لا شكّ أنّ اللّهجة المغربية أو الدّارجة كما يصطلح عليها في الأوساط المغربية لا تعدو إلاّ أن تكون وليدة تاريخ معيّن , يكاد يكون في حالنا هذا قريبا جدّا بالمقارنة مع,ظهور اللّغة العربية , إذ هي توليف بشكل ما . بشكل عام إن اللغة تدوينا أو كلاما , بقواعد مضبوطة أو عفوية بعيدا او قريبا من التّقعيد لآليات عملها و وظائفها الطبيعية. غير أنه مؤخرا قد طفت على الساحة و بشكل رسمي استعمال الدارجة في المنابر الاعلامية سواء المكتوبة أو السمعية مما أدى إلى ظهور بعض صدامات و خلافات معرفية شديدة بين معظم الفصائل المختصة , فبعض الغلاة الذين يدافعون عن لغة الضاد مثلا و عن غير وعي منهم بما تمثله الدارجة من أوجه تكامل مع اللغة الكلاسيكية , قد ذهبوا إلى حد اعتبار تعميم اللهجة المغربية ودخولها حيز التدوين يعد و بصفة مباشرة منافسة صريحة و قوية ضد اللغة الفصحى و تجاهلا عميقا للغة الأجداد كما لو أنهم قاموا باختصار المغرب و تعدده العرقي و خصوصياته الثقافية المختلفة و معطياته التاريخية , كل هذا اوجزوه فقط في الشق العربي للبلاد و ما يحزننا فعلا و يحز في قلوبنا هو كيفية التعامل مع الموضوع . إذ يخطأ من يظن أن بإقرار تشجيع و تعميم الدارجة في المغرب فيمكن لها أن تبتعد عن وظيفتها الثقافية إلى وظيفة سياسية محضة هدفها زعزعة و كنس الموروث اللغوي العربي بل بالعكس تماما حيث يمكن لها أن تساهم و بشكل فعال في اثراء الخصوبة المعجمية والتواصلية للغة الضاد من خلال المساحات الشاسعة التي تتوفر عليها الدارجة باعتبار ما تعبر عنه فيما هو يومي و كذا الحمولة الواسعة لمجموع العادات و التقاليد و الأمثال الشعبية و الثراث الشفهي و التي قد تعود المواطن المغربي على استعمالها و التواصل بها دون أدنى عائق يذكر , بل و حتى طبقة المثقفين و النخبة و الأدهى من ذلك فإنك تجد دون أدنى شك أولائك المدافعين عن اللغة الكلاسيكية الفصحى يتحدثون بالدارجة في كل يوم اكثر من تحدثهم بالعربية سواء مع عائلاتهم أو في الشارع و لنقل أيضا حتى في أحلامهم وهذا الأمر في اعتقادنا لا ضرر فيه ذلك لما تملكه اللهجة المغربية بصفة عامة على تعدد أنواعها من دينامية في المجتمع و تطور مستمر و ليونة التعبير و ليس بالأمر المبالغ فيه إذا سلمنا أن المغاربة يحلمون بالدارجة وينامون على ايقاعات الدارجة , أغاني , نكت , أحاديث عائلية أو حتى مشاكل شخصية يستيقظون أيضا بالدارجة و يذهبون الى العمل بالدارجة إنه وببساطة شديدة نمط عيش المواطن المغربي بل إن بنية التفكير المغربي كوحدة جمعية لكل انفعالاته النفسية والسلوكية و المجتمعية قد تمرست و باستمرار في أحضان اللهجة المغربية أو الدارجة. لذلك حقا فنحن نستغرب كثيرا حينما تقول جمعية الدفاع عن اللغة العربية في المغرب على لسان ناطقيها أن نشأة ظاهرة الإعلام باللهجة المغربية ليس سوى نزوة عابرة الغرض منها تهميش لغة الضاد و يستطردون بهجمات تحقيرية للدارجة التي لا نشك ثانية واحدة في أنهم يستعملونها بوفرة في رصيدهم اليومي . وهذا وزير الإعلام السابق محمد العربي المساري يقول في إحدى التحقيقات التي قامت بها قناة الجزيرة أن تدوين الخبر بالدارجة هو يدخل في إطار مخطط لإبعاد الناس عن اللغة العربية و هناك من يرى أنه مخطط سام وراءه جهات خارجية من أجل دحر اللغة و الإجهاض على لغة القرآن على وجه الخصوص . هولاء الباحثون و المتخصصون دقوا ناقوس الخطر قبل أن يحدق بهم واهمين بما قدر لهم من المعرفة دون أن يدققوا و يتمعنوا في المشهد العربي الثقافي والمساهمة الفريدة ليس للهجة المغربية فحسب بل لجميع لهجات الدول العربية في إغناء المكتبة العربية و تطوير الأنماط الإبداعية من زجل و حكايات وموسيقى .... إن الذين يحاولون عبثا التقليل من شأن الدارجة المغربية و يحقرونها بشتى الوسائل ويوقعون اللائمة على من يدعو إلى إعلام باللهجة المغربية خيفة تدني المستوى اللغوي للمغاربة كان عليهم أن يتحلوا بالشجاعة ليحملو الدولة مسؤوليتها من جراء تعاقب وزراء تعليم فاشلين و سياسات تعليمية و تربوية فاشلة أيضا . وحتى من سولت له نفسه أن يرى تشجيع تداول الدارجة هو ضربة قاضية للغة العربية و خصوصا للسان القرآن إنما هو بالضبط هرطقة لا غير . حيث و لحسن الحظ فإن اللغة العربية في تاريخها كانت و لا تزال دائما في تطور وحركية يمنعانها من الإندثار بقوة وجودها طبعا . فما نلفيه من منتوج فكري و أدبي في الساحة العربية هو يختلف إلى حد ما عن الشحنات و الأنماط اللغوية المستعملة في القرآن و الكتب الإسلامية القديمة و إن كان عليهم أن يعاتبوا شيء ما أو شخص ما فليتوجهوا بجام غضبهم نحو الإجتياح الفرنكوفوني في جميع المواقع الرسمية و الغير رسمية , فليهاجموا أولائك رجال الأعمال ذوي الشركات الكبرى و رجال الدولة الذين أجهضوا أحلامنا (بالدارجة طبعا )عندما فصلوا لغتنا و لغة الدين عن مواكبة التطورات العلمية و المعرفية , إذ لا تجد أي تخصص علمي في الجامعات و المعاهد العليا يدرس باللغة العربية و إذا حالفك الحظ و أردت إجتياز مباراة لولوج أ ي سلك من أسلاك الوظيفة العمومية و الخاصة فعليك تحرير المواضيع باللغة الفرنسية و الإلمام بها اكثر من لغتك الأم اللغة العربية . أعيان الامبريالية الفرنكوفونية من رجال دولة ذهب بهم الأمر إلى فصل اللغة العربية حتى على المواطن العادي إذ أن الفرنسية هي لغة الإدارة العمومية و القطاع الخاص و الأبناك في هذه الأيام. وأخيرا نقول للمبالغين في موقفهم ضد تدوين الخبر بالدارجة لقد أخطأتم التقدير فمغالاتكم في هذه المسألة و مخاوفكم المبالغ فيها ليس إلا مجرد هذيان عاطفي لا غير . نتفهمه قليلا , نابع عن تحقير و عدم فهم عميق لدور الدارجة في الجسم المغربي , و لنأخذ بالمثل القائل أنا و أخي على ابن عمي وأنا و اخي وابن عمي على الغريب. [email protected]