نخطئ كثيرا إذا تعاملنا مع معتقلي السلفية الجهادية مثلما نتعامل مع أي ممارسة غربية جائرة، مع البشر من غيرهم عامة، ومعنا-نحن معشر الإسلاميين بخاصة. فقد يضعه بعض قراء المظاهر في نطاق الموروث الدكتاتوري، بطبعه الاستعلائي المستكبر، منذ الإستقلال، عندما كان كل أبناء الوطن ضحية سياسات أمنية القائمون عليها برابرة، لا بأس في استئصالهم وإعدام ثلثهم، ولا مشكلة في إذلال من يبقى منهم على قيد الحياة. وصحيح أن سجل المغرب حافل بألوف الشواهد القاطعة، والبراهين الناصعة، على المسافة الشاسعة بين شعاراته وبين تنفيذها في أرض الواقع، فهي على امتداد القرون الثلاثة الأخيرة-الأشد هْولا وفظاعة-، أكثر من أن تُحصى، وأكبر من أن يجحدها مراقب منصف.غير أن لمعتقلي السلفية الجهادية"مكانة"متفردة، من حيث الحجم ومن حيث النوع ومن حيث الدلالة في محنتهم. فهذه هي أوضح ممارسة جماعية شاملة لمبدأ ازدراء الآخرين، وإلغاء حقوقهم الآدمية، بصورة علنية، تتجاوز التاريخ الإستعبادي للسياسات المتعاقبة ، فما بالنا إذا أخذنا في الاعتبار أن القائمين على الشأن الأمني كانوا يحتقرون "الأغيار" من قبل، في غياب ما أقامه من مؤسسات تتخذ من شعارات المساواة وحقوق الإنسان أكبر شعاراته زائفة، وأردأ تجارة بالمبادئ والقيم الإنسانية لدرجة أنهم جعلوا من المعتقلين حقل تجارب للأسف كلها فاشلة والدليل تعاقب أكثر من مسؤول أمني على هذا الملف وإقالة الكثير. وللمرة الأولى "يسجلون السبق" على مستوى القمع الوضيع في ظل حماية أمريكية شعارها النفاق السياسي في العالم الثالث، التي كانت-وما زالت-محل حماية فعلية من قبل القوى المتنفذة عالميا، وموضع نقد لفظي لا يسمن ولا يغني من جوع وخرجات خجولة. فلا الاعتقال يتم بإشراف قضائي، ولا التحقيق يجرى مع توفير أدنى حد من الحماية القانونية، لكي لا يؤخذ الأبيض والأسود معا، والأدلة سرية. ولا أساس لمدة الاحتجاز سوى مزاجية الاستخبارات، ناهيكم عن التعذيب الوحشي الجسدي والنفسي، وانتهاء بمتابعة الضغط حتى على الذين يتم الإفراج عنهم! ولو أن شخصا نسب ذلك إلى الدول "الديمقراطية" لهب المتغربون يشتمونه بأقذع الألفاظ.لكن القوم باتوا يجاهرون بما يفعلون ويصرحون به على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام كافة تحت ذريعة قانون مكافحة الإرهاب. وقد تبين من سوابق مؤكدة، أن الذين يخرجون من تجربة الإعتقال الرهيب، - باعتراف ملكي صريح وجريء وهيآت مدنية ومراجعة القضاء لكثير من الملفات بشكل ضمني أنهم أبرياء-. ولأن فضيحة اعتقالات ملف السلفية الجهادية بهذا الحجم من الفظاعة، فإن بعض العقلاء في الداخل والخارج، أخذوا ينتقدونه، ويطالبون بإغلاق الملف عبر آلية الحوار، حرصا منهم على تقليص الخسارة الكبرى التي تسبب بها عالميا للمغرب. نقول هذا ونحن نظن أن هذه الفضيحة لن يسترها حتى إقفالها للملف، ولن يطويها مرور الزمن، لكن إنهاءها يحد من استمرار آثار الكارثة. أما المنظمات غير الحكومية، فإنها ترفع صوتها بالاحتجاج بعد أن شاركت في الجريمة بالتواطؤ الصامت في السنتين الأولى مع الأحزاب التي ليس لها لا في العير ولا في النفير اللهم إلا الدجل السياسي والنفاق الوصولي للمصالح الشخصية. فهل يستيقظ عقلاء المغرب أم أن المكابرة سوف تستمر بعد رحيل الوجوه واستبدالها بأخرى عرفت بتطرفها المعلن وعدائها الصريح للمشروع الإسلامي؟