكر النسقي الموضوعي الهيجلي وأسّس لفلسفة ذات بعد شخصي تهتم بالتجربة الوجودية المتسمة بالتمزّق والتوتّر. وثانيا لأن مسار حياة الإثنين متشابه جدا، فكل منهما كان راعٍ للغنم، وفي خضمّ هذه التجربة الموسومة بالوحدة والتأمل، انبثقت لدى كل منهما أسئلة وجودية عميقة، والفرق الوحيد أن "كيركجارد" عبّر عنها فكرا و"أمولاي" باح بها شعرا. أُومولايْ(umulay) هذا، شاعر وجودي إذا بنكهة "كيركجاردية"، نظم الحياة في أبيات شعرية منفردة، مختزلا العالم في رموز ثقافية، استطاع بأشعاره أن ينقش اسم بلدته في خريطة المخيال الثقافي الأمازيغي بالرغم من أنها (= أيت مرزوك) منطقة لعنتها الجغرافيا ورمتها السياسة في سلّة المهملات. قال عنه» أُحْسايْن «وهو شاعر من أيت سليمان: ( i-tfurumatamrigiumulay nnbiqatt) أي (لو كان أمولاي نبيّا لتبعته الأغلبية)، وذلك لجمالية عباراته وقدرتها الفائقة على التأثير. تناول هذا الرجل في أشعاره مواضيع مرتبطة بالمعيش اليومي لساكنة الأعالي، مع إضفاء ذلك الطابع المأساوي الحزين عليه. من أشعاره الخالدة نذكر: A yul inw awa-c igan g tizi i-ttfɛ ac lluḥ Ac izuzzr amm unttar ac id iffɣ Unna y-xxan ويبقى البيت الأكثر جمالية في أرشيفه غير المدوّن حينما قال: Tbrrε-d aluqt awa y di εayd-n ad imziy Maca yuf-ad unzar anbdu nw yad inwa ومعناه:أن الشاعر أحسّ بأنّ الحياة قد تغيّرت وغدت بديعة وسهلة، وأن تلك المشاكل والعوائق والمتاعب القديمة لم تبق، فشروط العيش تطوّرت للأحسن، لهذا، يخاطب الزمن متحسرا"ليتنا نرجع إلى الصّغر (الطفولة)، إلا أنه يستدرك أمنيته هاته بالقول باستحالة مطلبه مشبها حالته بالمطر الذي وجد الزرع قد شاخ ولم يعد ينفعه الماء. ومن أشعاره أيضا: Ad-amallγ afaḍma nw y-udrr urta tmmut Nkk-in aydam iYγ-an uridd isam yiwd w-ass ومعنى هذا البيت الشعري:سأبكي لك يا فاطمةً دُفنتك قبل موتك، أنا من حفر قبرك بيدي أما أجلك فلم يحن بعد. وسبب نزوله:أنّ شاعرنا قد زوّج ابنته فاطمة لأحد أصدقائه، إلا أن هذا الأخير عاملها معاملة سيئة، فنظم "أومولاي" هذا البيت الشعري المنفرد ليعترف بالخطأ الذي ارتكبه وأنّه يتحمّل كامل المسؤولية فيما آلت إليه حالة ابنته. من أبياته الشعرية المنفردة المتميّزة، نذكر أيضا: A taddart g illa-n nnbɛ a ddawakk n iɣrman Nḥda ijjǧalikk-aɣknid a lasas lɛar معناه:بئس دار بنيت على ينبوع ماء، بينما يراقب أهلها السقف تخونهم الأسس. وسبب نزوله:أنا شاعرنا، بعدما ضاقت به حياة الترحال، انتقل إلى دوار أنمزي ، فابتنى لنفسه وعائلته منزلا، إلا أنه عاش معه في توتّر دائم كلما سقط المطر، إلى أن انتهى المطاف بانهيار المنزل، فنظم هذا البيت. من أشعاره أيضا: Inna-c gayuyn urṭli ddunit tawuri Diliɣ ar kssaɣ han dɣi daqqarɣ ilxla Gayuyn= tawuct, agaywar … urilli w-lḥḥam ɣur zzaj mc irza idda ula dait-ḥlu lɛql yad nna yɣyy rca وكغيره من أبناء الأعالي لازم مقبرته الدنيوية إلى أن وافته المنية دون أيّ اعتراف-ولو رمزيا-بما أسداه وما قدّمه للثقافة الأمازيغية من إبداعات شعرية، رحل دون أن يودّعه أحد، مثلما رحل سورين كيركجارد أيضا، وحيدا في حياته وحيدا في مماته، لكن بقيت أبياته الشعرية المنفردة (إفرّادين) متداولة في أهازيج فرق أحيدوس، ويتواترها الناس ويضربون بها المثل في بهاء اللغة وجمالية الصور الشعرية.