تمهيد الدين في معناه العام عبارة عن مجموعة من المعتقدات التي تتعلق بسببية وطبيعة الكون إضافة إلى مصيره، هذا مع تقييده بعوامل تحكمية ميتافيزيقية يرتبط بها الإنسان -المؤمن- من خلال إلتزاماته لها أخلاقياً و سلوكياً. و الدين لا يخلو من الناحية التطبيقية -التي تهمنا ههنا- من أشياء تعد من المسلمات التي بعضها له أصل إستدلالي مادي - كتحريم الخمر مثلاً لثبوت ضرره-، وبعضها الآخر له أصل إستدلالي معنوي بحيث مع ثبوت حُجية المُورِد يكون ما ورد عنه من المسلمات -كالمعمودية أو طقس الإغتسال لدخول المسيحية مثلاً - . و الهدف مما تقدم هو إثبات وجود المسلمات ذات الأصل المعنوي في الدين التي تعد هي الثغرة التي منها يدخل تجار الأديان ليلعبوا بعقول الناس وأموالهم. في هذا المقال سوف أوجز مثالاً نرى من خلاله أناساً أصبحوا تجاراً في الولاياتالمتحدة من خلال مادة إستهلاكية هي المسيحية الإنجيلية. وللإشارة فإن المسيحية الإنجيلية هي حركة دينية بروتستانية تركز على المعنى الحرفي للكتاب المقدس و تقابلها في الإسلام الحركة السلفية التي بدورها تركز على المعنى الحرفي للقرآن الكريم. الثنائي بيلي غراهام و بات روبرتسن لولا الإستثمار في مادة المسيحية الإنجيلية لما صار القسبيلي جراهام (Billy Graham) و القس بات روبرتسون (Pat Robertson) من أغنياء العالم. و من الطبيعي التساؤل عن كيفية إمكان الإستثمار في الدينو جعله كمادة إستثمارية تجنى من خلالها أرباح مليونية. هل هي مسألة انخراط المتطوعين في الكنيسة برسم سنوي أم الأمر يتعدى ذلك ؟ لقد قدم الدكتور ليوبول لوزون (Léo Paul Lauzon) الخبير في الدراسات الإقتصادية والإجتماعية بجامعة كيبيك في مونتريال UQAM تقسيماً يشرح منابع الدخل لمنظمتي رجلي الدين المذكورين آنفاً على الشكل الخدماتي التالي : أولاً: خدمات إستشارية للأزواج ثانياً: خدمات إستشارية للنمو والإرتقاء الفردي ثالثاً: تربيةالأطفال رابعاً: معالجة الجريمة والإجهاض خامساً: المساعدة في الإمتناع عن الجنس قبل الزواج سادساً: معالجة الأمراض العقلية ويذكر الدكتور لوزونأن الذين يشرفون على تسويق هذه الخدمات همكوادر من خريجي الدراسات العليا فيإدارة الأعمال ومنهم منترك وظائف بنكية مرموقة للإنظمام إلى شركات دينية كالشبكة المسيحية للإذاعة والتلفزة وجامعة رجين الخاصة التابعين للقس روبرتسون مثلاً . و النشاط الإقتصادي لهذه الشركاتالكنيسيةمتنوع. فأعضاء الكنيسة يتبرعونبإستمرار لمؤسساتها. فإذا كان المؤمنون المنخرطون كما ذكر الدكتور لوزون في أقل تقديرستين مليون أمريكي، فهذا وحده يكفي لشرح المكاسب لدى مؤسسات الكنيسة المذكورة. ناهيك عن المداخيل التي تجنى من العمل التلفزي الإشهاري و بيع الكتب والمطبوعات و الأقراص المدمجة وغيره الكثير. فليس بغريب إذاً أننسمع بأن منظمةبيلي جراهام وحدها إستطاعت معانقة ما يبلغ 22 مليون دولار في السبعينيات! و ليس بغريب أيضاً وصول القس بات روبرتسون غنًى يجعله يتدخل في شؤون الدول كمساندته لشارلس تايلور المعروف بكونه أحد أمراء الحرب في ليبيريا. ذلك بحسب ما اوردته جريدة واشنطن بوست عن إستثمار كنيسة المذكور ثمانية ملايين في منجم ذهب تابع لمجرم الحرب الدولي شارلس تايلور. و تبقى مسألة لا بد من توضيحها، ألا وهي تفسير الخدمات المجانية لدى الكنيسة. هنا أقول بحكم القرب من المشهد و بموجب متطلبات البحث الدراسي أنه نعم توجد خدمات مجانية لدى الكنيسة. ولكن المهم هو كونها لا يقدمها الكوادر و لا تثقل كاهل الشركة الدينية التي هي الكنيسة ومؤسساتها؛ وذلك لأن البرامج المجانية تمول نفسها من خلال المتطوعين الذي يضيفون إلى تبرعهم المادي تبرعاً عينياً أو ما أشبه. وكمثال، قد تجد أستاذاً من المؤمنين يساعد الناس على التعلم في الكنيسة ولكن الجامعة التابعة للكنيسة يجب أن تدفع للدراسة فيها أكثر من باقي الجامعات. تقرير مجلة نيوزويك يعد تقرير مجلة نيوزوييك الصادر في 23 ماي 2005 مرجعاً مهماً لكشف مصادر التمويل الهائل للشركات المتاجرة في الدين المسيحي. فبعض الشركات العملاقة تستعمل المؤسسات الدينية للترويج لمنتوجاتها عبر الأدبيات الدينية. و كمثال على ذلك تجد شركات صنع الأسلحة الخفيفة تدفع الأموال في مقابل حث المؤسسات الدينية المسيحية للمؤمنين على حمل السلاح للدفاع عن النفس و ردع الإعتداء مخالفةً لقيم التسامح المسيحية المعروفة بسلبيتها في موضوع رد الإعتداء. هذا بغض النظر إلى قضية الحرب العادلة المشروعة لأن الموضوع موضوع مسيحيين كمواطنين داخل دولة قانون. كما أن الشركات المتاجرة في الدين على شكل مؤسسات كنيسية تتلقى دعماً كبيراً من الحكومة الأمريكية على شكل امتيازات ضريبية كان من المفروض أن تشمل مؤسسات خيرية خالصة وليس شركات تعمل في الحقل الإعلامي و الخدماتي تحت غطاء الدين. و الحكومة الأمريكية بدورها ليست تجهل الطبيعة الإستثمارية للمؤسسات الدينية، ولكنها تستفيد من مكنتها الإعلامية و قيمتها الدينية لتروج لبرامجها سواء كانت في الدعاية لتقليص الخدمات الإجتماعية من جهة أو في الدعاية لعدوان خارجي كما حصل في الحرب على العراق من جهة اخرى. وبين هذا وذاك يبقى المواطن المؤمن وغير المؤمن هو الخاسر من هذه الصفقات. من خلال ما تقدم يمكن القول بأن الدين ومن خلال مساحة المسلمات يمكن أن يسقط رهينة للمستثمرين و يصبح رأسمال تدار به شركات عالمية. وهذا يجعل الفرد يضع علامات إستفهام على حركات دينية في الإسلام كالحركة الوهابية التي أذهلت المتأملين في سر علاقتها بالنظام الرسمي في السعودية وبريطانيا ! وكذلك حركة طالبان وعلاقتها بالدول الرأسمالية في زمن الثنائية القطبية! بل حتى إذا تسائلنا عن مصادر تمويل شخصيات إسلامية مثل الداعية عمرو خالد فالتساؤل يكون جداً مشروعاً. و الأجوبة على كل هذا لا شك أنها تصب في مصلحة المؤمنين. * باحث مغربي في العلوم الدينية والسياسية [email protected] mailto:[email protected] _______________ المصادر Lauzon Léo Paul. L'outrageante business de la religion aux States, Journal Métro, Ed MTL, Jeudi 1er Avril 2010 Frum, David (2000). How We Got Here: The 70s. New York, New York: Basic Books. pp. 33–34. ISBN 0465041957 Robertson Defends Liberias President, Alan Cooperman, The Washington Post, July 10, 2003 Evangelical America. Big Business Explosion Politics. News Week 23 May 2005