سبق للمفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما من خلال ما نشره في مؤلفه الشهير:"نهاية التاريخ" عام1989 أن أطلق حملته التبشيرية بتطور البشرية الإيديولوجي وتوقع بالموازاة انتشارا كونيا للديمقراطية الغربية على اعتبارها الشكل النهائي للحكومة البشرية خاصة بعد نهاية الحرب الباردة و"الإنهيار التام" لفكرة الإشتراكية الشيوعية بعد زوال الإتحاد السوفياتي وانتهاء حلف وارسو واندثار آخر قلعة شيوعية بيوغوسلافيا. وإبان حرب الخليج الثانية والإجتياح الأمريكي للعراق غشت1990 عاد الرئيس الأمريكي جورج بوش ليبشر العالم بفجر عهد جديد يكون بداية حقبة الحرية وزمن السلام لكل الشعوب.و بعد أحداث 11من شتنبر 2001 صرح أمام الكونغرس أن "أهداف الإدارة الأمريكية هو إقامة نظام عالمي جديد ،متحرر من الخوف من الإرهاب ،قويا في البحث عن العدل وأكثر أمانا في طلب السلم ؛عصر تستطيع فيه كل الأمم ،غربا وشرقا ،شمالا وجنوبا؛أن تنعم بالرخاء وتعيش في تناغم". لكن، في أقل من عقد زمني سقطت كل الوعود والتباشير واحتدم الصراع بين صناع قرارات وسيناريوهات النظام الرأسمالي الجديد وحماة وأتباع النظم السياسية التقليدية وبدأت تطفو على السطح ظواهر التعصب القومي والعرقي والديني وتحولت موجة الهويات الفرعية إلى أصولية تهدد روح التعايش والتسامح وجهض كل محاولة ولوج بوابة الديمقراطية والتحرر ، كما يروي بذلك واقع الحال في الخليج العربي وشرق آسيا وشمال أفريقيا... وبهذا تكون نظرية فوكوياما مدعاة للسخرية والضحك وضرب من ضروب التنجيم يكذبها الواقع الملموس وما خلفته الثورة الصناعية التي غيرت ملامح العالم وما أفرزته العولمة من أوجاع وأمراض وفوضى عجلت بذخول النظام الرأسمالي مرحلة الموت الكلينيكي ؛إعلان صريح بفشل المنظومة اللبرالية أخلاقيا وفكريا وسياسيا و تأكيد على أن الرأسمالية الديمقراطية لن تكون بذاك النظام القادر على ضمان استقرار ورفاهية الشعوب.. ولم يفلح ساسة البيت الأبيض في تحقيق وعودهم بالسلم وتحريرالشعوب من شبح الإرهاب والجوع والأمية ولا في إرساء الديمقراطية ولن يتأتى لها ذلك ولو بعد حين ؛خصوصا إذا علمنا أن صندوق "الباندورا" الذي يحدد توجهات واستراتيجيات حكام الأمبراطورية الأمريكية لا يمكن فتحه دون إراقة الدماء واختلاق التوترات ؛في الذاخل أو الخارج ( أحداث:بيرهاربر،11شتنبر،أوكلاهوما...) ويذخل هذا في فلسفة وتكوين حراس الباندورا الذين ينتسبون إلى الجماعة الأنكلوساكسونية المتطرفة :الجبهة والساق ،التي أنجبت كل الأسماء التي حكمت البيت الأبيض والنخب المهيمنة على مجالي المال والأعمال و التي تتحكم منذ أمد بعيد في خيوط الحروب السياسية والإقتصادية وتهندس للمناورات بما يخدم مصالحها الشخصية ويضمن استمرارها وفرض هيمنتها . في ظل هذا الوضع وفي غياب مصل العلاج لمخلفات السياسة الأمريكية يبقى أفق البدائل الإستراتيجية القابلة للحياة والنمو الإقتصادي مستحيلا و لن تحله الحماسة الإيديولوجية التي تطبع توجهات القوى الأصولية الناشئة بالعالم العربي التي تحاول أن تقتص لنفسها مكانة على الخريطة السياسية بعد بداية انهيار النظم الإستبدادية .فبين التطرف القومي الأمريكي الذي يربط وجوده ومصيره بالقوة ويتغدى على استتباب الفوضى والنزعات الحدودية والعرقية وغلو القوى الأصولية التي أفرزتها النخب الحاكمة تفاديا لأزماتها كجزء من استراتيجيتها التي تدور في فلك السياسية الأمريكية في مواجهة قوى اليسار وتأمين عروشها ،تبقى التباشير والوعود والموضوعات "العالمية" ذات المحتوى الإقتصادي والإجتماعي والحقوقي ؛أي ما تتطلع إليه شعوب دول الجنوب ؛ غير واردة تماما وشبه مستحيلة لأنها ببساطة تتنافى مع أطروحات التطرف