هناك الإسلام الوثني، وهناك الإسلام السني، وهناك الإسلام الشيعي، وهناك الإسلام الصوفي، وهناك الإسلام الشعبي، وهناك الإسلام المعاصر! لقد جلب العصر وتداعيات تطور الإسلام والمسلمين داخل عالم تتزاحم فيه الأحداث بالحوادث، فتغيرت ملامح العالم وتغيرت معه ملامح الفكر والعقل والعادة والتقليد في سيل جارف لا يترك للذات أن تلاحظ ما يجري ويقع من تغيرات وتبدلات. وفي هذا المقال سأحاول تسليط الضوء على بعض من هذه النوادر والغرائب التي أصبحنا نتعايش معها وكأنها جزء منا بل وجزء من الحياة العادية. أمور فرضتها ظروف "الوقت"، والبعض الآخر نزل تنزيلا بفعل الضرورة والحتمية. مفارقات حاولنا تجميعها في قالب واحد وخيط جامع مشترك؛ ألا وهو ضياع الذات المسلمة في مستنقع التشويش والبلبلة والغموض. - من الغرائب التي وصلتني وكدت أن لا أصدقها، وهي مسألة ثبوت أن هناك من يقدم بعض الهبات أو الأعطيات في شكل رشوة، أو يستعملون النفوذ أو المحسوبية والزبونية في "قرعة الحج" فيصبح الحج حراما قبل ركوب الحاجة للطائرة! وتجد من يذهب هناك قاصدا بيت الله في الصورة ولكن في الأصل هناك من يأخذ بناته للاشتغال هناك في الدعارة والعياذ بالله. رشوة من أجل الحج! و قصد للكعبة من أجل العمل في الحرام! - ومن العادات الجديدة والتي جلبها الزمن الأغبر، هو أن كبش العيد أصبح بالكريدي، وكأنك تشتري من حانوت "السوسي" بالكريدي! إنها السنة الغير مؤكدة أصبحت بالكريدي. لقد جرجرت العولمة والليبرالية البشعة السنة إلى "السوبر مارشي" ومرغت وجهها في سوق النخاسة، ونحن من أجل بطوننا التي لا تمتلئ نعمل المستحيل من أجل الحصول على كبش، لأنه من العيب أن تبقى بدون أضحية ولو لزم الأمر أن تبقى مخنوقا بحبل الكريدي إلى غاية عيد الأضحى القادم! فكل عام وكبش الأضحي بالكريدي! - ومن غرائب الشارع الجديدة التي أصبحت تعبر عن واقع عالمنا الإسلامي، ودرجة التشرذم النفسي والأخلاقي والهوياتي التي أصبحنا نعيشه هو ثنائية روتانا وإقرأ! فتجد بنات اليوم، في تركيبة من الأزياء غريبة ولا تعبر إلا عن غرابة من يلبس تلك التشكيلة، فمن المتناقضات التي أصبحت تجتمع في بنات اليوم؛ هو أنك ترى الشارع بفتيات برؤوس محجبة وخرق وبراقع ومناديل، ولما تمتد نظرتك إلى الأسفل، تجد نفسك تنظر إلى فتاة أخرى لا علاقة لها بالتي كنت تنظر في وجهها، رؤوس محجبة وبنطلونات وتنورات تظهر كل المفاتن الخفي منها والظاهر، الأمر الذي أصبح معه بعض الشباب يرددون كوصف لهذا الشكل الجديد بعبارة؛ "إقرأ من الفوق وروتانا من لتحت"! في كناية عن إذاعتي العري روتانا وإذاعة إقرأ الملتزمة. - ومن المظاهر الاجتماعية الأخرى وبسبب من نسبة الجهل المرتفعة في المغرب، فإنك تتفاجئ بين ليلة وضحاها، بشباب يبيتون مواطنين عاديا ليصبحوا في الغد تحت ما يسمون أنفسهم ب "ملتزمين" و "سنيين". فتجد الصديق منهم يتغير كليا، فلا يصبح بعد الوضع الجديد صديقا لمعارفه القدامى، ويرافق مجموعة جديدة من صنفه، ويبدأ في أكل أطعمة وترك أخرى حسب هذا المنطق أو تلك الفتوى الفلانية، بل تجده ينصح ويفتي في الدين وهو لا يفرق حتى بين سنن الوضوء وفرائضه! وحتى أنه ليظهر للناس أنه أصبح ملتزما وسنيا فإنه يعبر عن هذا الواقع بكل بساطة بالتزام نوع معين من اللباس يسمونه باللباس الإسلامي أو الأفغاني أو غيره. ولتصبحوا أيضا أيها الشباب المغربي "سنيين" فما عليكم حسب هذا المنطق الغريب إلا أن تشتروا "قندورة" ب 70 درهم وتطلق لحية طويلة، "وهانت سني مع راسك"! - ومن المظاهر الغريبة أيضا والتي أصبحت "جاري بها العمل" وهو أن تكون جالسا في جلسة فرجة على التلفزيون، ويتم عرض بعض المنوعات والتي هي عبارة عن أغاني يختلط فيها الصلاة والسلام على رسول الله بالموسيقى والشيخات والرقص والمجون والعري. في ميلودراما يختلط فيها الحابل بالنابل، الصلاة على الحبيب المصطفى وهز الأرداف و" الشطيح والرديح"، في خليط غير متجانس يجلس فيه الحرام بالقرب من الحلال! وكأنك تنظر في وجه شخص ينفجر بشكل هستيري، لكنك لا تستطيع تمييز من شدة الخلط بين الضحك والبكاء هل هو يبكي أم يضحك. إنه إسلام على ميزان السلم الموسيقي، يتراقص ويتمايل برقص وميل أصحابه. - وتجد الشخص يمسك بخناقك في حديث مطول من النميمة، وفجأة يطلب منك الاستئذان قائلا "اسمحلي سأذهب لصلاة العصر الله يقبل"! - ومن الملاحظات الغريبة التي لاحظتها والتي ألهمتني أن ألاحظ الفرق بين الإسلام في التنظير والكلام والإسلام في الواقع والحقيقة، موضوع "مراحيض المساجد"، فمن خلالها نستطيع أن نستشف مدى نظافة وحسن نية إسلام المسلمين الذين تفضحهم مراحيض مساجدهم، وتبين مدى الممارسة الحقيقية والفعلية للدين. فمستوى المراحيض ومستوى نظافتها تعكس إهمال الجانب السلوكي والعملي في العبادة لدينا كمسلمين، وهو نفس الفرق الذي تجده بين مراحيض وقاعات الوضوء، وبين صحن المسجد حيث تقام الصلاة؛ وبصيغة أخرى أوضح هو الفرق بين الجانب العملي السلوكي المتمثل في النظافة و التهيؤ للصلاة وضرورة الحفاظ على المكان، وعدم أذية المؤمنين من خلال ترك الفضلات بشكل عشوائي وحقير في مراحيض المسجد بشكل لا يمت للدين ولا للتحضر و للتمدن وللإنسانية بشيء، والجانب الآخر صحن المسجد، الذي من المفروض يطبق فيه المسلم صلته مع الله ويقيم الفرض فيه. فلماذا التعب في العبادة والصلاة إذا لم نكن نطبق ونلتزم بما نقوم به خلال الصلاة، أم النظر شيء والتطبيق شيء آخر! - وهناك من هم محسوبون على السلفية الجهادية أو طبقة السنيين أو الإسلاميين عموما زمن النضال بشارع محمد الخامس بالرباط مع المعطلين، من كان لما يحمى وطيس الاحتكاك مع قوات الأمن، ينسحب إلى إحدى الحدائق ويشرع في تلاوة القرآن... باقي المعطلين تحت ضربات العصي والركل والصفع، والمؤمن العجيب يقرأ تعاويذه ويمارس طقوس تدينه فقط في تلك اللحظة بالذات. قبح الله أمثال هؤلاء من يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، أو يتاجرون وينافقون باسم الدين أو يختبئون وراء الدين الحنيف... قمة الدين أيها المتخلف هي أن "تأكل" مع إخوانك المعطلين ما تيسر من الصفع والركل والتكسير والدغدغة للعظام والجماجم وليس قراءة ما تيسر من الذكر الحكيم ساعة معاناة إخوتك في الكفاح والضال! ومعطل آخر لم يكن يريد ترديد الشعارات مع باقي أفراد المجموعة، ولما سئل عن السبب، أجاب قائلا: كيف أرفع صوتي وأنا مع إناث يرفعن صوتهن، ألا تعرفون أن رفع صوت المرأة حرام لأنه عورة! ولماذا تناضل أيها الذكي مع ثلة من المعطلات السافرات الرؤوس والجسد، إنسحب من المجموعة ولا تناضل معهن إن كنت تخاف على الدين ولك مبادئ حقيقية. منطق رائع مفاده؛ نعم للوظيفة لا للنضال! هذا هو الدين و إلا فلا! - على نفس القياس يفاجئك البعض من الناس المواظبين على الصلاة، لكن حين تعترضهم إكراهات الحياة البسيطة التي يضطرون فيها إلى لي عنق الحلال ليصبح مباحا، فهم يجدون لذلك ألف عذر، فكثيرون منهم يضطرون مثلا لإعطاء رشوة على أنها قهوة وعلى أنها أمر مفروض "و ما عندك ما تعمل". فتصبح المعادلة ممكنة وقابلة للتطبيق. تحت شعار "سلك"، "و شغا دير يالاه" و "هاد الشي اللي عطا الله". إذن نعم للصلاة في الوقت، ونعم للرشوة في الإدارة! - وهناك طبقة من الناس يتفننون في الخطابة، وينصحون العالم كله إلا أنفسهم! إذ يسمح لنفسه أن ينصحك ولا يقبل نصيحتك وكأنه معصوم من الخطأ. - في بلدي الحبيب ومن المفارقات العجيبة فيه يمكنك أن تحصل على رخصة لبناء "بار" أو ملهى ليلي، بشكل أسهل من رخصة بناء مسجد. بل يمكن أن تدخل في "س" و"ج" بسبب طلب أو تطوع كهذا وتدخل في قائمة المبحوث عنهم، وربما تتحول بقدرة قادر إلى لائحة المغضوب عليهم! - قذف المحصنات واتباع عورات الناس؛ مرة أزعجني صديق من كثرة قذفه للمحصنات، ورغم محاولات ثنيه عن هذه الخصلة الدنيئة. فكرت أن أجرحه عمدا، ليحس بفداحة ما كان يقوم به، فما كان إلا أن واتت الفرصة بمرور ابنة خالته المتزوجة من أمام المقهى، فأشرت إليها قائلا "تلك الفتاة يقال عنها أنها تخون زوجها بعد ذهابه للعمل"، فلم يكن منه إلا أن حنق وغضب قائلا أنها ابنة خالته وما إلى ذلك من الكلام العنتري... فبادرت قائلا. بنات الناس فاسقات وعاهرات وبنات عائلتك شريفات وعفيفات! لماذا إذن تظل "اليوم وما طال" في قذف المحصنات واتباع عوراتهم لما أنت لا تحب من يتكلم في أحد أفراد عائلتك بالسوء؟ - الدين كسلوك لا يظهر عند المغاربة، لا في الشارع ولا في الإدارة ولا في الأماكن العمومية، فالتدين النظري في جهة والتدين في السلوك في ضفة وفي عالم آخر! - وهناك من لا يسقط صلاة الفجر ولا يفشي السلام ولو وضعت المسدس على رأسه! - وهناك أناس ليس لهم من دينهم إلا الانتماء والعادة. إنه زمن الهزيمة النفسية والاختباء وراء المظاهر خوفا من الناس أكثر من رب العباد. مستجدات كثيرة لها أسباب نزول كثيرة... وما خلق هذا الواقع هو التدفق الهائل للمشاكل والمستجدات التي فاقت الحلول والفتاوى ودرجة الاجتهاد. كما أصبح المسلم يعيش داخل عالم عبارة عن قرية صغيرة، فتصل التأثيرات وتنتقل العادات والثقافات بشكل سلس وسريع، فيحصل معه تغير في العقلية والتفكير، خصوصا في خضم أزمة الهوية التي يعيشها المسلم بين أقرانه في هذا العالم. فأصبح المسلم إذن يعيش داخل "سكيزوفرينيا" حقيقية، وتشويشا كبيرا، بين النص الديني والممارسة اليومية، وتائها بين التنظير والتطبيق. خصوصا لما أصبحنا نجد الواقعة الواحدة يقف فيها العلماء على أطراف التناقض، فيحير المواطن العادي في اتباع هذا الطريق أو ذاك. حتى من الأعياد التي توحد المسلمين أصبحت تصطبغ بألوان السياسة الماكرة، على توقيت القذافي وأحمدي نجاد وحامي الحراميين...