لم يتأخر رد وزيرة الخارجية الإسبانية على دعوة البرلمان المغربي بإرجاع سبتة ومليلية المحتلتين حيث قالت " إن قضية سبتة ومليلية غير مدرجة في جدول أعمال الحكومة المغربية " ، مما يعني أن دعوة البرلمان المغربي لن تُؤخذ بعين الاعتبار لأنها جاءت كرد فعل على دعوة البرلمان الإسباني حكومة بلده الى تعزيز العلاقات مع البوليساريو وإدانته لأحداث العنف بالعيون. إذن ، لم ولن تقبل إسبانيا طرح قضية سبتة ومليلية حتى للنقاش. فهي تعتبر المدينتين إسبانيتين. وترفض مجرد إدراجهما في أي لقاء مع مسؤولين مغاربة وتعتبرهما خطاً أحمراً لا يجب الاقتراب منه كيفما كانت الظروف ، وسيبقى الوضع على ما هو عليه طالما أن ميزان القوة لصالح اسبانيا. فالكل يتذكر أن الصين لم تقم باسترداد هونغ كونغ ومكاو إلا عندما أصبحت قوة يحسب لها ألف حساب. أما المغرب فهو بلد متخلف الى أبعد الحدود ويعتمد اقتصاده في جانب كبير منه على المساعدات الأوروبية . بالتالي لن يجرؤ على فتح فمه في الموضوع إلا أمام طبيب الاسنان. فما أخذ بالقوة لا يُسترجع إلا بالقوة . بالتالي تبقى تلك الخرجات الصادرة سواء عن البرلمان أو "جمعيات المجتمع المدني" بالونات هواء لا تغير شيئاً في الوضع وميزان القوة القائمين. عندما تحركت بعض جمعيات المجتمع المدني بأمر من الدولة للاحتجاج على تعرض شباب مغاربة للضرب على يد قوات إسبانية ، لم تقم بذلك غيرة على مواطنيها الذين يُنكل بهم في كل مناطق العالم ، وإنما قامت بما قامت به لأغراض سياسية ، أي إحراج إسبانيا وإظهارها كدولة لا تحترم حقوق الانسان. كان الفعل سيكون مقبولاً لو كان المغرب بلداً يحرص بالفعل على حقوق مواطنيه ويحميها. لكن للأسف ما يتعرض له المواطن على يد السلطات المغربية لا يطيقه حتى الحمار. فالدولة لا تتردد في استعمال القمع ضد كل الاحتجاجات السلمية التي يلجأ اليها المواطنون في ظل غياب أحزاب ونقابات تمثلهم فعليا وتدافع عن حقوقهم. إن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها المواطن المغربي غير مسبوقة ومرت الى مراحل متقدمة وكأن المسؤولين في سباق مع الزمن لتحويل الشعب الى المغربي الى قطيع يسهل سوقه الى المسلخ بأخف الأضرار. فالحرب المعلنة في الخفاء على الصحافة المستقلة لم تتوقف وقائمة ضحاياها في تصاعد مستمر ، وأساليب النظام تتباين من توظيف القضاء الى تجفيف حنفيات التمويل بالتحكم في الإعلانات وبالتالي إما أن ترضخ للضغوطات وتغير خط تحريرها كما فعلت " المساء " أو أن يكون مصيرها الاغلاق أو غرامات خيالية وعقوبات سالبة للحرية. وبالتالي هل يوجد إعلام مستقل في المغرب ؟ وأكبر دليل على تدهور حرية التعبير في المغرب هو تدحرجه الى الرتبة 135 عالميا من أصل 178 دولة في آخر تقرير صادرعن منظمة مراسلين بلا حدود. ويكون رد النظام على هكذا التقرير بالتشكيك فيه. وهو أمر غير مفاجئ. لكن ألا يجدر بالمسؤوليين تبيان مكامن الخلل وتصليحها ؟ فاستمرار نفس السياسة الخاطئة يكلف البلد غالياً. فمن قبل، كان المغرب يُصنف على أنه نقطة الضوء الوحيدة في ظلمات العالم العربي كله. فجأة تغير كل شيء. وعليه لا يجب على النظام انتقاد التقارير التي تكشف عورة مهندسي السياسة المغربية. ولم يقتصر التدهور على المجال الحقوقي بل امتد ليشمل أيضاً القدرة الشرائية للمواطن التي تتآكل بوتيرة جنونية في ظل تواطؤ النظام مع أصحاب الرأسمال وغياب رقابة صارمة على الأسعار. فأسعار كل المواد الأساسية بلغت عنان السماء وإن تظاهرت على ذلك ، فإنك ستواجه بالقمع . الأحياء العشوائية تنبت كالفطر وغلاء السكن يجعل الحصول على سقف بعيد المنال. البطالة في صفوف حملة الشواهد العليا في تصاعد وتجري مواجهات يومية بين قوات القمع والمعطلين أمام البرلمان على مسمع ومرأى من النظام. هذا التدهور أفقد المغرب احترام الأمم المتقدمة خصوصا الغربية التي أصحبت لا تخف تعاطفها مع أطروحة جبهة البوليساريو . وخلال أحداث العيون ، أظهرت آلتها الدعائية نجاعة لافتة من خلال حشدها لجهات عديدة ودفعها الى تبني روايتها لأحداث العيون مدعومة في ذلك بالجزائر. بالفعل خرج الصحراويون في عواصم أوروبية في تظاهرات مساندة للبوليساريو، بينما لم يخرج إلا عدد قليل من المغاربة في الخارج دعماً للطرح المغربي . هذا يدل على ضعف عمل الأجهزة الدبلوماسية في الخارج وشعور السخط الذي ينتاب كل من مهاجر تجاه بلده لأنه هاجر مكرهاً ومضطراً لا بطلاً. في نفس السياق يحضرني خطأ ارتكبه موظف في سفارة المغرب في أبوظبي عندما تقدمت لتجديد جواز السفر. فالموظف ترجم كلمة " مترجم " ب tradictionnaire" " وعندما طلبت منه تصحيح ذلك رد علي بعجرفة : لا مشكل. انصرفت وقلت في نفسي " مضطر لتحملكم إلى غاية الحصول على جواز سفر أجنبي" فمع كثرة إساءة المسؤولين إلى البلد، أصبحت أستحي من إبراز جواز سفري في المطارات. والمسؤولية الكاملة يتحملها النظام باعتباره الآمر الناهي. وبسبب هذا الضعف وعدم كفاءة معظم الدبلوماسيين المغاربة، تجد الآلة الدبلوماسية والإعلامية الجزائرية المجال مفتوحا للترويج لأطروحة البوليساريو الانفصالية وتبرير موقفها العدائي هذا من المغرب بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. فماذا عن مصير منطقة القبايل والطوارق وماذا عن تدخل الجيش لإجهاض التجربة الديمقراطية الناجحة في مهدها عند فوز الجبهة الاسلامية للإنقاذ ؟ ولماذا هذا التراخي المغربي في الرد على استفزازاتها ؟ . معلوم أن الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر لا تكتف بدعم البوليساريو وإنما تضغط بكل قوتها على كثير من الدول من أجل دفعها الى عدم تبني المواقف المغربية. هذه الأفعال تعتبر بمثابة إعلان حرب على المغرب، لكن النظام لا يرد عليها مع الأسف بالقوة الكافية لردعها. مؤخرا انتقد مسؤولون جزائريون دعم فرنسا للمغرب خصوصا بعد تدخلها لمنع صدور قرار يسمح بإرسال لجنة أممية للتحقيق في أحداث العيون. بفضل هذا الدعم تجنب المغرب إخضاع ملف حقوق الانسان في منطقة الصحراء لاشراف أممي. قراءة بسيطة لما يجري تُظهر الصعوبات التي تواجه المغرب سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. والواضح أن هناك غياب أي استراتيجية لمواجهة أيام صعبة مقبلة. ويزيد الطين بلة استفحال الفساد واكتفاء النظام بسن قوانين وإنشاء أجهزة تقتطع ميزانيتها من قوت الشعب لا أقل ولا أكثر. مع العلم بأن المشكل في المغرب ليس في القانون وإنما في تطبيقه إضافة الى ضرورة جعل جهاز القضاء سلطة مستقلة تضطلع بمهام السهر على احترام القانون. يبقى ذلك حلما. كعادته لا يرد المغرب على الهجمات التي يتلقاها على المستوى الخارجي إلا بالخطب الرنانة وتنظيم مسيرات للتطبيل والتهليل بالأوراش الكبرى. بينما دار لقمان مازالت على حالها إن لم تكن انحدرت إلى أسفل سافلين. بينما يلجأ إلى القمع لإخراس الأصوات المعارضة لسياسته. في ظل هذه ظروف ، وانسداد أفق إيجاد حل سلمي لقضية الصحراء، يزداد التوتر بين المغرب والجزائر التي تعتبر طرفاً رئيسياً في الصراع ولا يمكن تصور أي حلول إلا بالمرور عبرها. صحيح أنها تردد صباح مساء أنها غير معنية بالصحراء رغم أنها تحولت إلى ناطق رسمي باسم الصحراويين وتشنيف أسماعنا بأسطوانته المشروخة حول حق الشعب الصحرواي في تقرير مصيره . فلماذا لا تهتم بمصير الشباب الجزائري الذي يركب قوارب الموت هروبا من بلده؟ ولماذا تسرق قوت الجزائري البسيط وتضيق عليه سبل العيش في الوقت الذي يضع قدمه على ثروات هائلة كفيلة بجعله ينعم بعيش رغيد ؟ فالرئيس الحالي بوتفليقة لم يتردد بمطالبة وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هونري كيسينجر بالتدخل في ملف الصحراء والكف عن دعم المغرب. بإيجاد مخرج مع الجزائر بكافة السبل بما فيه القوة ، ستحل قضية الصحراء بشرط أن يغير النظام من سياستها المتبعة ويعطي للصحراويين وأيضا المغاربة الآخرين كافة حقوقهم ويقطع مع سياسته السابقة التي أبانت عن فشلها منذ استرجاع الأقاليم الصحراوية . قبل الختم من المؤكد أن حرباً بين البلدين ستكون مدمرة لكنها قد تكون ضرورية لتحريك مياه قضية الصحراء. والأكيد أن شعبي البلدين لن يخسرا أكثر مما خسره منذ استقلال بلديهما. لكن قبل اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه يجب تصليح ما يجب تصليحه لأنه سيأتي وقت يسبق فيه السيف العذل ويكون أي فعل بعد ذلك بدون جدوى. [email protected]