أقوى المشاهد مدعاة للتسلية بالحارات الشعبية إندلاع فتونة أوتشابك بين جارتين فهي تكفي ومنذ شرارتها الأولى ليحتشد لها في رمشه عين طابور غفير للاستمتاع و التفرج على ردح مباشر بين الجانبين: يا الفاعلة يا التاركة ...وهيت وكيت من الشتم ، تصاحبه إشارات من الغريمتين تكون معبرة كضرب اللكمة وحكها حكا بالكف تعبيرا عن الأسف لضياع فرصة الاشتباك المباشر، وما إلى ذلك من لحس السبابة تم وشمها على الذقن تعبيرا أيضا عن الوعيد المستقبلي ريثما تحين الموقعة الحاسمة التي يكون مسرحها غالبا في حمام شعبي. وهذه الأيام يتابع القراء المغاربة بحسرة رحى حرب مشابهة لطوشة نساء الحارات الشعبية بين الصحف، حرب باردة وقودها القلم و الدواية وبنفس العتاد و الترسانة ، مع تعديل بسيط كون تبادل الردح و الشتم بين المعسكرين يدور هذه المرة في فضاء عمومي شاسع وبوسائل أخطرمن موسى الحلاقة أورشات الماء القاطع التي يستعملها البلطجيون لتصفية الحسابات. ورب ضارة نافعة حيت أن الصراع الدائر بين أقلام و جرائد بالمغرب كان وراء اكتشاف القراء لطوشة جديدة ليست أقل إمتاعا وتسلية من صراع الديكة بالصين الشعبية، وبأن البعض ممن إمتهن مهنة المتاعب بسبيل تحقيق المال يتوفرون على غريزة للصراع قد تفوق ما لدى الديكة من استعداد نفسي للانقضاض على بعضها البعض لحسم معاركها الطاحنة التي يتناثرتحت وقعها الريش ويكون فيها المخلب و المنقار سيدي الموقف . وبدل أن تكون الجرائد حاملة للوعي و الخبر ونبراسا لإشعاع الفكر والضمير،و بدل أن تنشغل افتتاحياتها بقضايا الشعب المصيرية فقد تحولت صفحاتها مع صراع الديكة الدائر إلى منصات لإطلاق صواريخ الردح و الشتم ،و أسلاك لنشرغسيل السطوح. مشاهد صراع مقروء لا تقل سخرية و حسب موقفي الشخصي من مشهد خناقة العاهرة عندما تبدأ في الردح و هزالخصروالأرداف، إلى أن كاد معه الشعار المرفوع يتحول إلى القذف مقدس والسب حر،والرجم بالسطول من باب الشهامة. و الحق يقال أن المسلي في صراع السخافة الذي وصل بفضائحه إلى القضاء مؤخرا، يكمن في كونه قد فتح بابا للتنفيس على القارئ المغربي وتحول لديه إلى قفشه من القفشات اليومية لإتارة الضحك و القهقهات في زمن عبوس تطبعه الرداءة والصراع الدائم للأقلام على اللعاقة. الظريف أيضا في مشاهد حفلات الردح اليومية أن كلتا الجريدتين الرداحتين لبعضهما البعض تتمترس دائما خلف الشرف قبل أن تشرع في سب زميلتها، وهذه و لعلمكم عادة ليست حصرية على الردح المتبادل في سماء الإعلام كما حدتني بذلك أستاذ متخصص في علم السلوك حيت وضع في علمي أن ظاهرة الادعاء و التمترس خلف الشرف تكون ملازمة وتسبق في الغالب خناقات وفتونة العاهرات. وهل يليق التباهي بشرف ضائع؟ الرسم الذي اتخذته عنوانا لمقالتي هو للكاريكاتيريست العربي الكبيرعلي فرزات.