مرت خمس سنوات على انتخاب الكاردينال الألماني يوزيف راتسينغر بابا للكنسية الكاثوليكية وكانت الفرحة عارمة لدى الكثير من الألمان لتولي أحد أبناء وطنهم مقاليد الأمور في الفاتيكان. بيد أن تعامل البابا بنديكت السادس عشر مع الإسلام واليهودية لم يخل من انتقادات، بل وساهم في بعض الأحيان في تعكير صفو العلاقات، على الأقل لفترة من الزمن. ورغم أن حتى أشد منتقدي البابا بنيديكت السادس عشر يؤكدون مساعيه الصادقة لدفع الحوار بين الأديان، إلا أنه سرعان ما أثار موجة عارمة من الانتقادات والسخط في العالم الإسلامي بعد المحاضرة التي ألقاها في جامعة ريغنسبورغ الألمانية عام 2006، أي بعد عام فحسب من تقلده أعلى منصب داخل الكنيسة الكاثوليكية. وفي الوقت الذي وصف فيه، هانس كونغ، متخصص في علوم الدين واللاهوت، الحادثة “بالأمر مؤسف”، قال آخرون إن مستشاري البابا قد أساؤوا في تقديرهم الأمور. لكن هذه المحاضرة تسببت في تعرض كنائس في الشرق الأوسط إلى الحرق وفي قتل راهبة إيطالية في الصومال. وكان البابا بنيدكت السادس عشر قد ألقى محاضرة في جامعة ريغنسبورغ حول العلاقة بين الإيمان والمنطق، نعت فيها الغرب بأنه “متكبر ومتعجرف في نظرته” إلى الثقافات التي يطغى عليها الطابع الديني، واصفا إياه بأنه “فقد علاقته بالدين وبالتالي أصبح غير قادر على الحوار”. ثم تحدث عن “الجهاد”، حيث استشهد بنص حوار قديم دار بين القيصر البيزنطي مانويل الثاني وبين مفكر فارسي، قائلا: “فقط أرني ما الجديد الذي أتى به محمد، عندها ستجد فقط ما هو سيء وغير إنساني، مثل أمره بنشر الدين الذي ينادي به بالسيف”. وأثارت هذه المحاضرة موجة من الاحتجاجات في العالم الإسلامي، وأرسل 38 من قادة الدول الإسلامية رسائل مفتوحة إلى البابا. كما طالب باكير ألبوغا، من الاتحاد الإسلامي التركي في ألمانيا، وأحد أهم الشخصيات في الحوار بين الأديان، البابا بالتراجع عن تصريحاته، التي فُهمت على أنها “إساءة إلى الإسلام”. وأعرب ألبوغا في حديث مع دويتشه فيله عن “أمله في أن يصحّح البابا تصريحاته وما تسببت فيه من جرح لمشاعر المسلمين”، كما ذهب إلى القول: “آمل أن يعتذر لدى المسلمين وأن يُبقي على استعداد الفاتيكان على الحوار مع الأديان”. من جانبه، أعرب الفاتيكان عن صدمته إزاء موجة الاحتجاجات التي قوبلت بها تصريحات البابا، مشددا على أنها قد فُهمت خطأ وأنها قد أخرجت عن سياقها. لكن البابا استطاع بعد أسابيع من الخطاب الذي ألقاه في جامعة ريغينسبورغ من تدارك الأمر، حيث التقى المفتي التركي وصلى معه صامتا في المسجد الأزرق في إسطنبول خلال زيارة قام بها إلى تركيا، وشدد خلال تلك الزيارة على القواسم المشتركة بين الإسلام والمسيحية، كما أكد على احترامه العميق للمسلمين خلال زيارة قام بها إلى الأردن عام 2009. على صعيد آخر، تسبب البابا لبعض الوقت في تعكير صفو العلاقات مع اليهودية، على الرغم من أنه بدأ بداية جيدة، حيث قام بزيارة إلى الكنيس اليهودي في مدينة كولونيا في عام 2005، عقب توليه المنصب بوقت قصير، وأكد آنذاك على عزمه بذل كل الجهود لتقديم المزيد من الدفع لتحسين العلاقات مع الشعب اليهودي. لكنه سرعان ما تسبب في موجة من الاحتجاجات في شتى أنحاء العالم، حين قرر عام 2009 إلغاء قرار بإبعاد أربعة قساوسة من الكنسية الكاثوليكية، من بينهم القس البريطاني ريتشارد وليامسون، الذي ينكر وقوع المحرقة اليهودية. وفي رسالة وجهها البابا إلى قساوسة الكنسية الكاثوليكية اعترف بأن مستشاريه قد ارتكبوا “خطأ مهنيا”. وبعدها بشهرين زار البابا في إطار جولة شرق أوسطية، ياد فاشيم، المتحف التذكاري للمحرقة النازية لليهود في القدس، حيث ندد بالمجازر التي تعرض لها اليهود. وعليه، يمكن القول إن حوار الكنسية الكاثوليكية مع الإسلام واليهودية خلال خمس سنوات من تولي بنديكت السادس عشر منصب البابا لم يخل من “سوء فهم” ومن “أخطاء” ومن انتقادات. مراكش بريس 2010/ د.ف-كلاوس دامان / شمس العياري