مذكرات خاصة بموقع مرايا بريس الحلقة الثامنة بعد أن حلقت في سابع سماء الأحلام الوردية، وجدتني فجأة في غيابات جب عميق أصارع ظلمته وحيدة، تطاردني أشباح كل ذكرياتي المريرة.. حرقت كل روايات العشق السخيفة ومزقت وريقات الغزل العفيف التي كنت أتبتل بقراءتها كل ليلة.. هراء.. هراء.. حاولت لملمة شتاتي ونسيان سليمان وما فعله به، لكن قدري الممعن في الشقاء أبى إلا أن يشربني الكأس للنهاية.. سليمان لم يترك فقط جرحا غائرا في قلبي بل ترك نطفة في رحمي بدأت تنمو يوما بعد يوم، كسر رهيب يوشك أن يفجر أسوار الكتمان.. لا الملابس الفضفاضة ولا دوام الانحناء والتقوس كان كفيلا بدوام إخفاء بطني العامر عن أعين أمي.. آآآآآآآه..! شقت بأظافرها أربع ندوب على كل خد من خديها الذابلين، و سقطت المسكينة مغشيا عليها من هول الصدمة، ولما استفاقت ضربتني بجنون الأم المحبة، نتفت نصف شعري، لم تترك موضعا مني إلا وغرست فيه أسنانها غيظا وغبنا، وبكلتا يديها انهالت بالضرب على بطني، وعاء العار.. كنت أصرخ ألما وأستحثها "زيديني.. زيديني.." بعد هدأة ثورة الغضب، ضمتني لحضنها الهزيل وبكت بمرارة وضعف "لولية" فاقدة الحيلة، ثم بأناملها الحانية لملمت شعري المتطاير برفق وضمدت جروحا أحدثتها عضاتها.. آآآآآآه.. أيا ليت كل جروحي كتلك الجروح! لم يغمض لي و لها جفن تلك الليلة، وفي الصباح خرجت وإياها طلبا للقاء سليمان عله يقبل بتصليح ما يمكن إصلاحه وتجنيبنا عارا سيفاقم بؤسنا. تربصنا له قريبا من منزلهم واعترضنا طريقه وهو خارج، حاول تجاهلنا لكن أمي استوقفته وكلمته بلطف بالغ وطلبت منه أن يستر علينا ويجنبنا الفضيحة.. ثارت ثائرته وكال لنا أقدح أصناف السباب، وأنكر أي علاقة له بي وأن كل ما يعرفه عني أني صديقة أخته، وهددنا بإبلاغ الشرطة عنا إن نحن عاودنا الاتصال به.. عدنا أدراجنا والذل يعتصرنا.. تمنيت الموت حينها وأنا أرى أمي، هذه المرأة المحكومة بالشقاء الأبدي، يتملكها أسى وألم مميت.. قضيت ما تبقى من تسعة أشهر الحمل حبيسة أركان الغرفة حتى لا يكتشف جيراننا سليطو اللسان أمري، حتى حاجتي كنت أقضيها خلسة فالمرحاض مشترك.. أشهر مرت وكأنها سنون، لا أنعم فيها بضوء الشمس وأموت في اليوم ألف مرة وأنا أرى الدموع في عيني أمي وحيرة تجعلها صامتة كل الوقت.. أتاني المخاض ذات ليلة شتوية باردة، وما أخفيناه لشهور، فضحه صراخي من هول الألم لليلتين متتاليتين.. استنجدت أمي المفزوعة بالجارات علها تظفر بمولدة، الكل تنصل فلا أحد يريد الخوض في مشاكل هو في غنى عنها، فقد تموت شهرزاد الصغيرة بين أيدي من تولدها.. وحدها "الحاجة زهرة" من وافقت على المساعدة رغم محاولة ابنها ثنيها عن ذلك. دخلت بثوبها الأبيض وكأني بها ملاك، بدأت تهدئ من روعي وتخفف عني وتدعو الله أن "يفك لوحايل"، لكن الألم كان أشد من تحتمله صبية في سني.. بعد ساعات لفظ رحمي صبيا جميلا ملأت صرخاته أرجاء الغرفة.. أغمي علي بعدها، ولم أستفق إلا بعد بضع ساعات على صوت "الحاجة زهرة" وهي تطلب مني إرضاعه.. بكيت حينها بمرارة وأنا ألقم صغيري نهدا تلقفه بنهم، لكن انتابني ذلك الشعور الغريب بالأنس.. إنها الأمومة.. إنه الشعور الذي جعلني أنتفض في وجه أمي حين سمعتها تحادث الحاجة زهرة وتسألها إن كانت تعرف أحدا يرغب في تبني الطفل.. ربما أمي كانت أكثر مني إدراكا لعواقب الأمور، فنحن لم نكن نكاد نجد ما يسد رمقنا، وهذا الطفل سيزيد أعباءنا، ثم أمي كانت ترى أني صغيرة على تحمل مسؤولية طفل، وأنه سيكون عقبة كبرى في حياتي... لكني تمسكت به بإصرار.. لا أحد سيأخذ طفلي مني.. أسميته "المهدي" وهو الاسم الذي اخترته أنا وسليمان حين كنت غارقة في الوهم، ولا أدري ما الذي جعلني أسميه بذلك الاسم؟ ربما كان لدي بصيص أمل في أن يرق قلب سليمان لرؤية الطفل.. كان عمر "المهدي" شهر حين حملته بين ذراعاي وذهبت به لسليمان، وجدته بمقهى مجاور لبيتهم، لما رآني أحمل الصغير اكفهر وجهه و تقدم نحوي والشر يتطاير من عينيه، شدني من طرف ثوبي وجرني لزقاق آخر. لم يترك لي مجالا للكلام ولم يكلف نفسه عناء رؤية الطفل، بل صفعني صفعة اصطكت معها أسناني وهدد وتوعد ورحل.. منذ علمت أختي نجاة بأمر حملي خاصمتني و بدأت تطيل المقام ببيت مشغليها، حتى قاطعتنا بالمرة، كانت تلقي ببعض الدريهمات لأمي حين كانت تزورها، ثم تزوجت بجندي ورحلت معه للجنوب. بلغ منا العوز مداه فخرجت باحثة عن شغل.... وأدرك شهرزاد المساء... [email protected]