جميل حمداوي، عزيز العرباوي، محمد سعيد الريحاني... وآخرون كتاب جدد من صنف الظاهرة الجديدة للذين يستفيدون من امتداد واتساع منابر النشر وتنوعها للنشر والانتشار.. لكننا نريد أن نرصد هنا كيف تغرق حركة النشر الالكتروني والورقي بعض الكتاب في دوامة النشر وهذيان الانتشار، فيصير معه الكاتب غير ذي لون ولا طعم، كما يصير معه الكاتب كائنا منتشرا في المواقع والجرائد والمجلات على اختلاف مستوياتها واختصاصاتها واهتماماتها وعلى تناقضها أحيانا... إننا أمام ظاهرة الكتاب الذي يريدون الكتابة في أي مكان وفي كل شيء... فجميل حمداوي كاتب مكثر، يكتب في النقد الأدبي من شعر ورواية وقصة، ويكتب في المسرح والسينما، ويكتب في الدين والفقه، ويكتب في الشأن المحلي للريف، ويكتب في السياسة والأمازيغية، كما يناقش قضايا التربية والتعليم، ونظريات الكفايات والجودة والمخطط ألاستعجالي.. وتجده في هذا الموقع وذلك، وهذه المجلة المغربية وتلك القادمة من المشرق العربي... محمد سعيد الريحاني هو أيضا كاتب مكثر ومنتشر كثيرا أيضا في المنابر والمواقع، وهو أيضا يكتب المقالة والقصة ويترجم، ويكتب في الفكر والسياسة، ويكتب عن المشاكل النقابية للتعليم ويراسل وزير التعليم في رسائل مفتوحة، ويعتمد مشروع الحاءات الثلاث في القصة المغربية الجديدة ويشرف على موقع ريحانيات الذي يسعه لوحده.. كما يعطي حوارات ويجري أخرى مع كتاب ومبدعين آخرين... جميل عرباوي كاتب مغربي أقل إنتاجا من الإثنين الآخرين، لكنه ينافسهما أيضا في النشر والانتشار، فتجده في هذه الجريدة وتلك، وفي هذا المنبر وذاك، تجده كاتبا في خانة الإبداع، ثم تجده في صفحة الرأي مناقشا السياسة والمجتمع، وتجده في صفحة التربية والتعليم يتعرض لموضوع تربوي تعليمي مغربي .. تجده شاعرا فقاصا فمفكرا فمدرسا... لعلنا ذكرنا الثلاثة لندلل على نماذج وطاقات كتابية تستنزف ذاتها من حيث بحثها السريع عن مكان في الساحة الثقافية والفكرية والإبداعية، فتجدها تائهة بين هذا المجال وآخر... تنتهي هذه الأسماء معروفة لكنها دون هوية في الكتابة ودون طابع خاص يميزها... فلن تستطيع ان تعطي لجميل حمداوي أي صفة غير كاتب (في أي مجال؟ في جل المجالات) وكذلك محمد سعيد الريحاني الذي يقدم نفسه أيضا بطريقة عمومية أيضا (الكاتب والباحث والمترجم) لغياب سمة تميزه في ساحة الكتابة .. عزيز العرباوي يحذو حذو الاثنين من حيث بحثه عن تشتيت هويته في الكتابة بالرقص على أكثر من حبل... إن للكتاب الجدد من صنف المنتشرين رهان نحت أسمائهم في مجال معين يتفرغون له، ويطورون ذاتهم داخلهم، حتى لا يكونوا كدون كيشوت في محاولة محاربة طواحين المنابر الافتراضية والورقية الجبارة التي لا يشادها أحد إلا غلبته، ولا يحاول مجاراتها كاتب إلا جرفته في متاهة التشعيبات والامتدادات التي تفقد الكائن هويته كما تذيب العولمة خصوصيات الأمم والشعوب... إن غاية النشر ربما تكمن في بصم الجمهور بفكرة وسمة خاصة، أما جعل النشر وسيلة انتشار.. والخلط بينهما .. فقد تكون نتيجته الانتشار.. أي التلاشي في سماء كون الانترنيت الفسيح دون أن يبقى للكاتب أثر يذكر.. فيصير المرء هباء منبثا... يقول أهل الإعلام الإفراط في الخبر يقتل الخبر... ربما يصدق القول على الكتابة : الإفراط في الكتابة تقتل الكاتب... أيها الباحثون عن الانتشار... أيها المنتشرون.. احذروا النشر للانتشار .. فسيفه دون حدين... وبريقه إلى زوال.. وأوهامه هباء ... [email protected]