تخطئ الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل عندما تعتقد أن صواريخ سكود ستخل بموازين القوى بين المقاومة وبين العدو الإسرائيلي، وأن المقاومة ستشكل خطراً على أمن إسرائيل إذا امتلكت صواريخ سكود، أو أي صواريخ بالستية أخرى، وكأن المقاومة العربية، في لبنان وفلسطين، لم تكن تشكل خطراً على أمن الدولة العبرية، أو أن أهدافها لم تكن تحت مرمى نيران المقاومة، التي أصبحت تطالها في الشمال والجنوب والوسط كما القلب، وباتت تشكل خطراً حقيقياً على وجود الدولة العبرية، فالمقاومة قد أخلت بموازين القوى بينها وبين إسرائيل عندما آمنت بحقها، واستبسلت في الدفاع عن أرضها، ورفضت الخضوع لواقع الظلم الذي تفرضه القوة، عندها اختل ميزان القوى لصالح أصحاب الحق ضد الغاصبين والمحتلين، وأصبح الضعفاء أصحاب الأرض هم الأقوياء بحقهم، الأشداء بتمسكهم بثوابتهم، وأصبح المحتلون الغاصبون ضعفاء بباطلهم، فتسرب الخوف إلى نفوسهم، وسكن الجزع حنايا قلوبهم، وأصبحوا يرون كل صيحةٍ عليهم، وباتوا يخافون من كل شئ، ويحسبون أن نهايتهم باتت على أيدي أطفال المقاومة أقرب، فخافوا من الحجر، وارتعبوا من السكين، وأصبحت زجاجة الرضيع تخيفهم، وحلة الطعام ترعبهم، وبزة الرجال تستوقفهم، والمرأة الحامل تجبرهم على الفرار، وأصبحوا يرون في كل فلسطيني أو مقاوم موتاً يلاحقهم، ومصيراً أسوداً قاتماً ينتظرهم، هنا تحقق الاختلال في موازين القوى لصالح المقاومة، التي أصبحت أقوى بكثيرٍ من العدو، وأكثر ثباتاً على مواقفها منه، وبات المعتقلون أقوى من سجانيهم، والمعذبون أصلب من جلاديهم. فالمقاومة أصبحت تهدد أمن الدولة العبرية قبل أن تمتلك وسائل قتالية عالية، وقبل أن تتمكن من امتلاك أو تصنيع صواريخ أو قذائف حربية شديدة التأثير، وعندما لم يكن في يدها سلاحاً سوى الحجر والمدية والسكين، التي كان يقاتل بها الأطفال والرجال والنساء، فيلاحقون بما يحملون في قبضات أيديهم الجنود المدججين بالسلاح في عرباتهم، والجيش في دباباته، فكانت المقاومة حينها تهدد أمن إسرائيل، وتخيف قادته وجنوده، وتبث الرعب بين مستوطنيه وسكانه، وعندما امتلكت المقاومة البندقية والقنبلة، أصرت أكثر على تهديد أمن إسرائيل، وستبقى المقاومة تسعى لامتلاك كل أنواع السلاح لتنال حقها، وتستعيد أرضها، وتطهر ترابها من دنس المحتلين، وتحرر أسراها من قيد وسجن العدو، فهذا حقٌ طبيعي لكل الشعوب التي أحتلت أرضها، وأعتقل أبناؤها، فمن حق الشعوب المقهورة أن تناضل، وأن تقاتل عدوها، وألا تستسلم له، وألا تخضع لواقع القوة، بل تستبسل لتنال حقوقها، وتحقق أهدافها، وتكاد تجمع كل الشرائع الدولية، ومواثيق الأممالمتحدة، على حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، وفي استخدام كل الوسائل المشروعة في قتاله. موازين القوى لا تختل فقط بامتلاك سلاح، أو بالحصول على تقنية قتالية عالية، أو معلوماتٍ أمنية خطيرة، إنما تختل موازين القوى عندما يؤمن أصحاب الحق بحقهم، ويتمسكون بثوابتهم، ويستعدون للتضحية بأرواحهم وما يملكون دفاعاً عن أرضهم ووطنهم، ويرفضون التنازل عن حقوقهم، أو التفريط بأرضهم، ولا يقدمون للعدو تنازلاً عن حق عودتهم، واستعادة أرضهم، وتختل موازين القوى عندما تصبح نصرة المقاومين واجبة، وتزويدهم بالسلاح مروءة، ونجدتهم نخوة، وعندما يتنافس العرب والمسلمون في إمداد المقاومة بالسلاح والمال، ولا يخافون من تهمة نصرتهم، ولا يبالون بتهديد من يترصد بهم، ويتآمر عليهم. تختل موازين القوى عندما يصبح الشعب كله مقاوماً، وعندما تتحول الأمة كلها إلى جنودٍ مقاتلين، وتصبح القضية الفلسطينية، والأرض العربية المحتلة، قضية كل العرب وكل المسلمين، وعندما تصبح نصرة المقاومين واجباً على كل عربيٍ وعلى كل مسلم، وتختل موازين القوى عندما تصبح إسرائيل هي العدو، وتصبح أهدافه في كل مكان معرضة للاستهداف، وهدفاً لكل المقاومين، وعندما يبدأ العالم الحر بالتخلي عنها، والتنصل من جرائمها، والتوقف عن دعمها، والامتناع عن تزويدها بالسلاح والمال، وعندما تبدأ دول العالم بالبحث عن مصالحها، والحرص على أهدافها، وتختل موازين القوى عندما يصبح النصر على العدو يقين، والعودة إلى الوطن مؤكدة، واستعادة الحقوق وعدٌ إلهي سيتحقق، وعندما تهب الأمة كلها للدفاع عن القدس، والذود عن الأقصى، وحماية المقدسات، وعندما يصبح الاعتداء على القدس وكأنه اعتداءٌ على الأمة كلها. ونستغرب كيف تستصرخ إسرائيل العالم على لسان رئيس كيانها ورئيس حكومتها ووزير حربها، وغيرهم من كبار قادتها، وتتهم العرب بأنهم يؤازرون بعضهم، وأنهم يقفون إلى جانب قضيتهم، ويساندون أهلهم، وأنهم يحزنون لما يصيب أهل فلسطين ولبنان من الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة، وتتهمهم بأنهم يتعاطفون مع المقاومة، ويتاثرون بمعاناة أبناء أمتهم، وتطالب المجتمع الدولي أن يضغط على العرب والمسلمين، لئلا يتعاطفوا مع بعضهم البعض، وألا يساندوا أهلهم، وألا يقفوا إلى جانبهم، وتدعوهم لموت ضمائرهم، وتيبس قلوبهم، وجفاف الدمع في مآقي عيونيهم، كما يستنكرون قيام العرب بمساندة إخوانهم بالسلاح أو بالمال، أو بأي شئ آخر، وفي الوقت نفسه تقوم الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول أوروبا بالوقوف إلى جانب إسرائيل، والتعاطف معهم، وإمدادهم بمختلف أنواع الأسلحة، وبأحدث الطائرات، وأحدث الغواصات، وتمكنها من امتلاك وتجريب أحدث أنواع الأسلحة، وتشركها في مناوراتها العسكرية، ومؤتمراتها العلمية، وتقدم لها كل عونٍ ومساعدة، ويقوم كل قادتها عند كل زيارة إلى تل أبيب، باعتمار القلنسوة اليهودية، وزيارة نصب المحرقة" ياد فاشيم"، وتقديم الاعتذار لهم أمامه، وإعلان الندامة على ما ارتكبت القوات النازية بحق يهود أوروبا، وتبدي استعدادها للتكفير عن جرائم النازية بحقهم، فتقدم لها المال والسلاح والتقنية العالية، والمعلومات الأمنية الحساسة، وتسخر نفسها وقدراتها لحماية أمن ومستقبل الكيان، ثم يستغرب قادة الكيان الصهيوني، أن يقوم العرب والمسلمون بالتعاطف مع أنفسهم وأهلهم، وأن يكون لديهم الحرص على نصرة أهلهم، وتمكينه بكل وسائل القوة ليستعيد حقه، ويعود إلى أرضه، ويصرخون بأن وقوف العرب مع أنفسهم سيغير موازين القوى في المنطقة، وكأن إسرائيل تريد من العرب أن يبقوا ضعافاً على مدى الزمن، وترفض أن يستعيدوا قوتهم، وأن ينهضوا من جديد، وينسوا أن هذا هو حلم كل أمة، وطموح كل شعب، وهدف كل أمةٍ ودولة، فمن حقنا أن نستعيد ماضينا، وأن نمتلك القوة، كل القوة، كما قال ربنا عز وجل في محكم كتابه" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ورباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم". إسرائيل تدرك أن موازين القوى مع المقاومة قد تغيرت، وأنها لم تعد تواجه مقاومة سهلة، ولا تخوض غمار معارك بسيطة، ولا تتحرك في أرضٍ رخوة، وإنما أصبحت تواجه مقاومة عنيدة، ورجالٍ أشداء، يمتلكون عقيدة قتالٍ مختلفة، وإرادة مواجهةٍ صلبة، وإيمانٍ بحقهم لا يلين، ويدركون أن هزيمة العدو ممكنة، والانتصار عليه ليس مستحيلاً، وأن مواجهته سهلة، فأصبح رجال المقاومة لا يدخرون جهداً في الحصول على أي سلاح، وامتلاك أي قدراتٍ قتالية، وهي لن تلتفت إلى الاعتراضات الدولية، ولا إلى الرأي العام الدولي، إذ ماذا صنعت لها الدول الكبرى، وهل أثر الرأي العام الدولي على إسرائيل، ومنعها من ارتكاب المزيد من الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، وهل تمكنت الولاياتالمتحدةالأمريكية من لجم إسرائيل، وإجبارها على وقف عمليات الاستيطان ومصادرة الأراضي العربية، ولهذا وحتى يستعيد الفلسطينيون والعرب حقوقهم، ويعودوا إلى أرضهم وطنهم، فلن توقف المقاومة كل محاولات امتلاك القوة، ووسائل القتال العالية، ولن يتوقف العرب والمسلمون عن نصرة بعضهم، والدفاع عن حقوقهم ومقدساتهم، ولكن السلاح والقوة ليسا فقط هما اللذان يهددان أمن إسرائيل، ويفقدانها التميز والتفوق والقوة، فالمخازن العربية ملأى بمختلف أنواع الصواريخ، وترسانتها تعج بالطائرات المقاتلة، ولكنها لم تستطع أن ترهب إسرائيل، أو تحدث توازناً استراتيجياً معها، فضلاً عن أن تخل بالتوازن العسكري، وإنما الذي يخل بموازين القوى، هو اليقين والعزم والمضاء، والإرادة الصادقة، والإيمان المطلق، التي أصبح المقاومة تمتلكها وتتحلى بها، فهي التي ستخل بموازين القوى، وستجعل من ضعف الفلسطينيين والعرب، قوةً جبارة، وإرادةً على المقاومة لن تتمكن إسرائيل ومن ساندها على هزيمتها.