هل تنجح إيران في بناء دولة إسلامية قوية وهي مهددة وعلاقاتها سيئة ومتوترة مع أهم وأكبر دولة في العالم؟ وهل يمكن لإيران أن تكون جزءا من المجتمع الدولي من دون القبول بشروط هذا المجتمع؟ وما هي قدرة النظام الحالي في إيران على البقاء والاستمرار في ظل تقاطع الضغوط الخارجية والانقسامات الداخلية بالإضافة إلى الصعوبات الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية التي يعيشها الإيرانيون؟ وأخيرا وليس آخرا بالرغم من أن صدر الكتاب، ضيف هذا العرض، جاء قبل الأزمة الخطيرة التي طالت إيران بعيد الانتخابات الرئاسية العام الماضي هل تفسر بعض المعالم المأزقية لنظام الملالي، كما جاءت في الكتاب، بعض أسباب تلك الأزمة التي كرست تسلط النظام ولاية الفقيه، وعجّلت بطرح سؤال نهاية "الدولة الدينية الشيعية" في منطقة الشرق الأوسط؟ جاءت الردود على هذه الاستفسارات في كتاب "إيران.. الجمهورية الصعبة، التحولات الداخلية والسياسات الإقليمية"، وألفه الباحث اللبناني طلال عتريسي، وصدر الكتاب عن دار الساقي اللندنية، والباحث للتذكير، أحد المقربين من المسؤولين وصناع القرار في طهران، ويُحرّر في الدراسات "المتخصصة" في الشؤون الإيرانية، تأسيسا طبعا على شعار "تجميل صورة نظام الملالي"، وهو أيضا،أستاذ علم الاجتماع التربوي وعلم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية، وحاصل على الدكتوراه في الاجتماع من جامعة السوربون بباريس، مدير معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، ومن باب تحصيل حاصل، يبقى من المطلعين والمتخصصين في الشأن الإيراني، كما صدرت له الكثير من الكتب والدراسات والمقالات، ونقرأ ضمن لائحة مؤلفاته "البعثات اليسوعية ومهمة إعداد النخبة السياسية في لبنان"، "الحركات الإسلامية في مواجهة التسوية" (مع آخرين)، "دولة بلا رجال: جدل السيادة والإصلاح في الشرق الأوسط". جاء الكتاب في 272 صفحة من الحجم الكبير، وموزعا على ثمانية فصول تضمنت العناوين الآتية: النموذج الإسلامي، صعود الإصلاحيين، إيران وأمريكا نافذة الفرص، القائد والرئيس، إيران بعيني العرب (ويضم العناوين الفرعية التالية،: إيران في الكتب المدرسية العراقية والسورية والمصرية والمغربية والسعودية)، سقوط كابول، التخلص من طالبان موت الإصلاحات، وبعد سقوط بغداد. بداية، يجب التذكير إلى أن الكتاب يعج بخطاب الطمأنة، والأقرب إلى الدعاية لصالح النظام الإيراني، مقارنة مع مواقف ومصالح باقي دول منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، ولا تنقص الأمثلة على ذلك، والتي تبرز على صعيد آخر، حيرة المؤلف بين الاجتهاد في تمرير خطاب "موضوعي"، وخطاب دعائي. فتارة يشير عتريسي إلى أن بيئة إيران الإقليمية لا تبحث عن المواجهة مع الولاياتالمتحدة، ولا تريد سوى عودة السيادة إلى العراق، وفق برنامج محدد، وإجراء الانتخابات ووحدة العراق. وتارة يشير في موقع آخر، إلى أن إيران، ستستمر بالعمل على ألا يشعر الأمريكي بالاطمئنان في الساحة العراقية، أو بأنه اللاعب الوحيد فيها، وبالكلفة الباهظة لاستمرار وجوده فيها، حتى لا يعتقد بسهولة تكرار التجربة في أي مكان آخر مجاور للعراق، بعدما بينت تلك الحرب، كما يقول بريجنسكي "مدى خسارة الولاياتالمتحدة لصدقيتها ومدى عزلتها على الساحة الدولية". (ص 269)، وبكلمة، فقد استطاع الكاتب أن يقدم للقارئ قراءة تحليلية بانورامية، ولكنها خالية من التفكيك والنقد، فالرجل كما أسلفنا، من الكتاب العرب الذي يروجون لتلك الصورة الوردية عن نظام دولة دينية، تستعمر جزرا إماراتية، وتمول تيارات شيعية في الخليج العربي، وتسهر على تمرير مشروع "تصدير التشيع العقدي والسياسي" في مجمل الدول العربية، ومتورطة في تهديد السلم المجتمعي في لبنان، مسقط رأس الكاتب.. للمفارقة. يعتبر الكاتب أن إيران بعد الثورة أصبحت موضع ترقب واهتمام الشعوب العربية والإسلامية والحكومات في دول العالم كافة، وذلك بسبب ثلاثة متغيرات إستراتيجية لم يعرفها الحكم الإيراني السابق، وهي: تأسيس نظام إسلامي جاءت به ثورة شعبية، موقف النظام الجديد من إسرائيل، لأنه يدعو إلى عدم الاعتراف بوجودها، وثالثا، موقف النظام من الولاياتالمتحدةالأمريكية والقطيعة معها، والتحريض المباشر ضد سياستها، وفي هذا الصدد، يعتقد المؤلف باستمرار التدهور والتوتر في العلاقات الأمريكيةالإيرانية، لأن الإدارة الأمريكية صنفت إيران في "محور الشر"، وتتهمها بدعم الإرهاب والتدخل في شؤون العراق، كما تم التأكيد على ذلك في إحدى الزيارات الرسمية للرئيس الأمريكي لدول الخليج العربي. كما يُحلّل المؤلف الأسباب التي كانت وراء صعود الحركة الإصلاحية في إيران، وأسباب هبوطها، وحركة الإنهاك والارتباك التي أصابتها. ثم عودة المحافظين والخلفيات السياسية والاقتصادية والإيديولوجية التي أدت إلى عودتهم، وساهمت في وصول التيار المتشدد أو "المحافظ" برأي الكاتب إلى تسلّم دفة الحكم في الجمهورية الإسلامية في إيران، مجددا التأكيد في أكثر مناسبة على أن مشروع الإصلاحيين وصل هو الآخر بدوره إلى طريق صعب، إن لم نقل إنه مسدود على مستوى تغيير القوانين، أو تغيير الدستور. كما أن رهانهم على العلاقة مع الولاياتالمتحدة كسبيل ممكن سواء للتغيير الداخلي، أو لحل الأزمات الاقتصادية والسياسية وفتح الأبواب لإيران، ارتد سلبا عليهم بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن، وبعد إدخال إيران في "محور الشر"، وبعد إسقاط النظام العراقي، وبعد الدعم الأمريكي المباشر لتظاهرات الطلاب الأخيرة. هذا بالإضافة إلى أن "ذراع" النظام ومؤسساته لا تزال قوية ومتماسكة، وهي على استعداد لحمايته والدفاع عنه مثل الحرس الثوري وقوات التعبئة ومجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام والسلطة القضائية والمؤسسات الإعلامية. وبرأي المؤلف، فإن إيران تتعرض، إضافة إلى الضغوط الخارجية، إلى ضغوط داخلية شديدة يعبر عنها الطلاب وأوساط أخرى اجتماعية وثقافية وصحافية، وإلى استمرار وتصاعد الانقسامات الحادة بين التيارين المعروفين، الإصلاحيين والمحافظين، حول العلاقة مع العالم الخارجي وتحديدا مع الولاياتالمتحدة، وحول طبيعة الحريات في النظام الإسلامي، وحول صلاحيات رئيس الجمهورية، وصلاحيات مرشد الثورة، ومعه المؤسسات التي يسيطر عليها المحافظون مثل مجلس صيانة الدستور الذي يراقب ما يصدر عن مجلس الشورى لتحديد مدى شرعيته من الناحية الإسلامية، ويشرف على الانتخابات العامة في البلاد ويحدد مدى صلاحية المرشحين وأهليتهم للانتخابات، وبدهي، أن أزمة 2009 وما تلاها، تزكي الحديث عن التصدع الداخلي شبه البنيوي الذي يعاني منه نظام طهران. وعن احتمالات تعرض إيران لتغيير خارجي على "النموذج العراقي"، يستبعد المؤلف هذا الخيار لاعتبارين اثنين: أولا، لأن الإدارة الأمريكية منقسمة حول هذا الموضوع، فبينما يدعو البعض فيها إلى استخدام القوة مثل مايكل ليدين وهو أحد منظري اليمين الأمريكي البارزين، يفضل نائب وزير الدفاع الأمريكي بول وولفويتز ما يسميه "كسب معركة السلام في العراق" كمهمة مركزية في الحرب على الإرهاب، ومعلوم أن وولفويتز، كان أحد أبرز المؤثرين في صناعة القرار على عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن؛ وثانيا لأن القوات الأمريكية لا تزال تعاني من المصاعب الميدانية في العراق وتخسر يوميا من جنودها هناك، ومن الصعب عليها أن تبادر إلى حرب جديدة قبل أن تطمئن تماما إلى الوضعين الأمني والسياسي هناك، لأن أي حرب ضد إيران في لأوضاع الراهنة في العراق سوف تدفع إيران إلى التعجيل في تشجيع الشيعة على خيار المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي الذي لا تزال تتحفظ عليه حتى هذه الساعة. وهناك أيضا، تبعات الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بما يفسر حرص المسؤولين في بيت الأبيض على التقدم على المسار الفلسطيني الإسرائيلي وحرصها على التقليل من الخسائر في العراق، وبالتالي عدم دخولها في أي حرب جديدة في المنطقة.