لا تخفى على المسلمين اليوم ثمرات عمل الحركة الإسلامية المعاصرة، في كل أقطار المعمور و في جميع مناحي الحياة؛ التربوية منها والسياسية والفكرية والعلمية والاجتماعية وغيرها، فهي بفضل الله تعالى تشق طريقها في أداء رسالتها الخالدة: تجديد الإيمان في القلوب وإعادة بناء دولة الإنسان والقرآن، على خطى الهدي النبوي الراشدي. إلا أنه من الملاحظ في الواقع الإسلامي العربي-وكأية ظاهرة تربوية سلوكية فكرية- ظهور بعض الاختلالات الفكرية والسلوكية التي تنم أحيانا عن قصور في الفهم و أحيانا عن ضعف في التربية أو تقلص في الإرادة، حتى تسربلت هذه الإختلالات في مناهج ومذاهب لها أتباع وأسماع، مما قد يحدث تشويشا على مستقبل انتشار هذه الحركة المباركة وانتصارها واستمرارها في أداء وظيفتها الدعوية البنائية الشاملة. لذلك وجب على العلماء والقادة والطليعة أن ينتبهوا إلى تشخيص مختلِف الأدواء التي تعرقل العمل وتعطل النجاح وتحرف القصد، بُغية معالجتها قبل استفحالها... من طب الوحي وصيدلية النبوة. ومن بين هذه الأدواء المتربصة بتنظيمات الحركة الإسلامية على طول خارطة العالم الإسلامي العربي والتي تجعلها بعيدة عن روح المنهاج الرباني –المحجة البيضاء- الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه فيه السادة الخلفاء رضي الله عنهم أجمعين، ومن اهتدى بهديهم واقتدى بسلوكهم إلى يوم الدين. نذكر داء/آفة التكفير والتعنيف. يقع في هذا الآفة أُناسٌ امتلأوا رضا عن أنفسهم وغضبا على غيرهم واختاروا منهج التكفير والعنف والسرية كأساس تقعيدي للدعوة إلى الإسلام، حاديهم في هذا التصور حُلمهم بواقع طاهر شفاف يستجيب فيه جميع الناس طوعا وكرها لتعاليم الإسلام النقية دفعة واحدة، فالتمسوا لتبرير فهمهم المنحرف نصوصا منتقاة من القرآن والسنة وبعض كلام الذين سبقونا بزمان، وتعسفوا في تأويلها وتنزيلها على واقع الأمة اليوم بشكل تعليبي، لا يراعي ظروف الزمان والمكان والأحوال، حتى اعتبروا كل الناس -بما فيهم الدعاة والعلماء والأئمة والخطباء فضلا عن عامة المسلمين- كفارا تباح دماؤهم وأموالهم وأعراضهم، أو مبتدعة يجب هجرهم ولا تجوز مآكلتهم ولا مجالستهم ولا حتى الابتسام في وجوههم! وإذا قلت: لماذا هذا التهجم؟ أجابوك بغلظة: "لأن عقيدتهم فاسدة!". ولا يَسْلم من هذا النعت إلا من كان معهم ووالاهم واعتقد مثل ما يعتقدون، وروج سلعتهم واعتبر معهم أن إخراج الناس من الملَّة قُرْبةً إلى الله، وأظهر اجتهاده في اللمز والسب والطعن وتتبع العثرات. فهم وحدهم -في زعمهم- "الفرقة الناجية" و"الطائفة المنصورة"، و"أهل السنة والجماعة" لا دين إلا دينهم ولا عقيدة إلا مقولتهم (الفلسفية). بُغيتهم أن يعثروا على خطأ في حق أحد من المسلمين ولو كان شيخا يستعمل سبحة ليشهروا به بألسنة سليطة في العالمين، يكتبون كتابات ويتداولون خطابات سوداء لا تنم إلا عن الخراب الروحي والفكري الذي عطل العقل المسلم. إن أمثال هؤلاء "المُبدعاتيين" هم الذين يتسببون في إبعاد الناس عن العمل الإسلاميِّ كلِّية، كيف لا وهم يكفرون ساداتنا: حجة الإسلام الغزالي والإمام حسن البنا والشهيد سيد قطب والشيخعبد الحميد كشك والإمام الشعراوي وأبو الحسن الندوي و الشيخ محمد الغزالي و الدكتور يوسف القرضاوي والأستاذ المرشد عبد السلام ياسين والشيخ الشهيد أحمد ياسين و الدكتور سعيد رمضان البوطي والشيخ أحمد الكبيسي و الدكتور عمرو خالد والحبيب علي الجفري والدكتور عمر عبد الكافي ومحمد حسان و...؟ فبدلاً من أن توجَّه الجهود والإمكانات إلى خدمة قضايا الإسلام الكبرى بالرفق والرحمة والتعاون على البر والتقوى وجمع شمل الأمة التي تكالَبَ عليها الأعداء، وأخذِ أحسن القول وترك ما دون ذلك، تُكَرس في التكفير والتبديع والتشهير بل في تجويز القتل والتفجير! ويستعجل القوم أمرهم فلا يرونه إلا عنفا أعمى، والصواب غير ذلك. قال ابن عطاء الله السكندري: " ما تَرَكَ من الجهل شيء، من أراد أن يحدث في الوقت غير ما أظهره الله فيه."