في هذا الحوار يطرح الأستاذ محمد المريني عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رؤيته لمجموعة من القضايا الراهنة كالتحول الديمقراطي وتجديد الخطاب الديني ومواجهة التطرف، ويرى في هذا الحوار أن تقدم المغرب رهين بتحقيق المشروع الذي طرحه الدكتور محمد عابد الجابري، فالكتلة التاريخية عند المريني ينبغي أن تضم ثلاث أقطاب رئيسة في المغرب، حزب الاستقلال باعتباره ممثلا للتيار الوطني الليبرالي والتيار الاشتراكي الديمقراطي بتعبيراته السياسية وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي، وحزب العدالة والتنمية باعتباره التيار ذي المرجعية الإسلامية، ويرى أن التيار الذي يستهدف القيم والدين هو تيار غير وازن وغير مؤثر، وأن المهمة الحقيقية للفاعلين السياسيين ينبغي أن تنصرف للقضايا الملموسة التي تشغل بال المواطنين، ويذكر بأن تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا هي تجربة جد مهمة ينبغي أن تدرس ويستفاد منها في المغرب. نص الحوار: الباحث في كل من خطاب الحركة الإسلامية وخطاب التيار الاشتراكي الديمقراطي بالمغرب يلمس اختلافا كبيرا في الانطلاق والتناول، وقد فسر بعض الباحثين ذلك بالازدواجية المرجعية التي يكرسها الدستور، فهو من جهة يتبنى المرجعية الإسلامية، ومن جهة أخرى يتبنى المرجعية الحقوقية، هل توافقون مثل هذا التفسير؟ أشكر جريدة التجديد على مبادرتها في هذا الحوار، أنا لا أعتقد أن هناك ازدواجية في الدستور المغربي. صحيح أن الدستور المغربي يعتبر مرجعيته متأسسة من جهة على الإسلام ومن جهة أخرى على مبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا. أنا أعتقد أن ديننا الحنيف أسس منذ قرون ثقافة إنسانية، جاءت للمساواة بين جميع البشر، جاءت أيضا لتعزيز مكانة المرأة، وتمتيعها بالعديد من الحقوق التي تعترف بها الإنسانية اليوم، وأعتبرأن ثقافة حقوق الإنسان هي امتداد طبيعي للمبادئ التي بني عليها الإسلام، ومن هذه الزاوية أنا لست متفقا أن هناك ازدواجية، بل أعتبر أن تبني المغرب لحقوق الإنسان يسير في إطار تدعيم بلدنا كبلد إسلامي ينتمي إلى الثقافة الإسلامية ويتبنى المرجعية الإسلامية. العلاقة بين الدين والسياسة تطرح أكثر من إشكال إلى درجة أن هناك تناولات وتصورات مختلفةلهذه المسألة، فهناك من يدعو إلى الفصل المطلق، وهناك من يدعو إلى المزج، وهناك من يقترح تدبيرا مرنا لهذه العلاقة، أين يقع موقفكم؟ كما تعرفون داخل المرجعية الإسلامية هناك اتجاهات كثيرة ومتعددة، ومنذ القديم كنا نلاحظ تعدد المذاهب، والدين الإسلامي هو دين الاجتهاد، ووجود المذاهب منذ القدم كان يعبر على أن الإسلام هو دين الحوار وأنه لا ينفي الخلاف، وأعتقد أننا اليوم، القيمة الأساسية للإسلام هو أنه دين قابل للتجديد والمواكبة بحسب التطور الذي تعرفه الحياة. وكما تعرفون، فطبيعة هذه الحياة كما خلقها الله هي طبيعة متطورة، والإسلام يعترف بهذا ويدعو العقل البشري إلى مسايرة هذا التطور، ولهذا سن الاجتهاد. أنا أنتمي لمدرسة الإسلام، ولعل من منظريها ورموزها الأساسيين محمد خاتمي، فقد نقلت في كتابي اليسار المغربي الثورة والإصلاح فقرة مهمة ضمن الموقف من الإسلام للرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي يجيب فيها عن سؤال العلاقة ما بين الدين والسياسة يقول فيها:إنني شخصيا أعتقد أن الحكومة أمر مفوض للناس. الدين قد رسم القواعد الكلية والضوابط العامة للنظام السياسي، إلا أن تحديد ما يناسب هذه الأمور أو ما لا يناسبها موكول إلى الناس، كما وأن قيام الحكومة واستمرارها يتبعان إرادة الناس ورغبتهم . هذه هي المدرسة التي أنتمي إليها، وأعتقد أنها مدرسة متنورة وتعبر عن الإسلام الحقيقي. معنى هذا أنكم ترون أن الفاعل السياسي ينبغي أن ينطلق من المرجعية الإسلامية باعتبارها قواعد وكليات عامة، وأن الاجتهاد البشري المنطلق من هذه المقاصد العامة هو الذي يوكل له أمر تدبير الشأن العام وقضايا السياسة؟ أنا أعتقد بكل وضوح أن الإسلام هو دين الجميع، هو دين لجميع المغاربة، وللأمة الإسلامية جمعاء، ولكن مجال السياسة هو مجال الاجتهاد ومجال الآراء، ويمكن من داخل الوعاء الواحد ،أقصد من داخل المرجعية الإسلامية، أن يكون اليمين واليسار والوسط المعتدل، وكما تلاحظون في الإسلام كانت كل هذه الاتجاهات موجودة ، وكل واحد كان يدعي أنه يعبر عن المرجعية الإسلامية الحقيقية. الآن العولمة فرضت إيقاعا سريعا ، وصارت تستهدف الخصوصيات والقيم والثوابت ، والعالم صار مساحة مسطحة لا نتوء فيها، كيف تنظر إلى واقع القيم ومستقبلها بالمغرب في ظل هذه التحولات؟ أنا دائما أريد ألا أتحدث بشكل مجرد، مثلا للنظر إلى الأشياء كما هي في الواقع، فلسطين مستهدفة والعراق مستهدف وسوريا أيضا، أنا أسأل بدوري هل الولاياتالمتحدةالأمريكية وقادتها الذين يتحكمون ويهيمنون على العالم هل يميزون بين الفلسطيني المسلم والفلسطيني المسيحي، أو بين العراقي المسلم وبين العراقي السني أو الشيعي، وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا، أنا أرى أن الصراع الحقيقي اليوم هو بين الشعوب العربية الإسلامية التي تريد أن تجد لها مكانا في هذه الأرض، وضعا يليق بمكانتها التاريخية، ويعترف بحقوقها ويقف ضد الأطماع الأجنبية، وبين اتجاه إمبريالي مهيمن، يرى أنه سيد هذا العالم، وما دونه هو إرهاب، هذا هو جوهر الصراع. طبعا أنا أتبنى الرأي الذي يقول أنه لا بد من استخدام كل المقومات الذاتية لمجابهة هذا الخصم وفي مقدمتها الدين الإسلامي. فمثلا في المغرب، أنا أتصور وأرى بأن الدولة المغربية تكونت في ظل الإسلام، ونحن أصبحنا أمة ذات وجود وريادة في التاريخ بفضل الإسلام. هل نلغي هذه الحضارة التي بنيت منذ أربعة عشر قرنا أم نبني عليها ونعتمد عليها ونطورها في إطار فهم منفتح للإسلام يواكب العصر؟. أنا أنتمي إلى مدرسة علال الفاسي والمختار السوسي ، تلك المدرسة التي ترى أن الإسلام لا يتناقض مع الحداثة ومع العلم ،لقد كانت هذه المدرسة تتخندق ضد المدرسة الطرقية الصوفية التي كانت تقدس الزوايا، وكان بعض رموزها باسم الدين عملاء للاستعمار . فهذه هي نظرتي، نحن ننتمي إلى بلد أساسه الإسلام، لكن في إطار من التفتح لأنه لا يمكن التقدم إلا بفكر ينبني على العلم. فالثقافات تتضمن جوانب ينبغي علينا أن نستفيد منها بما في ذلك الثقافة الغربية، هناك أشياء جد مهمة ينبغي أن نراكمها، ولا ينبغي أن ننسى أننا كنا أساس هذه الحضارة الغربية، فنحن الذين أدخلنا الحداثة إلى إسبانيا والأندلس، فحين رجع إلينا هذا العلم في شكل دبابات ومنتوجات صناعية وتكنولوجية، هل نلغي كل هذا الكسب؟. أنا أعتبر أننا ينبغي أن نناهض مثل هذه الدعوات التي تتنكر لرصيد الإبداع الإنساني، ينبغي أن نقبل الحداثة وما طوره العلم، لكن وفق رؤية تخدم أهداف ومقاصد الأمة العربية والإسلامية. من الملاحظ أن أمريكا صارت تروج صورة نمطية حول الإسلام ، فالإسلام صار في مخيال العديد من الناس مشكلة في الوجود ، فهو ضد الحرية وضد الحداثة وضد الديمقراطية وضد المرأة وضد الفن، ألا ترون أن ترويج مثل هذه الصورة هو نوع من الاستهداف لهذا الدين؟ أمريكا بالأمس استهدفت الفيتنام، واستهدفت عدة دول لا صلة لها بالعالم الإسلامي ولا بالمرجعية الإسلامية، اليوم تستهدف منطقة الشرق الأوسط وهي منطقة إسلامية، أمريكا تستهدف كل دولة من أجل سرقة ثرواتها، طبعا اليوم تواجه صراعا أساسيا في منطقة الشرق الأوسط، ومن أشكال المقاومة الموجودة حاليا هو الاحتماء بالإسلام، اليوم الإسلام يقاوم . طبعا ارتبط هذا الصراع بين الغرب ومنطقة الشرق الأوسط بالإسلام، ولكن يجب أن نكون حذرين ودقيقين في رؤيتنا وتحليلنا. نحن مع الجبهة العالمية للبشرية التي تقاوم الهيمنة كيفما كانت. لقد كنا كحركة تحرر سابقا مع الفيتنام ومع الكومبودج، مع عدة دول غير إسلامية في دفاعها من أجل التحرر، كنا مع الهند وغيرها. نحن مع هذه الجبهة العريضة التي تناهض الهيمنة، والتي تحترمنا . وحتى نزيد من التوضيح والتدقيق، حتى لا نخلط الأمور نحب أن نبين أن الغرب هو غربان: فرنسا الآن، جزء كبير من شعبها مسلم قرابة خمسة ملايين مسلم من الحاملين للجنسية الفرنسية، هل نقول إن هؤلاء هم ضدنا؟ بالتأكيد لا، أنا أقول الغرب غربان، غرب الشعوب الذي يقول بالمساواة ويحترم جميع الأديان ويؤمن بحق الشعوب في العيش الكريم، ويحترم حق الإنسان، وهناك الغرب الاستعماري الهيمني الذي يجب أن نقاومه. ولا ننسى أن لنا أنصارا داخل الغرب فيجب ألا نكون منغلقين، ولا يجب أن نسهل مأمورية الخصوم لأنهم يريدون أن يصنفوننا في خانة العنصرية والتطرف ومعاداة الشعوب الأخرى. نحتاج أكثر من أي وقت مضى أن نوضح لكل الشعوب أن إسلامنا يدعو إلى احترام جميع الديانات وجميع الشعوب، ويحترم قواعد التعايش على أساس العدل والإنصاف. هذا هو الإسلام المفترض أن نخاطب به الغرب الذي يقف جزء كبير منه مع قضايانا العادلة. في نفس الإطار تطرح قضية تجديد الخطاب الديني، هناك من يرى أن دعوى تجديد هذا الخطاب هي استجابة لضغوط خارجية بقصد المواءمة مع متطلبات العولمة، وهناك من يرى أن الأمر إنما يندرج فقط في سياق مواجهة التطرف، ما هي رؤيتكم في هذا الموضوع؟ أنا أرى أننا مطالبون في كل الفترات بتجديد خطابنا وسياستنا كي تتلاءم مع مستجدات الوضع الدولي والمحلي والعربي والإسلامي، من الأكيد أننا مطالبون اليوم، أمام الهجمة التي تصور الإسلام بأنه هو مصدر الإرهاب وأنه قاعدة التطرف وأنه يقصي من لا يؤمن بآرائه، بتطوير خطابنا السياسي والديني على قاعدة أن الإسلام هو إسلام المساواة، وإسلام احترام الشعوب، وإسلام التعايش مع جميع الديانات والشعوب وفقا لمبادئ العدل والإنصاف . هذا هو التجديد الملح اليوم، ونحن مطالبون بنفس القدر بأن نبين بأن القيم الإسلامية لا تتناقض مع قيم حقوق الإنسان والديمقراطية. يطرح الدكتور الجابري مشروع الكتلة التاريخية لأنجاز التحول التاريخي المطلوب، وهو يرى ضمن هذا المشروع ضرورة توافق التيار الإسلامي والقومي الوطني والتيار الإشتراكي الديمقراطي، هل توافقون هذا المشروع؟ وهل يمكن أن يترجم إلى تعبير سياسي ؟ بكل وضوح، وحتى نعطي أمثلة حقيقية ولا نبقى في التجريد، في بلدنا المغرب، هناك تيارات حقيقية، هناك التيار الذي أسميه التيار الوطني اليبرالي الممثل في حزب الاستقلال، وهناك التيار الاشتراكي الديمقراطي وهو من صلب البيئة المغربية، وهناك التيار ذو المرجعية الإسلامية، أقول بأن هذه التيارت هي التيارات الثلاثة الأساسية داخل الشعب المغربي، وأعتبر في رأيي الشخصي أن التقدم قي المغرب، تقدم الحداثة وتقدم التنمية غير ممكن دون اتفاق هذه الأقطاب الثلاثة، ولي من الشواهد والأمثلة ما يبرر ما طرحته، ففي أمريكا اللاتينية لم تر فيها الديمقراطية النور إلا بعد أن تخلى التيار اليساري عن النهج الانقلابي وعن العنف، وبعد أن تخلت فيها الكنيسة اللاتينية عن مفهوم الحق الإلهي، وصارت تعتقد أن شؤون الناس يدبرها الناس بالديمقراطية. حين اتفق هذان التياران: اليساري والديني على قيم الديمقراطية استطعنا أن نشهد في أمريكا اللاتينية انعطافة تاريخية ، ودخلت شعوب أمريكا اللاتينية بهذا الاتفاق التاريخي إلى دائرة التقدم والحداثة. أنا مع الكتلة التاريخية، وأعتبر أن رأي الدكتور الجابري في هذا الاتجاه هو رأي وجيه، ويجب على كل المخلصين في هذا البلد أن يعملوا في هذا الاتجاه. ومن هنا يطرح موضوع التجديد، أنا لا أطرحه فقط على التيار ذي المرجعية الإسلامية، بل أطرحه أيضا على التيار العلماني، وألاحظ أن علينا أن نبذل جهدا للتوافق وليس للإقصاء، جهدا لتقريب وجهات النظر لا لتكريس التباعد الموجود، لأنه لا خيار لنا في المغرب إلا بناء قطب تاريخي، أو كتلة تاريخية تجمع بين التيارات الحقيقة، طبعا على قواعد مشتركة موحدة. ولا أخفيك أنا من التيار الاشتراكي الديمقراطي، وموضوع الإسلام والمرجعية الإسلامية هو أمر محسوم لا يناقش، وكل قياداتنا تؤمن بهذا، وتمارس شعائرها الدينية، لكن في مسألة البرنامج السياسي فإن لها رأي ، ومن حقها ذلك. وأؤكد مرة أخرى أنني مع خيار الكتلة التاريخية. الفاعل السياسي الإسلامي يتبنى نفس الشيء فهو ينطلق من المرجعية الإسلامية ومن القواعد الكلية لهذا الدين، ويؤمن أن قضايا تدبير الشأن العام والسياسة هي متروكة للاجتهاد البشري، إذن ما هو العائق لإنجاز هذا الاختيار التاريخي؟ هناك بين التيار الاشتراكي والتيار ذي المرجعية الإسلامية خلافات حول هذه الموضوعات بالتحديد، وأنتم تعرفون ذلك، هنالك من يدعو صراحة للقومة وللخلافة الإسلامية، ويرى في الديمقراطية أمرا دخيلا وليس اجتهادا إبداعيا بشريا... أنا لا أتحدث عن المكون الذي لا يعترف بالعمل من داخل المؤسسات الدستورية والنيابية، لنتحدث عن المكون والفاعل السياسي الإسلامي الموجود حاليا داخل المؤسسات، هل ترى من مشكلة معه بخصوص ما ذكرنا سالفا؟ أنا أرى لحد الآن بالنسبة للعدالة والتنمية أن هناك تقدما ملموسا. هذا أمر أسجله، هو تقدم موجود على صعيد الاتفاق على المشاركة السياسية، هذه مسألة في غاية الأهمية، أيضا هناك التطور الحاصل المتفق عليه حول مدونة الأسرة، فهذه في اعتقادي خطوة مهمة جدا، لأنه لا يتصور اتفاق على تحول ديمقراطي في المجتمع دون اتفاق على بناء ديمقراطي على مستوى الأسرة، واعتقد أن حزب العدالة والتنمية قد حقق تقدما في هذا المجال. لكن هناك أشياء لا زال أمامنا شوط للنقاش حولها والحوار بخصوصها، منها ما يتعلق بالبرنامج الاقتصادي والاجتماعي، ومنها ما يتعلق بالبرنامج السياسي. أنا أعتقد أن هناك نقاطا كثيرة يجب الحوار حولها. نحن نعيش في بلد تحكمه معطيات وتتحكم فيه اعتبارات وحيثيات، وعلينا أن نناقش ذلك بكل واقعية. أنا لا أتحدث بحديث ذهني مجرد، أنا ألفت الانتباه إلى التجربة التركية، وأستشرف تجربة حزب العدالة والتنمية هناك، فهذه التجربة جد مهمة، وعلينا في المغرب أن ندرسها ونستفيد منها. وتعقيبا على مسألة العدل والإحسان، أنا أرى بأن هذا المكون هو مكون شعبي، ولا يجوز لأي فاعل ديمقراطي أن يلغيه من الحساب. أنا أومن بالدفع بالتي هي أحسن مع كل الاتجاهات، ولا بد أن أقارع هذا المكون الذي يطرح القومة ويطرح إقامة الخلافة الإسلامية بالفكر والحجة والحوار، انا أقول : نحن نختلف مع هذا التيار في نقاط أساسية، لكن على الرغم من كونهم يتحركون خارج الحلبة، فتقدم الديمقراطية في المغرب رهين بتوافق كتلة واسعة من الشعب المغربي، وهم جزء من هذه الكتلة، وعلينا جميعا أن نبذل قصارى جهدنا لكي نصل إلى أرضية متفق حولها. هذا رأيي وهذه هي المقاربة التي أطرحها. ولكن هذه الرؤية المنفتحة التي تحاول أن تؤسس لأرضية تجمع التيارات الرئيسة لتحقيق التحول الديمقراطي تعرقل بوجود مشوشات تعرقل وتمنع هذا التقارب، كالتيارات اللادينية التي تحارب القيم وتستهدف الحركة الإسلامية ومنطلقاتها المرجعية والفكرية؟ إذا نظرنا إلى الأمر بكل واقعية، ألاحظ بكل بساطة أنه لا وجود نهائيا لتيار وازن في المغرب يحارب الدين. ينبغي ألا نخلق فقاعات لا وزن لها. ولا أحتاج أن أذكر أن من خصوصيات المغرب التي نحمد الله عليها أن عندنا إجماع على قضايا رئيسة، عندنا إجماع على الوحدة الترابية، وعلى الملكية، وعلى الإسلام باعتباره مكونا رئيسا وأساسيا للأمة، ولحد الساعة ليس لدينا تيارات شعبية وازنة تناهض الدين وتناهض القيم. لكن على مستوى التعبيرات الإعلامية هذا موجود؟ نعم موجود، لكنه غير مؤثر ولا وزن له. وكما تعلم فقوانين السياسة لا تعطي قيمة للأشياء التي لا قيمة لها. السياسة تعتبر الأشياء الحقيقية ذات الوزن والقيمة، نحن لا نواجه خصوما لا يزنون، فلدينا من المعارك ما يكفينا، فلماذا نخلق معارك أخرى مع خصم غير موجود أصلا، أو خصم غير وازن وغير مؤثر. ليس لدينا في المغرب تيار شعبي وازن يناهض الدين ويناهض القيم. نحن نحمد الله تعالى لأننا لسنا في بلد يخوض فيه الدينيون حربا على اللادينيين أو العكس، وليس لدينا صراع من داخل الدين بين الطوائف، وهذه إحدى مقومات الكيان المغربي، إضافة إلى ذلك، فلدينا في المغرب مذهب واحد، فلسنا كالعراق أو سوريا أو حتى لبنان. نحن لدينا مذهب واحد، ولدينا إمارة للمؤمنين وقع الإجماع عليها، فهذه مكتسبات ينبغي أن نتمسك بها. ينبغي أن نواجه القضايا الحقيقية التي نعيشها. لدينا مشكلة الصحراء، مشكلة التخلف، مشكلة التنمية الاقتصادية، مشكلة الجهل والأمية. هذه في اعتقادي هي القضايا الحقيقية التي ينبغي ان نشتغل عليها. لو طلب منكم أن تقدموا نقاطا ملحة ومستعجلة يتأسس عليها التوافق الذي طرحتموه بين الأقطاب الثلاثة الكبرى في المغرب، ما ذا تقترحون؟ أنا أطرح هذه النقاط بإيجاز: فكما تعلم نحن مقبلون على محطة 2007, وهي محطة أساسية في التحول الديمقراطي. عندنا قضايا أساسية ينبغي أن نصل بشأنها إلى توافق، لا أقول كامل، ولكنه على الأقل عام يتناول المحاور التالية: 1 التوافق حول المسألة الدستورية، فينبغي أن نصل إلى نظام لفصل السلط يعطي للحكومة دورا في قيادة العمل الاقتصادي والسياسي في البلاد، وأن نجعل للتناوب أساسا متينا. 2 إشكالية الجهة بالمغرب: ينبغي أن نطرح موضوع الجهوية للنقاش، ومنه ننضج رؤية توافقية بشأن الحكم الذاتي في الصحراء المغربية. 3 البرنامج : ينبغي أن نصل إلى توافق حول مضمون البرنامج الاقتصادي والاجتماعي، ويجب أن نعلم في هذا الموضوع أننا في المغرب نسير باقتصاد الندرة. فالمغرب ليس له الإمكانيات الاقتصادية كالجزائر وموريطانيا في المستقبل. نحن لا نتوفر على بترول، وليس لدينا غاز ولا معادن ذات قيمة. نحن نسير بلادا يحتوي على إمكانيات طبيعية عادية، ولكنه يحتاج إلى تطوير الإنسان، ويحتاج كي يكون هذا الإنسان هو محور التنمية وأساسها. انا اعتقد أن هذه الموضوعات ينبغي أن نصل بشأنها إلى توافق، وينبغي أن نتداول فيها بشأن كبير. يثار الآن موضوع التطرف والغلو، فبينما تعاني المنطقة العربية الإسلامية من هذه الموجة الخطيرة نجد النخبة بعيدة عن تمثل رؤية متوازنة للتعامل مع هذه الظاهرة، ما هي رؤيتكم في هذه القضية؟ أنا أعتبر أن المسؤول عن عسكرة بعض الاتجاهات الإسلامية في العالم الإسلامي هو الولاياتالمتحدةالأمريكية. وأذكر في هذا الباب بالصراع الذي كان موجودا، والذي قادته الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد الوجود السوفياتي في أفغانستان. لقد كانت المخابرات الأمريكية هي أول من انتبه إلى إمكانية تجنيد الإسلام وبعض التيارات الإسلامية لضرب الوجود السوفياتي بأفغانستان. وتعلمون أن المخابرات الأمريكية بتحالف مع السعودية ومصر والأردن والمغرب أقامت جبهة وشراكة بين هذه الأطراف. فمنهم من ساهم بالمال، ومنهم من أمد بالرجال، ومنهم من ساهم بالسلاح، ومنهم من دعم بالمعلومات. وهكذا صنعت جبهة في أفغانستان تحت يافطة الإسلام، وتم تدريب وتكوين العشرات بل الآلاف لضرب الاتحاد السوفياتي، وبعد خروج الاتحاد السوفياتي تكونت لنا وضعية جديدة، أردنا أم لم نرد، فقد تشكل واقع جديد، برزت فيه تيارات تكونت وتأطرت بفكر إسلامي جهادي متطرف، تدربت وامتلكت مهارات قتالية. وبين ليلة وضحاها أصبحت هذه التيارات مشردة في كل بقاع العالم الإسلامي، فكان من الطبيعي أن يتجه هذا البعبع الذي صنع إلى نحر وضرب الذين ساعدوه. ولهذا في اعتقادي، ليس مفاجئا أن تضرب أمريكا وأن تقع العمليات الإرهابية في كل من السعويدة ومصر والأردن والمغرب، وفي كل هذه البقاع بنيت الأنوية الأولى والبويضات الخصبة للإرهاب. فالإرهاب في اعتقادي هو نتاج لنظام العولمة المتحشة. أعتقد أن ردنا يجب أن يكون ردا تاريخيا، يجب أن تتحالف جميع التيارات ذات المرجعية الإسلامية الحقيقية المتنورة، أو ذات البعد الوطني أو ذات البعد الاشتراكي الديمقراطي دفاعا عن حقوق الشعوب بكيفية متحضرة وسلمية. عمليات 11 شتنبر، وتفجيرات 16ماي لم تخدم إلا أهداف المعسكر المضاد للشعوب العربية الإسلامية، والرد الطبيعي هو أن نقف مع شعوبنا، وأن نناضل من أجل تعميق الديمقراطية، فهذا سبيلنا لدحر خصومنا الحقيقيين، ولإقناع الأطراف الأخرى بأن طريقنا لمواجهة الإرهاب هو التوافق على الديمقراطية وضمان كرامة الشعوب، والدفاع عن حقوق الإنسان . لكن هناك أطراف كثيرة لا تهمها المصلحة الوطنية فاستغلت قضية التطرف والإرهاب لتصفية الحساب مع الفاعل السياسي الإسلامي، فاتهمته بتفريخ الإرهاب ودعمه وحملته المسؤولية المعنوية عن الأحداث؟ أنا أحيي بهذا الخصوص حزب العدالة والتنمية، وقد لاحظت بأن التيار الوحيد في المغرب الذي سجل موقفا ضد التهديدات الموجهة ضد جريدة الاتحاد الاشتراكي وضد قادة حزب الاتحاد الاشتراكي كان من الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية. أنا أعتبر أن هذا الموقف هو سلوك ينبغي أن يتكرر وأن يصبح هو القاعدة. وهو السبيل لإقناع الأطراف المتشككة وكل الأطراف التي لا زالت تتخيل بأن كل من يتبنى الإسلام فإنه إرهابي بالضرورة . يجب أن نبين أنه من داخل المرجعية الإسلامية، التيار المتنور هو التيار الغالب، وليس تيار الغلو والتطرف، وهذه هي الحقيقة. في ختام هذا الحوار ما هي ملاحظاتكم وانتقاداتكم على الفاعل السياسي الإسلامي وكذا سلوكه السياسي؟ الممارس السياسي ذو المرجعية الإسلامية يجب أن ينكب بكيفية كبيرة على معالجة القضايا الملموسة للمواطن. خلافنا ليس حول عطلة الجمعة أو بعض القضايا الجزئية، فهذه موضوعات غير ذات قيمة. أنا أسجل أن هذه التيارات هي تيارات شعبية منبثقة من عمق الشعب المغربي ، ولها حق الوجود، ويجب أن نتعامل معها كما نتعامل مع جميع الأحزاب، لكن لكي نتطور نحن ينبغي أن يكون الفارق بيننا هو من يكون أحسننا في خدمة المواطن، وليس التمييز على أساس من هو إسلامي ومن هو ليس كذلك. هذه هي أهم ملاحظاتي وانتقادتي.