لا شكّ بأنّ بلدة كترمايا اللبنانية كانت مجهولة حتى لمعظم اللبنانيين قبل ذلك اليوم المشؤوم الذي حلّ بها ونقل صورة سيئة عنها طارت عبر القنوات الأرضية والفضائية، لتتنقل على ألسن مذيعات نشرات الأخبار ومقدمي البرامج اللبنانيين والمصريين والعرب، تبعث في بعضهم الصدمة وفي بعضهم الذهول ولدى آخرين النقمة. مضى ذلك ورأى المشاهدون وقراء الصحف ومستخدمو الإنترنت أكثر بكثير مما يفترض أن يروه في ظروف جريمة عادية. فكأنّ اللعنة التي حلّت على القرية الهادئة أبت إلاّ أن تخلّد حادثها المشؤوم انسجاما مع تكنولوجيا الكاميرات في الهواتف النقالة التي جعلت من شهودها أهل صحافة. تهيأ لي بعد الحادثة أن أجتمع بلبنانيين من مختلف الطوائف في ثلاثة أيام متلاحقة؛ الأول خلال مؤتمر صحفي لحملة "حقي" يوم الجمعة الفائت، والثاني يوم السبت خلال تظاهرة عيد العمال التي نظمها الحزب الشيوعي اللبناني من منطقة البربير إلى ساحة رياض الصلح، والثالث خلال تنقلي بين دوائر ساحل المتن الجنوبي تغطية للإنتخابات يوم الأحد. وكان لا بد لي خلال الأيام الثلاثة من الوقوف على رأي كثير من اللبنانيين بالحادثة وتدرّجت آراء المؤيدين من حق أهل البلدة بالإنتقام لمقتل العائلة بالتمثيل بالقاتل المصري، حتى التعاطف معهم. وفي المقابل رفض مثل هذا الإنفعال الشعبي وتحميل الأهل وقوى الأمن المسؤولية، وصولا إلى وصف أهل القرية بالهمج والمتوحشين والبرابرة. لا بل إنّ بعض من تحدثت إليهم خجلوا من كون مثل هؤلاء الأشخاص يشاركونه في الهوية اللبنانية. المؤكد أنّ الإنتماء الطائفي لأهل القرية -ومعظمهم من السنّة- لم يؤثّر في تغيير نظرة من تحدثت إليهم، من الأشخاص على اختلاف طوائفهم، إلى الحادثة، وأعتقد أنّ رأي شخصين شيعيين أقرّا بحق أهل القرية بالإنتقام كفيل بالردّ على ذلك. أصبحت القضية برمتها اليوم في عهدة القضاء مع أي حيثيات وأدلة طارئة على المستوى الميداني والسياسي بالإضافة إلى نسائم التهدئة الدبلوماسية بين بيروت والقاهرة. لكن في المقابل لا بدّ من التساؤل في بلد يشهد انتخابات بلدية طائفية، وفي بلد شهد موجات التفجيرات والإغتيالات والحروب المصغّرة منذ مقتل الحريري حتى انتخاب سليمان، وفي بلد شهد أكبر حركة تأجيج مذهبي وسياسي مترافقة مع ملايين الدولارات من قبل كافة الأطراف الإقليمية والدولية التي تأتي سوريا وإيران والسعودية ومصر والولايات المتحدة والصهاينة وفرنسا في مقدمتها. لا بدّ من التساؤل بغير براءة: ماذا لو كانت القرية شيعية تحديدا؟ هو تساؤل مشروع. يدخل في الطائفية! نعم يدخل ويضرب كلّ أوتارها ويخصّ الحسّاسة منها في المحيط العربي بين السنّة والشيعة بأقوى ضرباته. ماذا لو كانت تلك القرية شيعية؟ لن أجيب على ذلك لكنني أؤمن أشدّ الإيمان أنّ موقف مصر سيكون أقوى بكثير مما نرى. وأؤمن أشدّ الإيمان أن أصواتا كثيرة كانت ستخرج عن صمتها لا سيّما من السعودية. وأؤمن أشدّ الإيمان أنّ كلام مفتي جبل لبنان محمد علي الجوزو سيكون مختلفا عمّا قرأناه. عصام سحمراني [email protected] mailto:[email protected]