“فوضى عقارية بالمغرب”.. كانت هذه خلاصة ما يقوله المغاربة بعد أن وجدوا أنفسهم فريسة للمضاربين والمنعشين العقارين، الذين وضعوا لائحة أسعار من دون ضوابط، سعيا لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح، في وقت ما زالت المملكة لم تتخلص من آثار تداعيات الأزمة المالية العالمية. تأتي هذه الفوضي العقارية في المغرب في وقت توقعت المندوبية السامية للتخطيط، أن يستمر تباطؤ قطاع السكن، حتى أواخر السنة الجارية، كما تؤكد ذلك توقعات مقاولات القطاع، في ظل استمرار تقلص الطلب الموجه إليها، ما يفسر أن تداعيات الأزمة العالمية لم تؤثر على القطاع بشكل غير مباشر، إنما بصورة مباشرة، وعميقة. لائحة اسعار خيالية يشهد العقار بالمغرب ارتفاعا كبيرا، خاصة في بعض المدن الكبرى، رغم أن القطاع يعيش حالة ركود نتيجة تداعيات الأزمة. وفي جولة ل”إيلاف” في أبرز أحياء العاصمة الاقتصادية وقفت على لائحة خيالية للأسعار ليست في متناول حتى الطبقة المتوسطة، التي تعد أكبر شريحة في المملكة.فالسعر الأدنى للبيع محدد في 15 ألف درهم للمتر المربع (1827 دولار)، مع العلم أن بعضها لا تتوفر فيها شروط السلامة، وليس تصميها بشكل جيد، في حين قفزت الأثمان، في مناطق راقية إلى أكثر من 34 ألف درهم (4142 دولار، فما فوق.هذا الوضع جعل حتى الطبقة المتوسطة تفكر في اقتناء شقة بالسكن الاقتصادي، الذي كان مخصصا في السابق إلى ذووي الدخل المحدود.وتقاطر المئات من المواطنين، أخيرا، على المقر الرئيسي لمجموعة الضحى في الدارالبيضاء، بعد إعلان هذه الأخيرة، عن التزامها ببناء 120 ألف وحدة سكنية، على مدى خمس سنوات، بقيمة 250 ألف درهم للوحدة (أكثر من 30 ألف دولار). وذكر بلاغ للمجموعة أن اتفاقيات حول إنجاز هذه الوحدات في طور الإعداد النهائي، وستخص في المرحلة الأولى خمس مدن كبرى هي الدارالبيضاء، وأكادير، ومكناس، ومراكش، وطنجة. وأضاف المصدر عينه أن هذه الدينامية المتجددة للسكن الاجتماعي تأتي بفضل الإجراءات الضريبية الجديدة، التي جرى وضعها من طرف الدولة، في إطار قانون المالية 2010 الرامي إلى تشجيع الحصول على الملكية العقارية، وتقليص العجز في مجال السكن، ومحاربة السكن غير اللائق. وتتيح هذه التدابير، التي دخلت حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني الماضي، للمنعشين العقاريين، الذين التزموا ببناء ما لا يقل عن 500 سكن اجتماعي على مدى خمس سنوات، مجموعة من الإعفاءات الضريبية وحقوق التسجيل، فيما سيستفيد المشتري من مساعدة قدرها 40 ألف درهم (حوالي 4800 دولار) من الدولة لتغطية فارق الضريبة على القيمة المضافة.يقول سعيد (ط)، إطار في القطاع الخاص، “رغم أنني حصلت على قرض لا بأس به من طرف البنك، إلى جانب توفري على أموال ادخرتها، إلا أنني اصطدمت بصخرة الأسعار، التي لم أعتقد أنها ستصل إلى هذا المستوى، خاصة في عز الأزمة المالية”.وأكد سعيد، ل “إيلاف”، “هناك استغلال بشع جدا للناس، والحالة التي يوجد عليها القطاع حاليا تجعلنا نفكر جميعا في السكن الاقتصادي، الذي يبقى ملاذنا الوحيد، هربا من أن يمص منعشون عقاريون دمائنا”. من جهتها، أوضحت رشيدة (ح)، موظفة، أن “طاقتنا المالية أنا وزوجي لا تستحمل هذا الارتفاع الصاروخي في الأسعار، الذي يسير بمنحى تصاعدي دون ضوابط أو تدخل من الجهات الوصية”، وزادت قائلة “ننتظر أي مشاريع أخرى تطلقها الدولة للشراء شقة فيها، أحسن من أي نسقط في هذا الفخ القاتل”. وذكرت رشيدة، ل “إيلاف”، “اعتقدت أنا وزوجي أن ما ادخرناه، إلى جانب القرض الذي حصلنا عليه من البنك، سيمكننا من اقتناء شقة لا باس بها في مكان قريب من مقر عملنا، إلا أننا صدمنا بأن هذا المبلغ ليس سوى نصف القيمة المالية لشقة صغيرة.. هذا فظيع جدا”. هذه أسباب ارتفاع الأثمان رفض أسعار العقار الرضوخ إلى قوانين الأزمة، يرجعه يوسف بن منصور، رئيس الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، إلى عدة أسباب، أبرزها أن الطلب أكثر من العرض. وقال يوسف بن منصور، في تصريح ل “إيلاف”، إن “المشكل مطروح بالأساس في العاصمتين الاقتصادية والإدارية، إذ أن الطلب في مدينتي الدارالبيضاء والرباط أكثر من العرض”. أما السبب الثاني، حسب رئيس الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، فيتمثل في “عدم إفراج الوكالة الحضرية لجهة الدارالبيضاء الكبرى عن تصاميم التهيئة”، مشيرا إلى أن “الأثمان في الدارالبيضاء والرباط لم ترتفع، خلال السنة الجارية، بل حافظت على المستوى نفسه، الذي وصلت إليه في السنة الماضية، في وقت تراجعت في مدينة مراكش ب 36 في المائة، وما بين 20 و30 في المائة في كل من طنجة، وفاس، ومكناس، ومدن كبرى أخرى”. وتوقع رئيس الفيدرالية “احتمال انخفاض الأسعار إذا أفرج عن تصاميم التهيئة من طرف الوكالة الحضرية”، مرجحا أن “يحدث ذلك نهاية هذه السنة أو في بداية السنة المقبلة، بعد أن تخرج هذه التصاميم إلى حيز الوجود”. وكانت المندوبية السامية للتخطيط توقعت أن يستمر تباطؤ قطاع السكن، حتى أواخر السنة الجارية، كما تؤكد ذلك توقعات مقاولات القطاع، في ظل استمرار تقلص الطلب الموجه إليها، ما يفسر أن تداعيات الأزمة العالمية لم تؤثر على القطاع بشكل غير مباشر، إنما بصورة مباشرة، وعميقة. وحسب مندوبية التخطيط، شهد قطاع السكن، تباطؤا ملحوظا، ارتفعت حدته، خلال الفصل الثالث من 2009، إذ سجلت القيمة المضافة للقطاع انخفاضا ب 0.1 في المائة، مقارنة مع الفترة نفسها من 2008، مقابل زيادة ب 1 في المائة، خلال الفصل الثاني من 2009. وحاولت “إيلاف” أخذ تصريح من مسؤول بالمندوبية، إلا أن هذا الأخير أكد بأنه ليس لديه ما يضيف، بعد صدور الإحصائيات. وشهدت القروض الخاصة بالعقار تراجعاً في وتيرة نموها، ليصل إلى 14.5 في المائة، في نهاية الفصل الثالث من 2009، ما يمثل أدنى معدل مسجل، منذ سنة 2004. كما انخفضت مبيعات الأسمنت ب 0.8 في المائة، وتراجع إنتاج الصناعات المرتبطة بالبناء ب 5.5 في المائة. أزمة صغار المنعشين في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة لإعطاء نفس جديد للقطاع، ما زالت أصوات المنعشين العقاريين الصغار ترتفع، في كل مرة، للمطالبة بالجلوس إلى طاولة الحوار، بهدف مناقشة أوضاعهم، المترتبة عن صدور مذكرة المحافظ العام عدد 11680، التي تحث “جميع المحافظين على عدم تحفيظ المباني غير المطابقة للتصاميم، وبأثر رجعي”، وهي الخطوة التي اتخذت من أجل الحد من استفحال ظاهرة البناء العشوائي، فيعتبرها المتضررون “غير قانونية”. وقال أحمد بوحميد، الكاتب العام لاتحاد صغار المنعشين العقاريين بالمغرب، “أكبر حق حرمتنا منه المذكرة، هو الحق في التصرف بممتلكاتنا. أنا أرى بأنها ليست مذكرة، بل كارثة عظمى”. وذكر أحمد بوحميد، في تصريح ل “إيلاف”، أن “45 منعشا عقاريا مجمدة أنشطتهم حاليا بسبب المذكرة، من بينهم مهاجرين مغاربة”، مبرزا أن “المنعش العقاري الصغير يوفر 3600 يوم عمل في السنة في عملية واحدة بطريقة غير مباشرة”. وأضاف الكاتب العام للاتحاد “لو لم تكن هذه المذكرة لن يصل مشكل العقار إلى هذه الحدة”، مشيرا إلى أنه “إذا جرى إلغائها سيؤدي ذلك إلى انخفاض أسعار العقار”. وطالب أحمد بوحميد ب “الإجابة على سؤال هل نحن قانونيين أم لا؟”، محملا في الوقت نفسه مسؤولية الوضعية التي وصلنا إليها إلى الوزير الأول. فلقد راسلنا مجموعة من الوزراء، كأعضاء في المجلس الإداري للوكالة الوطنية للمحافظة العقاري، التي يرأسها الوزير الأول، لكننا لم نتوصل بأي جواب لحد الآن” مراكش بريس 2010/ أيمن بن التهامي-إيلاف