أول مرة تحدثت فيها عن شؤون الأمازيغية والأمازيغ كان في برنامج "ملفات مغاربية" الذي يقدمه الإعلامي الجزائري يحيى أبوزكريا على قناة العالم الفضائية، ولضغوطات وكواليس كثيرة للأسف الشديد أوقف ذلك البرنامج الرائع والمتميز. حدث ذلك في 02 مارس 2008 وقد شاركت بين أحمدين في النقاش، الأول هو الدكتور أحمد بن نعمان من الجزائر. أما الثاني فهو المغربي أحمد الدغرني زعيم ما يسمى الحزب الأمازيغي. لقد تحدث الدكتور بن نعمان على أن الأمازيغ قد إنصهروا في الإسلام وذابوا ما بين العرب، في حين الدغرني جرّم هذا التصور لأنه لا يليق أن تمحى حضارة الأمازيغ لا بالإسلام ولا بالعربية، وظل يفتخر باليهود المغاربة في حين يجرّم العرب المسلمين. كما تناولنا في النقاش الحديث عن محطات كثيرة من شأن هذا الملف المثير للجدل بلا شك. الذي وجب أن يعرفه الكل أنني أمازيغي أبا عن جد، وأنحدر من الشاوية الذين هم من أقحاح الأمازيغ في الشرق الجزائري. هذه الأمازيغية التي تربينا عليها في محيط يقدس الإسلام لأنه دين الله كما يقدس العربية لأنها لغة العبادة والقرآن. لم نكن نقدس غير الرسول (ص) لأنه نبي الله، كما نقدس أصحابه لأنهم رفعوا معه راية الدين وأكرمهم الله بصحبته، كما نوقّر الفاتحين عربا وأمازيغا. أما العرق العربي وفق ما يرسم الآن فلم يخطر في أذهاننا قط ولا نحن نريده. حتى كنا نتساءل ما العيب أن نجد الأفغان محافظين على لغتهم وعرقهم وأصالتهم ولا يعارض ذلك الإسلام أبدا ولم يطلب منهم أحد أن ينصهروا في القومية العربية، والأمر نفسه يتعلق بشعوب كثيرة كالفرس والهنود والزنوج والعجم والأتراك... الخ. في حين يرى البعض أن الحديث عن الأمازيغية كأنه جريمة في حق الله والإسلام والمسلمين. أكيد أن المشكلة تكمن في العرب الذين يرون مطالبة الأمازيغ بالحفاظ على هويتهم معناه التآمر على الوجود العربي والإسلامي في المنطقة المغاربية أو ما أفضل تسميته بالمغرب الكبير، وطبعا ذلك لم يأت من فراغ فقد وجدنا بعض النشطاء الأمازيغ يجعلون من الوجود العربي في أرضهم هو إحتلال بالرغم من أن الذين نسميهم الآن عربا لو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أغلبهم من الأصول الأمازيغية، والوجود العربي حقيقة هو محدود ونسلهم لا يمكن أن يصل إلى ماهو عليه شأن المستعربين الآن. الخلط الذي يحدث بين السياسي والثقافي، بين الديني واللغوي، بين الروحي والمادي، بين الإستخفاف والإستخلاف، هو الذي جعل الأمازيغ يدخلون في متاهات كثيرة، فطامة أن يطلع أحدهم مثل أحمد الدغرني ويطالب بطرد وإبادة العرب من الشمال الإفريقي وهو الذي بلا شك يقابل بقبضة حديدية وخاصة أن الحكام في بلادنا يحسبون على الجانب العروبي بالرغم من أن أصول أغلبهم أمازيغية سواء عن طريق الأم أو الأب أو الإثنين معا، بل تجدهم يوقعون بروتوكولات في إطار الجامعة العربية ويصفقون للشعارات القومجية التي مازادت أوطاننا إلا تخلفا، في حين بينهم من أمه لا تعرف إلا الشاوية أو القبائلية أو الشلحية أو الطارقية... الخ. وأيضا أن يأتي فرحات مهني ويطالب بحكم ذاتي الذي هو دوما محطة نحو الإنفصال بسبب أن القبائل هم الأمازيغ متجاهلا في ذلك الشاوية وبني ميزاب والطوارق... الخ، هو في حد ذاته قصم لظهر قضية عادلة ومنصفة، فعدلها أنه لا يجوز أن نقابل هوية مجتمع بالإنكار ومنصفة أنه من غير المعقول أن يقصى هؤلاء بثقافتهم وتقاليدهم ومكوناتهم من صناعة قرار هوية الدولة. في ظل هذه المتناقضات نجد أخطر مما يمكن تصوره هو إستمرار المؤامرة على الأمازيغية من دعاتها أنفسهم، فنجد في المغرب تجري عملية صهينة للقضية حيث يظهر مثل الدرغني ومن معه ليطالبوا بعودة اليهود المغاربة بغض النظر عن هويتهم ويتبجح بربط علاقة مع الكيان الصهيوني، بل معلومات تفيد أنه يطالب في الخفاء من إسرائيل أن تدعمهم وهو الذي يعني دعم المجتمع الدولي، وطبعا ليس من أجل الحفاظ على الهوية الأمازيغية ولا بترقية حقوق الأمازيغ والريف الذي يعاني بلا شك من التجاهل والإقصاء، بل يطالب بماهو أخطر بكثير والمتمثل في بناء دولة أمازيغية صديقة لإسرائيل وطرد العرب نحو الحجاز أو الشام، بالرغم من أن العرب الذين يطالب بطردهم زاعما تورطهم في الحكم أو الإنتماء للقومية التي يروج لها البعثيون والناصريون، هم مغاربة كذلك إن سلمنا بجدليته حول اليهود، وأيضا هم أول من إغتال اللغة العربية في مهدها، فإعلان الحرب على العربية هو من الخطأ الجسيم الذي يقع فيه هؤلاء، لأن هذه اللغة ضحية ومضطهدة من طرف أصحابها المتعطشون للغات أخرى مستوردة كالفرنسية. ولا يمكن أن نحافظ على الهوية الأمازيغية بإنكار الإسلام أيضا، بالرغم من أن طارق بن زياد الذي فتح الأندلس هو من أقحاح البربر، والإسلام بحد ذاته ليس حكرا على العرب وإن نزل فيهم، ولا هو ملكهم ولا علامة مسجلة تحفظ لهم كميراث لا يختلف عن العقارات والأملاك الأخرى، فقد جاء للعالمين، والأمة التي تتقيد به هي الأمة المسلمة ولو كانت من أدغال الأمازون ومن الهنود الحمر. من جهة أخرى وإلى جانب محاولات الدرغني لصهينة القضية الأمازيغية في المغرب، أنه يعمل في الجزائر من أجل تنصير القضية وتحويل الأمازيغ إلى أقلية مضطهدة دينيا بالرغم من أنهم الأغلبية، وهو خطأ كبير وجسيم يقع فيه هؤلاء والسبب طبعا هو تزعم القضية من طرف المطربين والمغنين والراقصين المتخرجين من علب الليل والملاهي، وإقصاء المثقفين والشرفاء من المشهد الأمازيغي لحاجة في نفس يعقوب، وكأن رحم اللبؤة الأمازيغية لم تنجب سوى هؤلاء الذين لا يشرفون حتى أسرهم بفسادهم. إنه لا يوجد من يتآمر على الأمازيغية مثل الأمازيغ أنفسهم، ولا يوجد من يسعى لضرب هذه الحضارة العريقة مثل تسليم القضية لمن لا يعرفون شيئا عن عمق الهوية سوى شعارات حزبية يتاجر بها في صالونات باريس أو منتديات تل أبيب أو كازينوهات لندن. الأمازيغي الحر هو ذلك الذي يرى الإسلام دينه والعربية هي لغة إجتباها الله لتكون لسان القرآن كما اجتبى من قبل العبرية لموسى وكلمه الله بها في جبل طور، ورفع شأن لغة قوم لا يعني مطلقا أنهم ساميين وأخيار ولو تحولوا إلى قطاع طرق ومجرمين وغزاة. فالخيرية تخضع لأصول معروفة تتعلق بالأخلاق والسلوك والعقيدة والإيمان، والدولة التي تكون محل مديح هي العادلة وليست تلك التي نسب سلطانها يمتد لآل بيت الرسول أو آل البيت الأبيض. لقد تاجر العرب بالدين إلى أبعد الحدود وصارت القومجية العربية تعني الإسلام، وهكذا ذاب الإسلام الذي جاء لكل الأجناس والبشر في بوتقة أطروحات البعثيين البائدة والناصرية الفاسدة. وفي ظل هذه العقلية البدوية وجد نشطاء الأمازيغ أنفسهم مكبلين في دائرة هذا الغلط، ولكي يردون الإعتبار لأنفسهم فيجب أن يحاربوا الدين والرسول العربي وأن يتحالفوا مع كل الأديان الأخرى، وطبعا هذا يخالف ما عليه شأن الأمازيغ في الواقع فهم مسلمون يحبون هويتهم ودينهم ولا يرون العرب إلا إخوانهم في الدين، وفي المقابل نجد العرب أيضا يرون الأمازيغ من المسلمين الذين يعتزون بهم. وحتى لا نفهم بالعنصرية وتطالنا الإتهامات فإننا نرى الأمازيغ الأفذاذ يحترمون جيرانهم العرب والعكس صحيح مادام كل واحد يحترم إنسانية الآخر وخياراته الدينية والثقافية واللغوية، ولا نعامل الناس على أساس دينهم بل على أساس ما يعاملوننا به، فإن أحسنوا لنا أحسنا لهم وإن أساءوا فنحن ندرك طريقة الرد حتى لو كانوا من أهل دارنا وعلى ملتنا نفسها. بعقلية إلغاء الآخر لا يمكن الحفاظ على الهوية، فقد رأيت القبائل يرون أنفسهم هم الأمازيغ فقط، ولا يذكرون الشاوية والشلح والطوارق والميزابيين إلا عند المجاملات الإعلامية والحزبية فقط، فهل يعقل الحفاظ على هوية الأمازيغ في ظل هذا الإقصاء المتعمد؟ وأمر آخر أن أغلب الأمازيغ من المسلمين فهل يعقل أيضا أن تحارب دينهم على أساس أنه قدم مع الإحتلال العربي للشمال الإفريقي كما يزعم هؤلاء؟ !! من يريد أن يحافظ على الأمازيغ والأمازيغية يجب عليه أولا أن يفهم نفسية هؤلاء، لا أن يبني أساطيره على نفسيته هو في إطار السباحة ضد التيار، وبعدها يزعم أنه يقود أقلية عرقية أو دينية لأجل إستنفار القانون الدولي ونيل صكوك البطولة في صالونات الغرب. الأمازيغية عندي هي أصل أجدادي وهويتي، ولا تعني العرق فقط الذي يختزل بين حروفه العصبية والعنصرية المقيتة التي نرفضها، فالأمازيغ إنتصروا للإسلام وحملوا رايته ولا يعقل أبدا أن أتهم الفتوحات الإسلامية بأنها إستعمار وإحتلال مما يعني أن الأمازيغ الذين رفعوا راية الدين هم حركى وعملاء للإحتلال، وأكثر أن إستعمار الأمس واليوم وعلى رأسهم فرنسا وإسرائيل هم من أصدقائنا بالرغم من أن جرائمهم طالت آبائنا وأجدادنا ولا زلنا نسمع من أمهاتنا الأمازيغيات ما يندى له الجبين. فقد إغتصبوا الحرائر وخطفوا الأمهات وقتلوا الآباء وذبحوا الأطفال وإنتهكوا حرمات البيوت والأعراض وفي مناطق أمازيغية حرة، لو تأملنا التوزيع الجغرافي للثورة الجزائرية لوجدناها تركزت في الأوراس والقبائل لأنهم وجدوا مقاومة شرسة من أمازيغها الأبطال والأحرار، والأمر نفسه بالنسبة للريف والزعيم التاريخي الخطابي لا يخفى على أحد. في حين أن العرب الذين فتحوا إفريقيا لم ينتهكوا عرض أحد وبشهادات مؤرخين عدول وأجانب أيضا وحتى من الأمازيغ أنفسهم. فهل من الفحولة أن أصافح من قتل أبي بالأمس القريب وإنتهك عرض أمي وعمتي وخالتي وأذهب لأنبش في عمق التاريخ علني أجد ما أدين به العرب والمسلمين؟ !! الموضوع شائك ومعقد وفيه شجون كثيرة ومختلفة، يحتاج إلى محطات كثيرة، ولكن الذي وجب أن أنبه عليه كل الأحرار الأمازيغ أن لا يسقطوا في حبائل هؤلاء المتآمرين على هويتنا ويزعمون أنهم من بني جلدتنا، وعدونا واضح ومعروف وأخطر مما يمكن تخيله، ولا يعقل أن أضعه جانبا لأتبع خزعبلات الدغرني وشطحات مهنّي وممن على شاكلتهم الذين يعيشون في أحضان الغرب قلبا ودينا وروحا ولسانا ولا يتجرأ أحد منهم على التحدث بالأمازيغية عبر وسائل الإعلام لأنه يخاطب غير الأمازيغ وهدفه ليس من هدفهم. أجدادنا فتحوا الأندلس ولا يعقل أن نسميهم مستعمرين هناك وحركى في المغرب الكبير، ونأتي نحن اليوم ونقبل بمن يرتمي في أحضان صهيونية تعادي البشرية وغرب لا يهمه الأمازيغ ولا العرب ولا الفرس وكل ما يهمه هو مصالحه التي هي على أرضنا، لذلك يعمل بكل ما في وسعه لتغذية الطائفية الدينية عن طريق تنشيط الأفكار الهدامة والعرقية بواسطة بثّ النعرات الحاقدة مثل دس نشطاء الأمازيغوية الذين لا يفقهون من حضارتنا إلا "أزول فلاون". نحن الأمازيغ لسنا أقلية لا دينيا ولا عرقيا، فنحن الأغلبية لأننا السكان الأصليون في الشمال الإفريقي ولا نزال كذلك ولن نقبل من أن يتجرأ علينا أي أحد مهما علت سطوته وسلطته ليحولنا إلى أقلية بغض النظر عن لونها ونوعها، فأغلبنا يدينون بالإسلام، فإن وجدت الأقلية الدينية بيننا فنحن من نضطهدهم أيضا وليس العرب فقط. ولن نقبل أبدا أن يتزعمنا من يدين نفسه في بداية طريق نضاله لاسترجاع حقوقه الضائعة على غرار ما يجري للعرب أيضا سواء من طرف طغمة الأنظمة أو مستعمر الأمس بالعملاء والدخلاء. المعركة ليست بين الأمازيغية والإسلام ولا مع اللغة العربية كما يزعم هؤلاء أو يريد إيهام الكثيرين مكرا وخداعا، المعركة الحقيقية بين ضحايا أبرياء وظالمين مستبدين ودعاة استلاب حضاري وفق ما يخدم الإمبريالية والغزاة. المعركة ليست محصورة في إطار عرق معين بل في كل طائفة وهوية يوجد صراع حضاري كبير تريد عصابة فيه التآمر على الموروث الأصيل الذي يتحلى به عموم الناس وفق أهواء وأجندات ترسم في الخارج، بل تملى عن طريق الوصاية النابعة من روح الاستعمار والإستدمار الذي يطبع جبهة متصهينة تريد إيثار الباطل على الحق فمرة على حساب مسلمين وأخرى ضد مسيحيين وربما قريبا ضد اليهود أنفسهم... وهكذا. وفي الأخير أقول: أنا أمازيغي وأفتخر بذلك، وهذه أمازيغيتي التي أعتز بها، فمن شاء فهو أخي ومن رفض فهو حر في خياراته، ولكن من يتجرأ عليّ وعلى هويتي التي إخترتها فجلدي من لحم أجدادي... مرّ ومسموم. المقال القادم: عن المطالبة بالإعتذار ونشاطات تجريم الإستعمار (22/03/2010) المحرر: لن يتم نشر أي تعليق يتطرق لشخص أنور مالك عوض مناقشة أفكاره بخصوص الموضوع أعلاه