مراكش بريس . عدسة : محمد سماع . في ظل تنامي العولمة واختلال موازين الفكر والدين والأخلاق، تتعدد الظواهر الغريبة والدخيلة على مجتمعنا المغربي، وعن تقاليده وأعرافه ، المنفتحة عن الأصالة والمعاصرة إلى درجة تكاد لا تخلو معها مدينة من مدننا من مظاهر التعري والإهتمام المفرط بالجسد والتقليد الأعمى للغرب.، أو التغني بالحجاب وإعتباره موضة إغرائية وإيقونة إثارة، أكثر من ستر وعفاف. "مراكش بريس "تفتح ملف "حجاب الموضة"و"التقزقيز"، وترصد مشاهد لمحجبات في حانات وأندية وشوارع ومقاهي الشيشة، بمراكش وتتحدث إلى محجبات و باحثين. فبمجرد مرورك بإحدى المدارس أو المعاهد الخاصة بمراكش قبل وقت العمل بقليل أو في وقت الاستراحة فإن أول ما يشد انتباهك تجمعات للتلاميذ تكاد لا تفرق فيها بين الذكر والأنثى لكثرة تشبه بعضهم ببعض، الكل يحمل سيجارة في يده أو لفافة تدخين لا فرق، وحين يأتي فرد آخر من خارج المجموعة "خاصة الأوانس العاريات" فإنها تسلم على الجميع من الوجه أو الفم لا فرق أيضا بين الذكر والأنثى ما دامت يداها مشغولتان بحمل السيجارة والأخرى بحمل النظارات أو شيء آخر… هذه الظاهرة أصبحت لا تقتصر على المدارس والمعاهد الخاصة بل تعدتها إلى الثانويات والمدارس العمومية وا لجامعات حيث كنا نعتقد فيما مضى أن الأمر خاص بأبناء الطبقة الغنية أو المتوسطة فإذا الوباء يصيب فئة عريضة من أبناء الشعب… أما عن المواضيع التي تناقش في هذه التجمعات فهي لا تخرج عن إطار آخر ألبوم غنائي أو فيلم لنجوم العفن الفني أو أخبار برامج ستار أكاديمي، و"إستوديو دوزيم" من جهة، ومن جهة ثانية عن أخبار الهجرة إلى أوروبا وكندا أو أخبار العلاقات والمغامرات العاطفية وغيرها من النقاشات التافهة التي لا تخدم لا المجتمع ولا قضايا الأمة وطبعا باللغة العرنسية وهي الخليط اللغوي المعجون بدقيق العامية وخميرة الفرنسية !!! كما أن الإهتمام المفرط للمرأة المراكشية خصوصا والمغربية عموما بالجسد صار يشكل ظاهرة متفاقمة تستحق أكثر من وقفة حيث تساوت في ذلك الموظفة والطالبة والعاطلة، الطبيبة والفنانة والصانعة التقليدية كل هؤلاء النسوة تزايد تعاطيهن اللاعقلاني مع الأزياء والعطور ومساحيق التجميل إلى درجة تجعل المرأة تنفق نصف مرتبها أو مرتب زوجها على جسدها بحيث أصبح من الممكن أن ترى إحداهن وقد غيرت ملابسها أكثر من مرة في اليوم، ويتوزع اللباس بين سراويل جينز وسراويل" طاي باص" التي تكشف لباس المرأة الداخلي وبين "الصايات القصيرة جدا" والأقمصة الكاشفة عن ثدييها وبطنها….والشعيرات الأولى من … لكن لماذا كل هذا الإهتمام بالجسد؟ إنه الغزو الثقافي الغربي، والشرقي "علاش ألا" المدعوم بالكليب، وبعض مجلات الأزياء والموضة التي تسعى إلى تهميش هويتنا الثقافية والدينية نتيجة سيطرة التيار المتعلمن على الإعلام المنبطح أمام كل أسلوب دخيل وهجين،وغياب دور الأسرة والمدرسة في مجال التربية والتعليم مما جعل الفلسفة الغربية المادية والتي لا يهمها سوى جني المزيد من الأرباح هي الموجه لسلوك هؤلاء النساء اللواتي تتعرضن لعملية استلاب تجعلهن غير قادرات على الوقف أمام زحف هذا النمط الإستهلاكي الكاسح… إن ظاهرة ما يمكن أن نسميه "الحجاب المتبرج" أو "النقاب المتقزقز"، حيث تلجأ العديد من الفتيات إلى تغطية رؤوسهن فقط مع الإبقاء على الأزياء الأخرى والمسايرة للموضة على حالها حيث يرتدين سراويل الجينز وغيرها من البنطلونات الضيقة والتي تصف الفخذ والأرداف، كما يرتدين التنورات التي تصف المؤخرة والسيقان، كذلك فهن يلبسن القمصان الضيقة وبعض الملابس الشفافة التي تصف ما تحتها من ملابس داخلية، كل هذا مع استعمال لمساحيق التجميل بشكل فاضح مع ما يستتبع ذلك من تلوج وتبرج وهو ما يخالف شروط الحجاب . وتختلف أسباب هذه لممارسة اللباسية عند المرأة أو الفتاة بين التقليد والرغبة في التميز بين أفراد المجتمع من حيث الذوق الشخصي والطبقة الإجتماعية، وبين الحجاب والموضة تبقى النساء حائرات بين إتباع شرع الله وبين تقليد نجمات الأغنية العربية الجديدات وبطلات المسلسلات المكسيكية والجري خلف الحضارة الغربية وما تسوقه قنوات "أش جا يدير ف ثلاث د الليل" التي لا تخفى أهدافها الإغرائية على القيم والأخلاق على كل ذي ذوق رفيع وعقل سليم. لم يعد "حجاب الموضة" يثير الجدل، ولم يعد مزج الشابات بين الحجاب، بدلالته الدينية، والألبسة الضيقة موضع نقاش، والمثير، في الآونة الأخيرة، تردد محجبات على مقاهي وأندية وحانات تقدم فيها الخمور والشيشة،فمشهد المحجبات وسط دخان الشيشة، وأضواء العلب الليلية، لم يألفه الكثير من المغاربة. بعضهم، ممن تحدثت إليهم "مراكش بريس "، لم يتردد في رفض الممارسات والتأكيد على أنها تسيء إلى الحجاب. مقابل ذلك ترفض المحجبات ربط الحجاب بالجانب الديني فقط، ويبررن ارتداءه بغايات أخرى، كالزينة والبحث عن الاحترام والاهتمام، وكذلك التزاما بتقاليد أسرهن. الإثارة، الفتنة…والشبق الجنسي عناصر كلها تجمع بين ظاهرة "حجاب الموضة" الذي انتشر أخيرا في أوساط المغربيات. حجاب مرتبط في غالبيته بالقنوات الفضائية، أعيد استنساخه من تصاميم أزياء مغنيات أو ممثلات أو مذيعات شرقيات "حنان ترك، عفاف شعيب، سهير رمزي، ومذيعة الجزيرة خديجة بن قنة" ممن اعتزلن الفن أو بقين في عملهن وارتدين حجابا لا يخلو من إثارة. وفيما كان الحجاب سابقا يرتبط بدلالته الدينية والأخلاقية، اليوم لا يوحي بالالتزام الديني بقدر ما يرتبط بالقيمة الجمالية. إنه حجاب الموضة والفتنة والإثارة بامتياز، خصوصا حين ترتاد محجبات أماكن كانت إلى وقت قريب حكرا على الرجال والمتبرجات. حجاب وموبقات .. وسط الصخب في إحدى المنتجعات السياحية بالحي الشتوي، بجليز في مراكش استطاعت فتاة ، في مقتبل العمر، لم تراوح الخامسة والعشرين أن تشد انتباه جميع زبناء المنتجع من المراكشيين والأجانب بالرغم من لباسها الذي يحجب كل تفاصيل جسدها، لتخطف الإنتباه بامتياز،عن طريق سروالها "الباص" الذي يبرز جانبا أعلى من مؤخرتها، بالإضافة إلى ضحكاتها المتكررة، والدمالج والخلاخل التي ترن على معصمها وكعبيها، رغم أن الكثيرات من مثل هذه الفتاة لم يدخرن جهدا في إبراز تضاريس أجساهن ومفاتنهن. وبحانة مجاورة للمنتجع المعني، إلتقت "مراكش بريس " بشابة أخرى في العشرينات،تدعى فوزية، تحتسي الجعة الباردة، متوسطة الجمال، لم تلجأ إلى الماكياج والأزياء المكشوفة، وإنما كانت قطعة قماش أزوردية مثل لون السماء الربيعية، موضوعة بعناية على رأسها، تكللها حلي تقليدية من الفضة واللوبان الأزرق رصعت صدرها المستور، توجتها "ملكة" ومحور حديث الكثيرين من مرتادي الحانة، الذين وجدوا أنفسهم، مكرهين، بأن يفتون في الدين رغم كونهم سكارى. وبالرغم من تلصص أعين الجميع، تقف إلى طاولة البلياردو برفقة صديقها، غير مبالية، تداعبه بغنج ظاهر يثير استياء العديدين. أحد مرتادي الحانة لم يخف حنقه من المشهد، إذ يعتبر الحجاب رمزا للعفة والطهارة، ف "إما أن تحترمه أو ألا تضعه"، يصرخ محاولا إسماع صوته للجميع. . فتاة محجبة تحتسي الجعة قبل أن تنتقل إلى النبيذ وسط قهقهات تتبادلها ورفيقها، "مشهد لم يعتد الكثيرون"، يقول ياسين، أحد العاملين بالحانة، مشيرا، في حديث مع "مراكش بريس "، إلى أنها ليست الأولى من نوعها، فهناك "فتيات محجبات يزرن الحانة بين الفينة والأخرى"، قبل أن يستدرك: "لقد انتقلت عدوى مقاهي الشيشة، ومعها المحجبات إلى الحانات". الشيشة المحتشمة مقاهي الشيشة، وبخلاف الحانات والعلب الليلية، تشهد تردد وفود من "المحجبات" دون أن تثير انتباه العديد من عشاق "المعسل". خالد، مدير أحد المقاهي وسط شارع علال الفاسي، قال ل "مراكش بريس " إن مقاهي الشيشة عرفت في البداية تردد فتيات يرتدين العباءة الخليجية، قبل أن تتوافد عليها المحجبات. ويؤكد سعيد، الذي سبق أن اشتغل نادلا بعدد من المقاهي والحانات، أن مشهد المحجبات في مقاهي الشيشة لا يثير الاستغراب كثيرا، كما هو الشأن في الحانات والمراقص الليلية. مريم، طالبة جاءت برفقة زميلاتها لتدخين الشيشة، لا تجد أي حرج في الدخول إلى المقهى وهي محجبة، في حديثها إلى "مراكش بريس " قالت إن الحجاب "ليس دليلا على العفة كما يتصور الكثيرون، فمحجبات كثيرا يقدمن على ما تستحي المتبرجات فعله". وعن وضعها للحجاب، توضح مازحة: "أنا قرعة "بدون شعر"، قبل أن تستدرك في القول أن الحجاب بالنسبة إليها ليس سوى "زينة"، خصوصا "أنني أتفنن في اختيار الألوان وتناسقها مع باقي ملابسي". وإذا كانت مريم لا ترى أي تناقض بين ارتداء الحجاب وتدخين الشيشة، ترى زميلتها أن الأمر يسيء إلى الحجاب، الذي له طابع ديني وأخلاقي رغم التطورات التي عرفها شكله وتعدد أنواعه. دردشة "مراكش بريس " مع مريم وزميلتها لم تدم طويلا، إذ بمجرد دخول شابتين، إحداهن ترتدي "عباءة" خليجية، والأخرى حجابا مع سروال جينز يبرز مفاتنها، ختمت بتأكيد "نظريتها" بالقول: "زمن الحجاب كمرادف للعفة والالتزام قد ولى". في مقصف الكلية … على جادة شارع علال الفاسي، وبمعظم شوارع جليز وسيدي يوسف بن علي والداوديات بمراكش كما في الأحياء القريبة من كليات جامعة القاضي عياض، تتهادى فتيات محجبات لا يترددن في معانقة زملائهن والاحتكاك بهم، وتبادل القبل معهم، أمام الملأ، مما يفسر بشكل سافر أن تصرفاتهن توحي منذ الوهلة الأولى بأن ارتداءهن الحجاب ليس نابعا من دوافع دينية. في حين تتربع ثلاث محجبات بمقصف كلية الآداب والعلوم الإنسانية،بجامعة القاضي عياض في مراكش يرتدين حجابات وردية وأخرى بنية ومزركشة مرصعة بحلي مذهبة وفضية وسروال جينز زرقاء لصيقة،تنسدل عن خصورهن، لتكشف المفارق العليا لمؤخراتهن، حيث تلتف برفقة زملائهم من الطلبة حول طاولة تؤثتها السندويتشات والأكلات السريعة. في نفس الوقت التي تعانق فيه فتاتين من الثلاث زميلين طالبين لهما،يبدو أنهما من معهد مجاور دون أن يثير المشهد استغراب باقي الطلبة. عبد اللطيف 42 سنة، عامل بالجهة التي تتولى إدارة المقصف، يقول إن الأمر أصبح بديهيا ولم يعد محط استغراب، "وحدهم الطلبة المنتمون إلى بعض الفصائل الطلابية، التي ما زالت تنشط داخل الحرم الجامعي، يرفضون هذا السلوك الصادر عن المحجبات أو المتبرجات، لكن تراجع تأثيرها، داخل ساحة الكلية، فتح المجال لمثل هذه التصرفات"، ويضيف عبد اللطيف أن عدد المحجبات شهد زيادة ملحوظة، وضمنهن من يتعاطين التدخين داخل المقصف، وأخريات يفضلن الاختفاء عن أعين الطلبة للاستمتاع بنشوات السجائر الأمريكية بهدوء تام بعيدا عن أعين الفضوليين والمشاكسين. حجاب التقزقيز متطلبة، تعشق المعاملات العالمية وسهرات نهاية الأسبوع، تهوى ارتياد فنادق ومطاعم مصنفة،في جليز وبمنطقة النخيل مكلفة إلى حد لا يكفي مدخولها، من راتب شهري في إحدى الشركات الأمريكية، لتلبية حاجياتها و"نزواتها"، فكان الحل عملا ب"نصف دوام" أغلبه نهاية الأسبوع. أمثال ليلى كثيرات. لكنها تختلف عنهن في شيء واحد يجعلها فريدة داخل الحانات التي ترتادها. ترتدي حجابا تخفي به شعرها الأسود الداكن كما بدا من خصلة على جبينها. تقول ليلى : "ارتديت الحجاب وأنا في الرابعة عشرة، كما هو شأن أخواتي"، وتضيف: "لم أنزعه أبدا، تزوجت وأنا محجبة وطلقت وأنا محجبة، وأحضر سهرات وحفلات، كما أواعد رجالا. أنا سعيدة بمظهري ولا أفكر في تغييره". تؤكد ليلى ل"مراكش بريس " أن فترة دراستها الجامعية كانت منعطفا في مسارها. حيث تعرفت ابنة مدينة بني ملال على رفيقات لها مراكشيات وقلعاويات فتحن عينيها على محلات الماركات العالمية، وأروقة المدينة الحمراء المغرية، من ملابس وعطور وساعات وأحذية وماكياجات وحقائب يدوية ونظارات لم تحلم يوما بامتلاكها. وبالرغم من إغراءات هدايا رفاق زميلاتها "المعجبين"، لم تقطع أواصر صداقات نسجتها طيلة أربع سنوات بالحرم الجامعي. لكن فشل تجربة الزواج،مع طالب ، متمرن بأحد الوكالات البنكية الذي لم يدم أكثر من ستة أشهر، دفعها إلى البحث عن فرصة عمل قادتها إلى أحد مراكز التجميل والماساج، لتبدأ من جديد في نسج علاقات لا تختلف كثيرا عن تلك التي عاشتها أيام الدراسة الجامعية ،ومع ذلك ، فقد فتحت أمامها مهنتها الجديدة كل آفاق الاستقلال المالي والحياة المهنية الجديدة والسهرات، التي ينظمها زبنائها وزبوناتها بمركز لتجميل الذي تعمل به، مما فتح أمامها آفاقا رحبة لاكتشاف عوالم جديدة، برفقة حجابها الدائم، حيث وجدت نفسها بين أحضان واقع أغرب من الخيال طالما سمعت عنه من رفيقاتها بالكلية. ومع توالي السهرات والحفلات أصبحت ليلى، التي تسكن بمفردها، "مدمنة" على الخروج. وتشير إلى أنه يصعب عليها قضاء عطلة نهاية الأسبوع بالبيت والاكتفاء بالخروج لاقتناء حاجيتها، "لأن كلفة سهرات نهاية الأسبوع بأماكن محترمة تفوق قدراتها المالية، لتضطر إلى مرافقة بعض زملائها في العمل أو بعضا من الذين تعرفت عليهم خلال السهرات السابقة. في حين تقول حنان متحجبة أخرى، 25 سنة ل "مراكش بريس " أنا ليست مدمنة على معاقرة الخمر ولا التدخين، وإنما في المناسبات فقط كما تقول، وتضيف : "ولكنني لا أتردد في تناولها عندما يتطلب الأمر ذلك! " وحول ما إذا كان الحجاب يمثل عائقا بالنسبة إليها، أجابت حنان : "بالتأكيد لا، هو قيمة مضافة تميزني عن باقي النساء الحاضرات، وتجعلني أحظى باهتمام الجميع، واحترامهم في معظم الأحيان". أما عن الاتهام بإساءتها للحجاب ودلالته الدينية، فتؤكد أنها لا تسرق ، ولا تضع يدها في جيب أحد، وإنما تضع حجابها للزينة فقط ، بعد أن وضعته أول مرة إرضاء لأسرتها، ولإبن خالتها الملتحي. وبخلاف العديدات، ممن يمتهن الدعارة لضمان لقمة العيش، أو بحجة إعالة أب مريض أو أم فقيرة، أومساعدة أخوة أشقاء يدرسون، ترفض حنان كل هذه الحجج والمزاعم، وتؤكد أن كل ما تطلبه هو أن تعيش حياتها لحظة بلحظة،ودقيقة بدقيقة مستمتعة على سجيتها تحت قناع حجاب هو صمام آمان لها ضد تحرشات "أولاد الزنقة" وشباب الشارع العام . حجاب الفقهاء… في عدد من الأماكن والساحات العمومية بمراكش، وبعيدا عن فضاءات الشيشة وتقديم الخمور، فتيات يرتدين سراويل ضيقة وتنورات حد الركبة. دون أن يكشفن عن رؤوسهن بعضهن فقط يطلقن العنان لخصلات قليلة من شعرهن الذهبي، أو الكستنائي أو المخملي من تحت "الفولار". وإذا كان جمهور الفقهاء يؤكد ضرورة ألا يكون الحجاب "واصفا ولا كاشفا ولا شفافا، وأن لا يكون زينة في نفسه"، فإن الحجاب تحول إلى موضة، وحبل إغراء، ومصيدة للفتنة والنفاق إتجاه الدين والضمير، بل أصبح الظرفاء من مراكش يتحدثون عن "بيزنيس الحجاب"، وصفقاته. محلات تجارية بأرقى الأحياء والأزقة في جليز وأسيف وجادة شارع علال الفاسي، وعبد الكريم الخطابي، أو محلات كالتي قرب مسجد تركيا في جليز، أو بعض المحلات في شارع الأمراء بجامع الفنا، صارت مختصة فيما يعرف "اللباس الإسلامي"،بكل تشكيلاته الباكستانية والإمارتية والمصرية، تقدم آخر الصيحات من الأقمشة والسراويل والفولارات والعباءات، مقاسات لمختلف الأعمار والأوزان،وبالرغم من فتاوى عدد من العلماء ببطلانه، ووصفه ب "حجاب التبرج"، إلا أن تأثيره فتن عقول الفتيات وحتى بعض النساء الناضجات وسحر قلوب الكثير من المراهقات، ليصير قطعة من أجسادهن الغضة، فهو في نظرهن يضمن للمرأة أنوثتها،ويزيدها فتنة وإغراء، ويجعلها محط اهتمام واحترام في نفس الوقت، كما يضمن لصاحبته، تأشيرة عبور إلى قلب الرجل، في كونها الأصلح للزواج في نظر الرجل المغربي. من جهة أخرى وقفت "مراكش بريس " على "أسباب أخرى، استقتها من محجبات متدينات وعفيفات محترمات، أكدن أن هذا النوع من الحجاب هو المفضل لديهن، ولدى العديد من بناتهن لكونه يخلق نوعا من الاطمئنان والسكينة والفضيلة عند المرأة المسلمة التي تعتبره لزاما، وتعتبر التبرج حراما، وفي الوقت ذاته يعفيها من التكاليف اليومية المرتبطة بتصفيف الشعر وحمل الإكسسوارات. "حجاب الموضة" تعبير ثقافي .. يرى عبد الباري الزمزمي، رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل، أن ارتياد عدد من المحجبات حانات تقدم فيها الخمور والشيشة إساءة إلى المحجبة نفسها، وإلى الدين الإسلامي. في حين يؤكد الأستاذ م عبد الله المنديلي،الباحث في قضايا المجتمع :أن بروز هذه الظاهرة مرتبط بالتحول الثقافي الذي يشهده المجتمع العربي ومن ضمنه المغربي في تصوره للمرأة وفاعليتها داخل المجتمع، سواء كانت محجبة أم لا، مشيرا إلى أن اقتحام المرأة للأمكنة العامة هو من ثمار هذا التحول. ويضيف أن هذه الأمكنة، ولفترة طويلة، ظلت ذكورية بامتياز، و"المرأة التي كانت ترتادها في مغرب السبعينات والثمانينات كانت بالضرورة تصنف في خانة المنفلتة ثقافيا والمخلة أخلاقيا". ويستطرد الأستاذ المنديلي أن التحول الثقافي العميق الذي شهده المجتمع المغربي في العقدين الأخيرين. تحت تأثير القيم الغربية المتدفقة، بفعل السيولة الإعلامية التي أتاحتها وسائل الإعلام، وسهولة التواصل الثقافي المباشر مع الغرب، أثر في البنية الذهنية السائدة في اتجاه التطبيع النسبي مع هذه المظاهر. وإذا كانت بعض المحجبات يرفضن ربط الحجاب بالجانب الديني فقط ، ويبتدعن له غايات أخرى يوضع لأجلها، كالزينة والبحث عن الاحترام والاهتمام. وفي أحيان أخرى ارتداؤه التزاما بتقاليد أسرهن وذويهن. ويؤكد المنديلي أن "تصور المجتمع للحجاب كفريضة دينية يضع صاحبته في عمق الممارسة الدينية بشكل عام. فالمجتمع قد يتسامح مع غير المتحجبات في حالة تجاوزهن للمبادئ الدينية، أو تغاضيهن عن ممارسة الشعائر بشكل لائق، لكنه يبدو أكثر صرامة وأقل تسامحا مع المحجبات في هذا الجانب". "الحايك" و"اللثام" والنقاب … في مناطق كثيرة من المغرب،وبجهة مراكش تانسيفت الحوز، كالصويرة والشياضمة والحوز كانت النساء قبل سنوات قليلة يستعملن ملاءة عريضة من القماش لستر رؤوسهن وأجسادهن تسمى "الحايك". هذا الجلباب التقليدي بدأ يختفي في مناطق كثيرة من المغرب، وليس فقط في مدينة الصويرة، التي اشتهرت نساؤها بارتداء الحايك.، ومما يذكر عن باشا مدينة مراكش التاريخي، الحاج التهامي الكلاوي رحمه الله، أنه كان قد أصدر مرسوما باشويا في فترة الحماية يمنع النساء بمدينة مراكش وأحوازها من إرتداء الجلابيب، والعودة للحايك وذلك بعدما تلقى شكاية من الدرازين ، يشكون من خلالها ضيق ذات اليد والركود الذي بدأت تعرفه الحرفة. إلى جانب "الحايك"، يعتبر "اللثام" حجابا محليا ظهر في فاس مع بداية القرن العشرين. ثم في مدن أخرى، مثل مراكش والرباط وطنجة وتطوان… وينسب إلى فاس أساسا، ويلبس إلى جانب "القب الفاسي"، ويكاد هذا النوع من الحجاب يختفي اليوم، وحتى النساء اللواتي يلبسنه تخلين عنه لصالح الحجاب العادي. "الفولار" نوع آخر من الحجاب. ظهر بداية السبعينات، ولا ينطلق من قيم دينية، وإنما في نظر الكثير م الباحثين حول الظاهرة، يكون مدعاة للنفاق الإجتماعي، قصد إستجلاب الوقار وجلب الحياء. ويعتبر حجابا بسيطا على شكل منديل يغطي الرأس، وهو الأوسع انتشارا بين الأمهات المغربيات. نوع آخر، أفغاني الأصل، ظهر مع أواخر الثمانينات، آتيا من أوربا مع ما يعرف بظاهرة رجال الدعوة والتبليغ. إنه النقاب، يكون في الغالب أسود يغطي رأس المرأة وجسدها، وأحيانا لا تظهر منه إلا العيون من تحت ثوب أسود شفاف. "بيزنس الحجاب"… يقول الأستاذ عبد الباقي الإدريسي ، الباحث في ظواهر المجتمع المغربي ل "مراكش بريس " " لقد صارت كل مؤسسات الموضة تقف بكامل آلياتها وراء ظاهرة "بيزنس الحجاب"، التي أفرزها تحوله إلى موضة، إذ تعمل على استغلال هذه الموجة وخلق صناعة جديدة بعيدة كل البعد عن مبدأ "الإستتار" و"الحشمة" اللذان يتحكمان في البعد الديني للحجاب". ويضيف الباقي : " المرأة المحجبة في جهة مراكش تانسيفت الحوز اليوم، كما في غيرها من جهات المملكة وباقي المجتمعات الإسلامية المعاصرة، قد تبدو في كثير من الأحيان غير منسجمة مع مبدأ الحجب الذي يستند إليه النص الديني، بل قد تصل إلى مرتبة الإثارة التي تشكل محور اشتغال دور الأزياء العالمية والوطنية وشركات ملابس الموضة مع جسد المرأة" . بالمقابل يؤكد عبد الغني بورجب، ل "مراكش بريس " أن الإسلام أوجب الحجاب على المسلمة دون أن يقيدها بشكل معين منه. كيفيته وشكله، وتقطيعه، هي أمور ترجع إلى العرف والعادة، ذلك أن الإسلام، كما يقول رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل"،وضع شروطا إذا توافرت في لباس المرأة صار هو الحجاب الشرعي". ويشدد بورجب على أن يكون ساترا للبدن كله من الرأس إلى القدمين، ما عدا الوجه والكفين، وأن يكون غليظا غير رقيق، وغير شفاف يصف ما تحته من الجلد والزينة. أيضا أن يكون واسعا فضفاضا غير ضيق، ولا لصيقا بالبدن، ولا يحدد معالم الجسد ويبرز أعضاءه، وألا يكون لباس شهرة، أو زينة في نفسه ".