شباب جمعية "أسوار فاس" يواصلون الإبهار بعروض مسرحية متنوعة بطنجة    حزب العدالة والتنمية يواجه رئيس الحكومة بتهم تنازع المصالح بعد فوز شركته بصفقة تحلية المياه    مفوضة أوروبية: المغرب «شريك أساسي وموثوق» للاتحاد الأوروبي    من بوزنيقة.. بوريطة يدعو إلى إحياء "روح الصخيرات" لحل الأزمة الليبية    سائقو سيارات الأجرة بالحسيمة يقررون النزول الى الشارع    شركة "أطلنطاسند" للتأمين تعلن عن تقليص مدة الخبرة والتعويض إلى 60 دقيقة فقط    بوريطة يؤكد الحاجة الماسة إلى "روح الصخيرات" لحل الملف الليبي    تألق رياضي وتفوق أكاديمي للاعبة الوداد الرياضي سلمى بوكرش بحصولها على شهادة الدكتوراه    إحباط عملية تهريب دولية لأزيد من 3 أطنان من الحشيش داخل ضيعة فلاحية    المديرية العامة للأمن الوطني تطلق بوابة الخدمات الرقمية E-POLICE وخدمة الطلب الإلكتروني لبطاقة السوابق    الشيلي تجدد دعمها لحل سياسي لقضية الصحراء المغربية في إطار مبادرة الحكم الذاتي    معاناة متجددة لمرضى السل بفعل انقطاع الدواء باستمرار    محكمة النقض ترفض طعون المتهمين في ملف "كازينو السعدي" فاسحة الطريق لتنفيذ العقوبات    الحكم على الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي بوضع سوار إلكتروني لمدة عام    وداعا أمي جديد الشاعر والروائي محمد بوفتاس        زيان يسقط فجأة خلال محاكمته ويُنقل للإسعاف    المغرب وإسبانيا يعيشان "أفضل لحظة في علاقاتهما الثنائية" (ألباريس)    مزراوي يحقق ارتفاعا قياسيا في قيمته السوقية مع مانشستر يونايتد    فاس.. انطلاق أشغال الدورة العادية السادسة للمجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة    الملك محمد السادس يهنئ أمير دولة قطر بالعيد الوطني لبلاده        حفل توقيع "أبريذ غار أوجنا" يبرز قضايا التعايش والتسامح    الناظور.. ارتفاع معدل الزواج وتراجع الخصوبة        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    أزمة اللحوم الحمراء بالمغرب بين تراجع الأغنام وسياسات الاستيراد    مزور يشرف على انطلاق أشغال بناء المصنع الجديد لتريلبورغ بالبيضاء        جمعيات تعبر عن رفضها لمضامين مشروع قانون التراث الثقافي    الرجاء يعين عبد الصادق مدربا مساعدا    الوداد يعلن عن منع جماهيره من حضور مباراة الكلاسيكو أمام الجيش الملكي    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تداولات الافتتاح ببورصة الدار البيضاء    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    علماء يطورون بطاطس تتحمل موجات الحر لمواجهة التغير المناخي    الالتزام ‬الكامل ‬للمغرب ‬بمبادرات ‬السلام ‬‮ ‬والاستقرار ‬والأمن    استهداف اسرائيل لمستشفيات غزة يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية    الطلب العالمي على الفحم يسجل مستوى قياسيا في 2024    بنك المغرب…توقع نمو الاقتصاد الوطني ب 2,6 بالمائة في 2024    مقر الفيفا الأفريقي في المغرب.. قرار يعزز موقع المملكة على خارطة كرة القدم العالمية    حماس تصف محادثات الدوحة حول الهدنة بأنها "جادة وإيجابية" وإسرائيل تنفي توجه نتانياهو للقاهرة    كأس إيطاليا: يوفنتوس يفوز على كالياري برياعية ويتأهل لربع النهاية    الكعبي عقب استبعاده من جوائز الكرة الذهبية: "اشتغلت بجد وفوجئت بغيابي عن قائمة المرشحين"    شباب مغاربة يقترحون حلولا مبتكرة للإجهاد المائي    المغرب يتجه نحو الريادة في الطاقة المتجددة... استثمارات ضخمة    دبي تطلق خدمة التوصيل بالطائرات بدون طيار الأولى من نوعها في الشرق الأوسط    كيفية تثبيت تطبيق الهاتف المحمول MelBet: سهولة التثبيت والعديد من الخيارات    كنزي كسّاب من عالم الجمال إلى عالم التمثيل    السينما الإسبانية تُودّع أيقونتها ماريسا باريديس عن 78 عامًا    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    دراسة: الاكتئاب مرتبط بأمراض القلب عند النساء    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أجواو .... ملك"أفرادي"


أو الشاعر الحكيم
إن أعقد مسألة تواجه كل مهتمّ بفن "أفرادي" أو "الأبيات الشعرية المنفردة" في نظري، تتمثّل في كون هذا النمط الشعري ظل شفهيا، ومن هنا الصعوبة، إذ من غير اليسير جدا أن تميّز بين مساهمة هذا الشاعر ومساهمة شاعر آخر، ذلك لأن بيتا شعريا واحدا تجده في غالب الأحيان منسوبا إلى أكثر من شاعر، بل أكثر من ذلك تجده منسوبا إلى رمز من رموز الأغنية الأمازيغية الكلاسيكية بمجرد أنه تغنّى به في إحدى أغانيه، وهذا الأمر ناتج عن كون كل "بيت شعري" عادة ما يبقى مِلكًا مشاعا لكل الناس عكس القصيدة"تمديازت" التي غالبا ما يتم تسجيلها فتُحفظ باسم شخص واحد، فتصير مرجعا يتم الرجوع إليه، أمّا "أفرادي" فبمجرّد ما يلقى هكذا وبتلقائية بارعة، وينتشر بسرعة، ويتم تناقله من شخص إلى آخر، ومن قبيلة إلى أخرى، يصير فريسة للعنعنة ويضيع في معمعة السّند.
(أفرَّادي) مفردٌ جمعه (إفرَّادييْن)، وهي كلمة مشتقّةٌ من لفظ عربي تمّ تمزيغه (أي تم تكييفه مع نحو اللسان الأمازيغي، إذ نجد لفظ (أفردي) في الأمازيغية تستعمل بمعنى(فرد) محيلةً على الدلالة العددية، هذا من حيث اللغة، أما من حيث الدلالة الاصطلاحية فهذا اللفظ يطلق على نمط شعري معروف عند ساكنة الأطلس الكبير الشرقي وجنوب الأطلس المتوسّط المحيطين بحوض ملوية العليا يتم نظمه على شاكلة بيت شعري واحد ويتسم بقدرته على الاختزال وتكثيف المعنى إلى حدّ يمكن القول بأنه يعادل القصيدة في قيمته الجمالية والأدبية، وعادة ما يرتبط بمناسبة معيّنة أو بواقعة محدّدة، ويلقى بذلك بتلقائية وعفوية نادرتين، لذلك فهو وليد اللحظة.
إضافة إلى كل هذا، فهذا النمط الشعري مرتبط بشكل كبير بظاهرة النقائض، لذلك تجد (إفرادييْن) في غالب الأحيان عبارة عن إجابات على (إفرادييْن) آخرين، من هنا يمكن القول بأن هذا النمط الشعري كان ولا يزال أداة للتواصل بين سكان هذه المناطق.
و "لإفرادييْن" اسم آخر هو "إزلان"، إذ كلما أراد أحد ما أن يذكر (أفرادي) معيّن إلا ويبدأ بهذه العبارة « inna bu izli» غير أن هذه التسمية تحيل كثيرا إلى الأبيات الشعرية المغنّاة.
ويعتبر"أحيدوس" الفضاء الطبيعي والخصب لإفرّادييْن/إزلان"، ف"إمديازن أو إنشادن" غالبا ما يضعون بعض إبداعاتهم من الأبيات الشعرية المنفردة في خانة المضنون عن غير أهله(أي يحافظون على سرّيتها)، بغية إلقائها لأوّل مرّة في أحيدوس، للحفاظ على "براءة الإبداع" ، أو لنقل السّبق الإبداعي.
من أهم مَن عرف بهذا الفن نجد الشاعر الحكيم حدّو أجواو المعروف بأجواو،وهو من مواليد قرية (ترغيست) بالقرب من (أنفكو)، ترعرع في أحضان عائلة معروفة بنظم الشعر، اشتغل بالفلاحة وتربية الماشية، فألهمته الحياة البسيطة وأهّلته ليكون أحد كبار الشعراء بالمنطقة الأكثر عطاءا وغزارة في الإبداع إلى درجة أنه لا يمرّ يوم ما دون أن يتواتر الناس عنه بيتا شعريا(أفرادي) على الأقل، اشتهر كثيرا سنوات الثمانينات والتسعينات كأبرز شاعر ضمن فرقة أحيدوس الممثّلة لقبائل (أيت عْمْر) في احتفالات عيد العرش التي كان تقام ب"ألمو ن لحنَّا" بتونفيت، هذه المساحة الخضراء الخلاّبة التي كانت تستقطب علاوة على "أيت عْمْر" أبرز فرق أحيدوس المعروفة آنذاك مثل: فرقة أيت يحيى وفرقة أيت شعاوعلي وأيت حنيني وإشقيرن... إلى أن توفّي مع بداية الألفية الثالثة وانتقلت عائلته الصغيرة(أرملته وابنته) إلى (تونفيت-المركز).
وإذا قلت أجواو، قلت معه هذا البيت الشعري البديع:
ur uriwY amm ujdid allid asusen isk'la
nujja asguttinw ar lmnazil ayt usmmid
(محاولة في الترجمة)
لَمْ أَلِدْ مِثْلَ الطَّيْرِ حَتَّى تَسَاقَطَتْ أَوْرَاق الشَّجَرْ
تَرَكْتُ رَخْمِي إِلَى أَنْ جَاءَتْ المَوَاسِمُ البَارِدَة
الرخم: (أي احتضان البيض)
وأسباب نزوله تتمثّل في كون أبيه قد نظم بيتا يسخر فيه من وضعيته العائلية، إذ شبّهه بالنّسر الذي يصبر على الجوع في سبيل إطعام صغاره، ذلك أن أجواو لم يلد هو أيضا حتى بلغ به العمر أرذله، وأنجب إناث فقط، فكان لزاما
أن يواصل العمل دون كلل لانعدام ابن ذكر يعينه على متاعب الحياة:
Ur tussi khef iyyidr allig ittawy iyfrax
aynna dijm3 ichfasntid iqqim diks laz
(محاولة في الترجمة)
ومعناه أنه لم تشتدّ على النسر حتى غدى أبا يطعم فراخه في العشّ، فكل ما يجمعه من طعام يأتي به إليهم ويبقى هو بدون طعام ويصبر على الجوع.
غير أن القليل من يعرف أن هذا البيت لأجواو، إذ كثيرا ما ينسب لغيره.وهذا نموذج بسيط لمجموعة من الأبيات الشعرية الخالدة التي أبدعها هذا الهرم ومع ذلك نسبت لغيره،هذا الشاعر المميّز الذي رحل كغيره في صمت والذي أبدع في فن "أفرادي"حتى اعتُبر ملكه بدون منازع، وذلك بالرغم من أنه عاصر شعراء كبار سواء من الجوالين أمثال زايد لوسيور ومولاي مبارك وعسو إقلي...أو من المستقرين من قبيل أمولاي "شاعر أيت مرزوك" وحدو بخو "شاعر أيت حنيني" وموحى أكوراي"شاعر أي سليمان"...
عُرف "أجواو" -هذا الهرم المنسي- بين شعراء الأعالي بشخصيته المرحة، إذ لم تكن الابتسامة تفارق وجهه، إلى جانب سخريته من الكل بدءا من نفسه ، إذ كلما سأله أحد عن السبب الكامن وراء عدم قدرته على الركوع أو الانحناء في رقصة أحيدوس(إذ كان الوحيد الذي لا ينحني في فرقة أحيدوس (ن) أيت عمر سنوات السبعينيات و الثمانينيات) إلاّ وأجاب بأن الأمر جد طبيعي مشبّها نفسه بشجرة أرزٍ نمت بعيدا عن الغابة.
من أهم "الأبيات الشعرية المنفردة(إفرّادييْن)" التي عُرف بها أجواو نجد:
(1)
Ar ttetteY iliwey ikker baba yawY iwflus
Awal ur siwelY iwlla da i-ymerret ca
(2)
YriY awen a mayd itt3baden lasmam izill
Ad i-sikk rbbi ttYictt s agnsu n tilggitt
(3)
S lxader n rbbi d wass nna g itutem ayrri
Adac ikkes adar zi lhdid irarec iwYyul
(4)
Ira bu lmerd ad bxxeren igr diks athffas
Ur yuciy d rriht ar dYi gas inwa uslix
(5)
nniYac Xzitt n tmttut mi tggudi-d alfamila
Illa ddab7 yili lbul3 tager mayes a7yyan
(6)
mraY tgi lixra am rray n ttlfaza attnaney kull
acannayY ay-adYar umazir-inw arsmi
(7)
ggedegh iyfighr alli dusigh agatu uri y-qqis
ur tuminY allid Yifs tadautt amm tin lmal
(8)
tadutt n tbrbacet dem3Y adittisfu wasif
iYmattid rbbi mYar ttizza ca xef islli
(9)
inYa laz yan u7yud iddud Yer ayt isndal
inna y-asen cataY ca amidayaken imttin
(10)
unna dirban a7yud g tigg'rda nes ayttaY
mc t-isirs ur i3dil ibubbat inYat iYir
(11)
tnnac awd lmut riY unna g-ufiY tawuri
uma mc djme3Y i7yad n tudert a77 n isndal
(12)
Ur uriweY amm ujdid allid asusen iskla
Nujja asguttinw ar lmnazil ayt usmmid
(13)
ataddart a-ta zriY lbab ikkamet ibxsi
ur y-ad am 3qqileY iddeY tidufugh smmrram
(14)
nga amma yan udYar nnag ittuzra w-anu
aman naqsen diks ayt yigem sull 3qqllas
رغم كلّ هذا، فأشعار (حدّو أجواو) بقيت فريسةً بيد العنعنة، والسبب الأساسي أنّها لم تدوّن، وهذا حال أعمال شعراء آخرين، من قبيل "أمولاي" و"عسّو إقلي"و"حدّو بخُّو"... فإذا استثنينا محاولة الباحث (أزضوض) الذي قام بجمع أعمال الشاعرين "أكوراي" و" زايد لوسيور " وإخراجها إلى حيّز الوجود ( تجدر الإشارة إلى أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية نشر الجزء الأول من الأعمال الكاملة "لأكوراي" هذا العام) يبقى هذا المجال فقيرا جدا من ناحية التحقيق، بل إن هذه المحاولة نفسها جد متواضعة، لكونها ركّزت فقط على التدوين ولم تذيّل أعمال الشاعر بشروحات أو تعليقات بل اكتفت بنقر القريض بالحرف الأمازيغي ونظيره اللاتيني.
من هنا إذا نستشفّ بأن الأمر يتطلّب نهضة شاملة بهذا النمط الشعري، أو لنقل بأننا بحاجة إلى عصر تدوين يمكّن "أفرّادي" من حياة مضاعفة تمنحه قدرة على التحيين المستمرّ و من ثمّ القابلية للدراسة الأدبية واللسانية والأسلوبية ، وكذا القدرة على التصنيف وربط هذه الأبيات الشعرية بمبدعيها الحقيقيين.
علي الحسن أوعبيشة- مريرت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.