نقلا عن أسبوعية “الأنباء المغربية” محمد القنور. نعيمة بوسركة. عدسة: محمد سماع . مآسي النساء والفتيات “المهاجرات” نحو مراكش. نقلا عن الأنباء المغربية محمد القنور. نعيمة بوسركة. عدسة: محمد سماع . لعل أهم الأسباب الداعية إلى هجرة النساء والفتيات نحو مدينة “مراكش، من المدن الصغرى المحيطة بالمدينة الحمراء، والجماعات القروية هو اعتقادهن بأن هذه المدينة الأخطبوطية لا تفتح ذراعيها سوى للنساء اللواتي يحملن هموم أسرة بكاملها، لكن الاعتقاد شيء والواقع شيء آخر، فأغلب هؤلاء النسوة، اصطدمن بواقع مراكشي مرير لمدينة معولمة، باتت لاترحم أحدا، وعرفن وهن يطأن بأقدامهن المتعبة ، ضراوة هذه المدينة. من هؤلاء النساء والفتيات من استأجرت غرفة أشبه بخم الدجاج فوق السطوح،أو بداخل الفنادق المهترئة والمنازل الآيلة للسقوط، ومنهن من وجدت نفسها لعبة في يد “السماسرة”، وهناك عينة أخرى استغلت ظروف تواجدها بشقق الكراء لممارسة الدعارة، لكن ما هي دواعي هجرتهن، وما هي أشكال المعاناة التي تتوحد فيها هؤلاء الفتيات وتلك النسوة، وكيف قبلن الاستقرار رغم قساوة ظروف العيش؟ أسئلة متنوعة حملتنا في “الأنباء المغربية” للتنقيب على أجوبة لها، إلى ولوج عالم النساء “المهاجرات” نحو مراكش. لقد قادت ظروف قاسية مغلفة بالهشاشة والتهميش، الكثير من الفتيات والنساء للاشتغال في مدينة مراكش،بحكم كونها مدينة تعج بالفنادق والمطاعم والإقامات والرياضات وضيعات الضيافة ووكلات الأسفار والحمامات الراقية داخل المؤسسات الفندقية، والشركات المالية بعدما نزحن من مختلف المدن القريبة من مدينة مراكش ، على غرار آسفيوالصويرة والشماعية وبن جرير وسيدي بنور، وإيمنتانوت وشيشاوة،أو حتى البعيدة عن المدينة الحمراء كالعرائش والقنيطرة وسيدي قاسم، وإن كانت غالبيتهن ينحدرن من البوادي في مناطق وجهات زمران ،عبدة، دكالة، الشاوية، الحوز، والرحامنة.. ، ليتحولن إلى رجال يحملن أجساد نساء كما جاء على لسان إحداهن،ممن إلتقتهن “الأنباء المغربية” في إحدى المطاعم المصنفة بحي روض الزيتون على تراب مقاطعة مراكشالمدينة، ونظرا لتحملهن أعباء الحياة، خارج الحدود الجغرافية لأسرهن،فإنهن يكدحون بين الدقيقة والدقيقة من أجل ربح مبالغ مالية، تسد رمق متطلباتهن، ومتطلبات عائلاتهن البعيدة عنهن في مختلف القرى والمدن. وتبقى أحياء كل من باب دكالة والموقف والملاح وتابحيرت وعين إيطي بتراب مقاطعة النخيل،وتجزئة السعادة والفضل وأسكجور هي أكثر المناطق التي تستأجر فيهن هؤلاء النساء والفتيات غرفا لقضاء الليل بعد يوم شاق من العمل. غير أننا في هذا الموضوع توغلنا شيئا ما في حياة هؤلاء الفتيات والنسوة، ووقفنا أيضا على أسباب هجرتهن ومعاناتهن مع شقق الكراء. منهن من تمتهن حرفة الخياطة، أو صناعة الأحذية، أو تشتغل في مصانع التصبير…بالحي الصناعي ومنهن من تشتغل خادمة بدار للضيافة، أو في مقهى أو مطعم، أو عاملة تنظيف بمكتب من المكاتب ، صامتة عن المطالبة بحقوقها الكاملة التي يضمنها لها قانون الشغل، فقط لتستقر بهذه المدينة. وفي هذا الصدد التقت “الأنباء المغربية” عدة فتيات هجرن الدفء الأسري، “البدوي” بحثا عن لقمة عيش تضمن لهن ولأسرهن حياة أفضل، وحالة فوزية تمثل نموذجا من هذه العينة لفتيات البوادي اللواتي اضطررن إلى كراء غرفة في “الموقف” أحد الأحياء الشعبية بمراكش، والتي بدأت معاناتها تتسع يوما بعد يوم، خصوصا أنها قضت طفولتها تحلم بأن يزرعها القدر في مدينة مراكش، كأم وزوجة، لتغادر ما وصفته بجحيم الشماعية. أول الأمر أعجبت فوزية بمراكش، بفنادقها الفيحاء وشوارعها الطويلة ذات المتاجر الراقية المضاءة بأعمدة النور، وتعدد شوارعها، فهي لم يسبق لها أن رأتها،رغم قرب المسافة بين الشماعية ومراكش، لذلك كانت تتوسل أمها كبورة أن تحكي لها عن هذه المدينة العجيبة التي يحكي الجميع عنها في الشماعية ، وعن كرامات رجالاتها السبعة، والتي لم تفلح مخيلتها في القبض على أدنى ملامحها. كانت فوزية تسمي مدينة مراكش طيلة حديثها معنا، ب”سبعة رجال” ، فرغم معاناتها كنازحة من الشماعية إلا أن عينيها كانتا تختزنان براءة فطرية لم تتمكن ثلاثة عقود من الزمن أن تمحوها، ثم إن صدرها أوشك أن يلفظ شحنة مخزونة من العذاب والقهر والمعاناة، نتيجة الإرهاق الذي ظلت تجنيه كل يوم، فمنذ عشر سنوات على مجيئها إلى مراكش لم تستطع هذه الفتاة النازحة أن توفر ما يمكن أن يعود عليها بالنفع، خصوصا أنها الفتاة البكر بين أفراد أسرتها ومصدر رزقهم. تقول فوزية التي لم تبلغ بعد 33 سنة “كم كانت فرحتي كبيرة وأنا أحمل حقيبتي رفقة شقيقي الذي يصغرني بعشر سنوات، ونحن ننتظر شاحنة سي علال الذي وعد والدي أنه سيشغلني في إحدى معامل الجلد بمراكش، لكن فور وصولنا إلى هذه المدينة العملاقة، أصابني الدوار، ولم أعد أفهم ما يدور حولي، لقد تغير كل شيء، حتى أن “سي علال” أخذني كخادمة في بيته، قضيت هناك 3 سنوات إلى أن التقيت بفتاتين من إيمنتانوت وقررت أن أشتغل رفقتهما في مطعم في ملكية إيطاليين، “كانت فوزية تجد صعوبة في الحكي، فتارة يحمر وجهها النحيف من شدة الخجل وتارة تفضل الصمت، وكأنها تستجمع أنفاسها لتقول المزيد من خباياها المؤلمة. وطيلة حديثنا معها كانت فوزية تكلمنا وهي تنظر إلى الأسفل، وحين ترمقنا تضع راحتها اليمنى على فمها المرتعش، وكأنها تخفي عيبا خلقيا بأسنانها، تخشى أن تظهره، فبعد أن طلقت مهنتها كخادمة في بيت سي علال اكترت رفقة زميلتيها المنحدرتين من إيمنتانوت، غرفة في “حي السلام” الملاح قديما، مساحتها لا تتعدى ثلاثة أمتار، كل واحدة منهن تؤدي مبلغ 200 درهم شهريا لصاحبة الغرفة، في حين كانت تتقاضى أسبوعيا نفس المبلغ. من جهة أخرى، تعلق عائشة صديقة فوزية، والتي تنحدر من إيمنتانوت كما سلفت الإشارة، أنها إشتغلت في ميدان الخياطة بمراكش، كعاملة الفينيسيون، حيث تؤكد ل “الأنباء المغربية” أن هدفها الأساسي كان هو تعلم طريقة السورجي وإتقان البيكوز كي تضمن حرفة تمكنها من الاشتغال في معامل أخرى للخياطة أو شركات النسيج، وتضيف عائشة 35 سنة ، أنها كانت تتقاضى 200 درهم، في الأسبوع، أي مايعادل 800 درهم شهريا، تمنح منها لزميلاتيها 200 درهم للكراء، و200 درهم أخرى لمصاريف الغرفة، في حين تبعث مبلغ 300 درهم لعائلتها، وما تبقى أي 100 درهم ، تصرفها على مدار الشهر، ومن سوء حظها تؤكد عائشة أنها كانت تقطن بعيدة عن المعمل. وتستطرد عائشة، ل “الأنباء المغربية” أنها وصديقتيها، يكترين هذه الغرفة منذ خمس سنوات، واجهن خلالها صعوبات كثيرة، من بينها ما كنا يتعرضن له من مضايقات من طرف شباب الحي، في الملاح، ممن ينادينهن ب “العاهرات” وآخرون لا يتوانون لحظة واحدة في التحرش بهن، متى خرجت إحداهن للعمل، أو لشراء أحد الحاجيات لدى بقال الحومة. تقول رحمة 29 سنة ، صديقتهما الثالثة التي تشاركهما ذات الغرفة،ل “الأنباء المغربية” : ذات مرة أوقفني شاب تفوح منه رائحة الخمر وسلبني كل ما أملك، خاتم من الذهب وأجرتي التي لم تستدفء كثيرا داخل محفظتي، ورغم أن هذه الحادثة قد مر عليها أزيد من سنتين إلا أن رحمة شعرت بالإهانة والدونية، لتجهش أمامنا بالبكاء عند ما طرحنا عليها سؤال لماذا لم تتزوجي بعد؟ لقد وضعت ظهر يدها على جبهتها وانحنت مشخصة بصرها نحو الأسفل، لتبدو في وضعية المنهزمة جراء معركة مصيرية، معركة حياة أو موت، كان تخميننا أقرب شيئا ما إلى ما باحت به رحمة، نظرت إلينا واسترسلت “كاع الرجالة ولاد الحرام، كلشي الرجال بحال بحال”، حاولنا أن نفهم ما وراء هذا الاتهام النمطي للرجال، ولما صنفتهم في خانة واحدة، لتجيبنا قائلة “قرابة سنتين، أعجب بي شاب يقطن بحي أسكجور على تراب مقاطعة المنارة ،اسمه يوسف طلب يدي للزواج وأصر أن يقابل والدي، اغتنمت فرصة نهاية الأسبوع وذهبت إلى “مزودة” في إقليمشيشاوة، حيث بيت أسرتي، أخبرتهم أن شابا وسيما يمتلك سيارة أجرة، ويشتغل فقط مع السياح، طلب يدي للزواج، وأنه مصر على مقابلة والدي، لقد كادت الفرحة تخنق والدتي المصابة بمرض السكري المزمن، ولم يتوقف والدي لحظة واحدة، عن الابتهاج الذي كان يطبع ملامح وجهه؛ في الأسبوع الموالي التقى والدي بيوسف، وخلصا بعد حديث طويل بينهما إلى التقدم لخطبتي رفقة أسرته التي تقطن في القصبة بمراكش، وبالفعل فقد تمت الخطبة رفقة أمه، لتبدأ حياتي في الانتعاش شيئا ما، فبعد معاناة 5 سنوات ظننت أنني ظفرت بزوج يمكنه أن يخلصني من عذاب الكراء والوحدة والمعاناة، إلا أن حل ذاك اليوم الذي لن أنساه أبدا، لقد قال لي يوسف أن والدته اشترت لي دملجا من الذهب، وهي تستعجل أن آتي إليها لتلبسني إياه، كانت الفرحة تكبر في داخلي، خصوصا أنها المرة الأولى التي سأذهب فيها إلى منزلهم، كانت الساعة آنذاك حوالي الثامنة مساءا، توجهنا نحو قسارية بحي الداوديات واقتنيت بعض الفواكه ثم قضينا حوالي نصف ساعة بين الأزقة، حتى التقى بشاب طويل القامة، قدمني له قائلا “هاذي هي رحمة مراتي” وقدمه لي أيضا “هذا حسن خويا” تحدثنا قليلا، ثم سأله يوسف “أش كدير الوليدة” ليجيبه بأنها خرجت رفقة ابنتها إلى إحدى العيادات الطبية، ثم منحه مفاتيح المنزل “لم تستطع أن تكمل حديثها، بدت في تلك اللحظة كعجوز في سن السبعين، انطوت على نفسها وأحجمت عن البوح، وكأن الأحرف تحجرت في حلقها، ماذا وقع..؟ سؤال طرحناه أكثر من خمس مرات، لكن دون جدوى، لكنها في آخر المطاف ستكشف لنا عن خدعة محبوكة أو سيناريو إن صح التعبير، كانت ضحيته هذه الفتاة. وتضيف “رحمة”: أنها بعد مرور الوقت اكتشفت أن تلك المرأة التي ادعى أنها أمه ليست سوى سيدة مأجورة، كما أن ذاك الشاب الذي قدمه على أساس أنه شقيقه، هو في حقيقة الأمر صاحب الشقة التي كانت مشبوهة عند معظم ساكنة الحي ، لقد اغتصبني بالقوة لأني رفضت أن أضاجعه، لكنه تضيف رحمة “ولد الحرام” اعتذر لي في ليلة الغد، وأقسم بأنه سيتزوجني خلال الشهور القادمة. ووسط جو من دموعها المنهمرة، “طلبت منا رحمة أن نتوقف عند هذا الحد، فقد أحيينا داخلها جرحا عميقا لم يبرأ بعد، كما أنها لم تخبر والدها بما وقع، واكتفت بأنه مجرد كذاب، فهو ليس بسائق أجرة، وإنما عاطل، ومن ذوي السوابق العدلية. لقد آلمتنا قضية رحمة التي ما زالت تسكن غرفة في حي الملاح بمراكش بمثابة علبة سردين، إنها نموذج الفتاة المهاجرة إلى مراكش، التي بقيت بين حافات الحلم والضياع، والتي تجد نفسها في مدينة قيل عنها بأنها تعج بالنصب والإحتيال ويقطنها الكثير من الأشباح ومصاصي الدماء، إلا أن الواقع المزري الذي يتخبط فيه أهالي البادية،المقيمين بمراكش، يظل عاملا أساسيا في تفريخ هذه الشريحة التي تشيخ يوما بعد يوم، جراء التعب والمعاناة والتحرش وكل أشكال الاستغلال. أضحت ظاهرة هجرة الفتيات من البوادي نحو مراكش قصد الشغل وتحسين مستوى عيش أسرهن تؤرق المجتمع المراكشي خصوصا والمغربي عموما بكل مكوناته، خصوصا أن القضايا التي تتباحث فيها جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالمرأة بالدرجة الأولى، تقف على عدة نقاط تهم مجال الحرية التي من المفروض أن تتمتع بها هؤلاء الفتيات النازحات من المدن الأخرى ومن البادية، ولعل العنف الممارس عليهن أكثر مما قد تواجهه فتاة أخرى تقطن بالمدينة، ففي ولاية مراكش تعيش فتيات البادية ظروفا مزرية وقاهرة لما يتعرضن له بشكل يومي من مضايقات واعتداءات، مما يخلف آثارا نفسية في دواخلهن، خصوصا، وأنهن بعيدات عن جو الأسرة والأهل، همهن الوحيد العمل على توفير أجرة الكراء وقوت أسرة بكاملها تنتظر السماء أن تجود عليهم ببعض قطراتها، وكنموذج لمحن فتيات ونساء اضطررن للعيش داخل المنفى الطوعي في ولاية مراكش، حيث التقينا ب “حادة ” 23 سنة القادمة من “منطقة مجاط إلى الحي الصناعي الصناعي، سيدي غانم الذي يشغل أكثر من ألفين عاملة، ثلثها من المهاجرات النازحات نحو مراكش، قدمن من مختلف المدن القريبة من مدينة مراكش ، على غرار آسفيوالصويرة والشماعية وبن جرير وسيدي بنور، وإيمنتانوت ومناطق إقليمشيشاوة النائية والمعزولة، ترددت “حادة” قبل أن تستقبلنا في غرفتها ب “بحي السعادة”، على مقربة من الطريق الرئيسية الرابطة بين مراكش والدار البضاء”، وقبل أن نلج غرفتها هاته اقترحت علي أن أصطحب معي فتاتين لإضفاء جو عائلي على الزيارة، خصوصا أن صاحب العمارة يشك في مثل هذه الزيارات التي تكون فردية أو ثنائية، اعتبارا لما يمكن أن يتناسل من أسئلة وشكوك حولها؛ حوالي الساعة السابعة مساءا قصدنا غرفة “حادة” بالطابق الرابع، وجدنا إلى جانبها أربع فتيات يتقاسمن معها المأكل والملبس والفراش، هن أيضا عاملات في الحي الصناعي “سيدي غانم” الغرفة أشبه بعلبة أعواد ثقاب، فهي لا تتسع حتى لشخصين، فبالأحرى خمس فتيات تتسم كل واحدة منهن، بطريقة عيش مختلفة، أغرب ما في هذه الغرفة هو كونها رغم مساحتها الضيقة تضم مطبخا صغيرا، عبارة عن قنينة غاز صغيرة، وصينية قصدير بها ستة كؤوس وطنجرة ضغط وحفنة من الملاعق والسكاكين والعلب، تتموقع في ركن من أركان الغرفة المذكورة، إضافة إلى تلفاز صغير وجهاز VCD، كما أنها لا تتوفر على نافذة يمكن أن يتسلل منها الضوء والهواء، مما أدى إلى تشبع الهواء المحبوس داخل الغرفة برائحة العفن، التي تثير الغثيان . تقول “حادة” “قرابة سنة ونصف ونحن هنا، وما ساعدنا على المكوث طويلا داخل هذه الغرفة هو ثمنها وكذا قربها من الحي الصناعي، فقد اكتريناها ب 750 درهما، كل واحدة منا تمنح مبلغ 150 درهم” عند نهاية كل شهر، لم تمر عشر دقائق حتى أحسسنا بالاختناق وسط زحمة هذا الفضاء، أصبحنا ثمانية أشخاص داخل فضاء لا يتعدى ستة أمتار ونصف، خصوصا وأننا نفترش الحصير، وعن معاناتهن أجابتنا حادة القادمة من ثلاثاء سيدي بوكدرة، قرب مدينة الصويرة 27 سنة ”أنا هنا بمثابة أمهن، أقدم لهن الدعم والمواساة، كل يوم أستمع لمشكل وقعن فيه، فمثلا تشير إلى سعيدة 21 “سنة” كونها لم تستوعب هذه الفتاة ما يدور حولها، فقد قدمت منذ سنة وثلاثة أشهر من منطقة “المخاليف” إلى مراكش، وكانت ضحية اعتداء جنسي، لحسن الحظ لم تفقد معه شرفها، “أحست سعيدة بالخجل وأرادت أن تدافع عن نفسها قائلة بلهجة بدوية “كنت عائدة إلى هذه الغرفة بعد يوم شاق في طاكسي كبير ، كانت الساعة آنذاك تشير إلى السادسة والنصف مساءا، وكان الظلام قد أرخى سدوله خصوصا أننا كنا في فصل الشتاء، وفي طريقنا توقفت سيارة الأجرة إثر عطل ما في محركها، ولما خرج الجميع إلى جنبات الشارع المؤدي إلى حي أزلي على مقربة من فران التراب ، وقفت إلى جانبهم أنتظر ما ينتظرون، واختلطت علي الأمور لأني لم أكن أعرف الشوارع وأزقة مراكش، ما أعرفه آنذاك هو نقطة البداية والنهاية فقط ، بعد لحظات من الانتظار رفقة الركاب، تقدم نحوي رجل في سن والدي، بلحية يشوبها الشيب الكثيف، وقال لي إنه لا جدوى من الانتظار، فكل سيارات الأجرة المؤدية إلى هناك مكتظة بالركاب، وطلب مني أن أرافقه، ترددت في البداية، لكنه أجابني “ما تخافيش أنت بحال بنتي صوفيا”، وفي طريقنا سألني عن مهنتي لأجيبه بأني خياطة، فاقترح علي أن أشتغل عنده بمعمله في “حي جليز” ، وطلبني أن أصطحبه، كما أنه قال لي أنه سيمنحني مبلغ 500 ردهم كل أسبوع، فرحت كثيرا لأني كنت أتقاضى آنذاك مبلغ 1000 درهم شهريا، ولما اقتربنا من مقر سكناه، اقترح علي أن يعرفني على زوجته وإبنه آمين، ولما ولجنا المنزل “تكرفس عليا ولد الحرام لم تكن رغبتي مضاجعته، ولكن تحسين مستوى عيش أسرتي”، هنا تدخلت سعيدة قائلة “لم تعد سعيدة إلى المنزل مدة يوم كامل، لقد آلمني لما تعرضت له، وأقسمت أن أعثر عليه لأريه كيف يتلاعب ببنات الناس “تنهدت”،لتضيف : “لكل واحدة منا مشاكلها، وكل منا تتعرض لمضايقات سواء في الشارع أو داخل الشركة وحتى من طرف شباب هذا الحي، الذين يعتقدون أن كل الفتيات القاطنات به ، هن مجرد مومسات. وعلى الرغم من كون أغلب الفتيات اللواتي التقتهن “الأنباء المغربية” لم يتطرقن لكيفية تعاملهن مع “السمسار” إلا أنه وجبت الإشارة إلى ضغط بعض الوسطاء العقاريين خلال عملية الكراء والإيجار، على بعض النساء والفتيات اللواتي يرين فيه المنقذ والضامن لاستقرارهن، وقد سبق أن جالست بعض “السماسرية” المتواجد مقر وكالتهم بأحياء المسيرة، حيث كان حديثهم يتمحور في مجمله حول استمتاعهم بأجساد تلك العينة من النساء والفتيات المهاجرات لمراكش، كل يستعرض تفصيل الكيفية التي أقنع بها الفتاة لمضاجعته مقابل تسهيل أداء فاتورة الكراء، وهنا يتضح قصور المعنيين بالأمر في تصديهم لهذه الظاهرة التي ستنجم عنها ظواهر أخرى لا محالة. وإذا كانت بعض النساء القادمات من البوادي قد أفلحن في الاستقرار بمراكش رغم معاناتهن داخل الوسط الذي يتواجدن فيه، سواء في غرف الإيجار المكتظة أو داخل فضاءات اشتغالهن ووفائهن للعهد الذي جئن لأجله والذي يبرز في توفير المال لعائلاتهن المحرومة في البادية، فإن هناك بالمقابل جانبا ظل شبه مغيب ومسكوت عنه، ويتعلق الأمر ببعض النساء اللواتي وجدن فرصة تواجدهن في المدينة بعيدا عن الأسرة والأهل لممارسة الدعارة، بل لا يجدن حرجا في الظهور بمظهر المومسات، وتكفي نظرة واحدة، لترسم حولهن صورة بائعات الهوى بلباسهن اللافت للنظر، وفي إطار بحثنا وتنقيبنا عن الفتيات اللواتي يعانين من مأساة شقق الكراء، قادتنا الصدفة أن جالسنا إحداهن بمقهى في الحي الشتوي بمراكش، وما شجعنا على محادثتها هي لكنتها البدوية وكذا سحنتها المميزة، اسمها سعاد تنحدر من نواحي العطاوية، ومن خلال حديثنا معها اكتشفنا أنها تستأجر غرفة بمعية صديقاتها بمنطقة أمرشيش، وتضم هذه الشقة حسب سعاد 5 غرف تستأجرهن حوالي ستة عشر فتاة كلهن قادمات من البادية،أو من مدن أخرى، والمفارقة الغريبة أن صاحبة المنزل المكون من ثلاثة طوابق، تستأجر الطابق الأول للفتيات، في حين تسكن هي بالطابق الثاني أما الطابق الذي يعلوه فقد استأجرته على حد قول سعاد ل “الزوافرية”، وعن سبب تواجدها في هذا الوقت المتأخر من الليل الذي يشير إلى الواحدة صباحا، بالمقهى ، أجابتنا سعاد بأنها تنتظر زبونا “ممرضا”، هاتفها قبل ساعتين وضرب لها موعدا بالمقهى ، إلا أنها بجرأة غير معهودة صارحتنا بواقع مر تعيشه إلى جانب زميلاتها بتلك الشقة بالحي الحسني. تقول سعاد ”الكل في الحي ينعتنا ب “الصبانات”، فأغلبنا تشتغل “صبانة” بالنهار، وما إن يحل الليل حتى يخرجن “باش يضبرو على روسهم”، صاحبة الشقة تعرف عنا كل شيء، لكنها تستفيد من هذا الوضع، فهي تأخذ منا عند نهاية كل شهر 4000 درهم عن الغرف الخمس”، أشعلت سعاد سيجارتها لتنفث دخانها متأوهة، ونظرت إلى ساعتها، لتطلب منا 20 درهما لتؤدي ثمن القهوة، وليست سعاد وصديقاتها من سلكن هذا الاتجاه، بل هناك عدة فتيات قادمات من البادية ومن المدن الأخرى، امتهن الدعارة، وفضلن كراء غرف ليدخلوا ويخرجوا منها وقتما يشئن دون حسيب ولا رقيب، وبعيدا عن لوم الأسرة والأهل. كل النساء اللواتي تحدثن إلى “الأنباء المغربية” وفتحن لها صدورهن للبوح المرير والكشف الصريح عن معاناتهن مع “الكراء” والشغل يلتقين حول أمر هام، وهو أن أغلبهن يتعرضن بشكل دائم لشتى أنواع التحرش الجنسي، ورغم القصور الذي يواجه به المجتمع المدني والهيئات الحقوقية هذه الظاهرة، والتصدي لأسبابها، وتأصيل مناهضتها وجبر ضحاياها من النساء والفتيات التائهات المهاجرات إلى مراكش ، ممن يرزحن وسط غابة من المعوقات.