يبسط الحسين بيزكارن، مخرج أول شريط ناطق بالأمازيغية (تامغارت وّورغ) أي امرأة من ذهب، في هذا الحوار رأيه في تعامل القناتين الوطنيتين مع الإنتاجات الناطقة بالأمازيغية، ويتحدث عن عمل تلفزيوني من ثلاثين حلقة بالأمازيغية عنوانه تاوادا وّوسان (مسيرة الأيام)، حيث يقول إنه أمضى في كتابة السيناريو وإعداد الأوراق التقنية الخاصة بهذا العمل سبع سنوات وهو بصدد التفاوض مع جهة لم يكشف عنها من أجل أن تتبناه إحدى القناتين وتنتج منه مسلسلا تلفزيونيا يتمنى أن يعرض في رمضان المقبل. بعد الخطاب الملكي التاريخي بأجدير، وبعد إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ماهي الحصيلة في نظركم كمبدع في مجال السمعي البصري بالأمازيغية؟ إن أي تراث هو ملك للإنسانية، وليس فقط ملكا لأصحابه. ومن هذا المنطلق، وبصدق، أقول إن الاهتمام بالأمازيغية لغة وحضارة هو من واجب كل المواطنين المغاربة. فمنذ عهد إدريس الأول ليس في وطننا من له الحق في القول إنه عربي قح أو أمازيغي قح. فمنذ خطاب جلالة الملك بأجدير، الذي يمتلك حدسا وبعد نظر نادرين، بدأنا نلحظ بعض بوادر النية في محو آلام الماضي، لكن ما تحقق حتى بعد إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمجهود المضني الذي يقوم به الجمعويون والفنانون عربا وأمازيغ رغم كل ذلك المجهود والنضال، فإن فئة ما تزال تفرض الحصار عمدا وعنادا على التراث الأمازيغي في كثير من المجالات المشروعة، وأخص بالذكر هنا الإعلام السمعي البصري، إن على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة. بعضهم يقول إن الأعمال الفنية بالأمازيغية لا تمتلك صفات الاحترافية، ولكن لا أظنهم شاهدوا بعضها ولو مرة واحدة. برزت في الآونة الأخيرة برامج تلفزية في القناتين تحاول تدارك عثرات الماضي. ما رأيكم في تلك المحاولات؟ بالنسبة للبرامج التي تبث بالأمازيغية في القناتين أقول إنها من حيث الكم لم ترق بعد إلى تجاوز أخطاء الماضي، ومن حيث الكيف، أذكر هنا برنامج تيفاوين، الذي أحرص على مشاهدته بالقناة الأولى، وأعترف بصدق وأنا أشاهده أنه المتنفس الوحيد للأمازيغية على الشاشة لحد الآن. إنه يشعرني أن بصيصا من ملامح الإشراق بدأت تلوح في الأفق. بل كتبت رسالة شكر إلى السيد فيصل العرايشي، الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، حرصت أنا ورفاقي في جمعية تيفاوين على تذييلها بعشرات التوقيعيات تعبيرا عن غبطتنا بهذا البرنامج، الذي تحاول السيدة خديجة رشوق المشرفة عليه، والسيد إدريس الحيان مخرجه، أن يكون في مستوى تطلعات الملايين المحرومة من تراثها على الشاشة الصغيرة. فالبرنامج يحاول بإخلاص وأمانة أن يشمل ما أمكن كل تنوعات اللسان والتراث الأمازيغي من الريف والأطلس إلى سوس. في الحقيقة وبإخلاص أقول إن البرنامج أبان عن موهبة وهمة عالية في البحث عن مستجدات الساحة الفنية الأمازيغية. وكما يقال: أول الغيث قطرة. وهنا أكرر القول أن برنامجا واحدا وإن كان بالصفة التي ذكرت لا يكفي لتجاوز أخطاء الماضي والحاضر. لماذا هذا التأخير المشين في إعطاء الأمازيغية ما تستحق في حصص الشاشتين الوطنيتين؟ هل لايزال منا من يصر على التنكر لمغربيته وأصوله الأمازيغية العربية؟ لقد أريقت دماؤنا معا عربا وأمازيغ في وادي المخازن وأنوال وغيرها من معارك التحرير، فقط لنكون أحرارا في وطننا الشامخ الحر على مر الأجيال. منذ أواسط التسعينات تحدثت أغلب الصحف الوطنية وبإسهاب عن شريط تامغارت وّورغ (امرأة من ذهب)، وكان إخراجكم لهذا الشريط حدثا هاما وتاريخيا، ليس فقط لأنه أول شريط يعلن ولادة السينما الأمازيغية بمعنى (التيلي فيلم)، بل أيضا لأنه كان متفوقا وشيقا، سواء من حيث الإخراج وحبكة القصة، وأيضا حتى من جانبه التربوي والتثقيفي. سؤالي والشريط بهذه الأهمية: هل طلبت منكم إحدى القناتين الوطنيتين حق عرضه ولو على الأقل احتفاء بذلك الحدث التاريخي الذي يمثله؟ من يهمه ذلك الحدث التاريخي؟ هل تظن أننا في بلد من بلدان الغرب المتقدمة التي تقيم الذكرى تلو الذكرى لولادة ظاهرة فنية أو ثقافية بكل شاشاتها العريضة والصغيرة؟ تزامن توزيع شريط تامغارت وّورغ مع توزيع الجزء الأول لشريط البحث عن زوج امرأتي. لعلك تذكر ما حدث في القناتين من تهليل وترحاب واستجوابات دون أن تكون هناك أية إشارة ولو صغيرة إلى المولود الأمازيغي الجديد على الشاشتين الوطنيتين معا رغم أن جل الصحف الوطنية هللت لذلك الحدث التاريخي. أيضا بقرى الريف والأطلس كان الأهالي يجتمعون صغارا وكبارا بمنزل من يملك آلة الفيديو يشاهدون بحماس مجتمعين شريط: تامغارت وّورغ. والفيديو كما تعلم هو القناة الوحيدة التي يبث فيها المحرومون أفراحهم باللغة التي يفهمونها وبحرية. ما حدث في القرى حدث أيضا بالجامعات والمدارس والمقاهي. والآن، هل الذين يحتفون في القرى ينتمون إلى عالم، والمحتفون في القناتين ينتمون إلى عالم آخر؟ هل التلفزة في ملك هذا وحرام على ذاك؟ لا أنكر أنه في الإذاعة الوطنية بقسم تامازيغت تم الاحتفاء بي كمبدع أول شريط ناطق بالأمازيغية، وأيضا في جل الجرائد الوطنية. أخيرا، من ذا الذي سيدرك معنى ذلك الحدث؟، ومن سيحتفل به إن لم يكن الجمعيات والمثقفون الذين لهم الغيرة الوطنية على التراث الأمازيغي العربي قبل غيره. بالمناسبة أيضا لن أنسى ما عشته سنة 4991 حين احتفى بي ومن معي مئات من طلبة الجامعة بأكادير. كان الحفل أحد أيام رمضان، وكان المدرج غاصا بالطلبة والطالبات، حتى النوافذ كانت مملوءة، وكان الترحاب بالتصفيقات والشعارات التي لم تنقطع أكثر من عشر دقائق. لقد كان بحق مشهدا فريدا في حياتي، فحين دخلت المدرج أنا وزميلاي أحمد عوينتي وأحمد النصيح. لم أصدق أن المولود الشرعي من رحم العدم سيثير كل تلك الفرحة العارمة، ولحظتها تملكني الندم لأنني لم أقدم على خوض التجربة منذ سنوات خلت من أجل هذا الشباب المخلص المتعطش للغته وحضارته، وأيضا للمساهمة في رفع ما لحق هذا التراث سهوا أو عمدا من نكران وجحود. تلت ذلك الاحتفاء الرائع مهرجانات تكريمية للمولود الجديد تقارب العشرين، حضرها العشرات من الجمعويين والمتعطشين، تقام في مقر الجمعيات والمدارس والجامعات. كانت كلها تهليلا وترحابا وإعجابا وفرحة عارمة بالمولود الجديد الذي وقع ميلاد السينما الأمازيغية على مستوى (التيلي فيلم). أنا لا أبالغ، فقط أحكي ما رأيت وما عاشه الجمهور العريض منتصف التسعينيات. قد يقول البعض إن كل ذلك فقط كان هيجانا عاطفيا، فليكن، ولكن أليس لزاما على من يقول بهذا، ومن باب الموضوعية، أن لا يصدر الحكم حتى يرى ويشاهد المولود الجديد. وما قول ذاك في شريط (سات تاضنكيوين إيموران) ؟ المفاجأة أن الاحتياطي تحول إلى عميد للفريق وحصد جائزة مهرجان القاهرة، عند من؟ عند من أغلبهم لا يعرفون الأمازيغية، بل كثيرون منهم يجهلون حتى وجودها بسبب ما عانته من نكران وتهميش... أخيرا أقول باسم كل الشرفاء الأحرار وللجميع: كفى تخلفا وحجودا، وأؤكد هنا لمن ينظر إلى هذا الثرات الإنساني نظرة عجرفة وتعال إنه سيعاقب حضاريا. أليس في تصريحكم السابق ما يدل على التلميح للقناتين الوطنيتين بالتقصير في حق الأمازيغية؟ بل التصريح لا التلميح، أنا لا أتهم القناتين فقط، بل كل المقصرين في حق تراثنا الخالد، خاصة من المثقفين الواعين بأهمية التراث الإنساني أيا كان. فهؤلاء لا يملكون أي عذر يشفع لهم. هل قدمتم مشروعا إبداعيا لإحدى القناتين فرفضته لسبب ما؟ لقد حدثتك عن العروض النادرة لإبداعات المواطنين بالأمازيغية في كلا القناتين معا باستثناء برنامج (تيفاوين) وبعض الأشرطة الوثائقية النادرة عبر القناتين والقنوات الفضائية الجديدة. أما بالنسبة للمشروع فأقول إنني في السابق لم أقدم رسميا أي إبداع لإحدى القناتين، لأنني أعرف مسبقا النتيجة والنهاية المحبطة لأية محاولة. وأصرح هنا أنني كتبت أطول سيناريو في حياتي. لقد شرعت في كتابته منذ أكثر من سبع سنوات، غير أنني أمام اليأس الذي تملكني وقد انسدت أمامي كل الأبواب قبل خطاب أجدير، فضلت الانتظار فتركته مرغما ليختمر على رف مكتبتي إلى أن يشرق بصيص من النور، وها هو قد أشرق اليوم. أنا الآن في حوار حول مسلسل (تاوادا وّوسان) مع إحدى الجهات، وكلي أمل في أن نقبر نهائيا تلك الحساسيات التي تسيء إلى سمعتنا كشعب قرر المصالحة مع ذاته وخطا خطوات رائدة في مجال الديموقراطية والحداثة وحقوق الإنسان، وما رأيناه وعشناه في عهد ملكنا الشاب الرائد من إنجازات في مجالات حقوق وكرامة الإنسان لهو أكبر دليل على أننا الآن سائرون في طريق الريادة على المستويين العربي والإفريقي. هل تتفضلون بتنوير القراء وإعطائهم مختصرا عن المشروع؟ المشروع عبارة عن مسلسل ناطق بالأمازيغية، وهو الآن في ما يقارب ثلاثين حلقة. ومنذ أن لقيت الترحاب بالفكرة من زملائي في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والاستجواب الأول في القناة الثانية مع معدة برنامج (صورة)، الصحفية سناء الزعيم، ثم أخيرا الاستجواب الثاني بالقناة الأولى مع المشرفة على برنامج تيفاوين، الصحفية خديجة رشوق. طبعا بعد كل هذه العناية والاهتمام الفعلي، نفضت عني غبار اليأس وشمرت على ساعدي أكتب أحيانا حتى أسمع أول زقزقات العصافير بعد الفجر. بالمناسبة أوكد أنني الآن بدأت أحس بأنني أحيى بعدما عانيت كثيرا من اللاءات البغيضة المقيتة، وأضيف أنه بعد هذا الانفتاح الإعلامي النسبي تجدد الأمل في نفسي وتزايدت شهيتي للإبداع. لقد اقتنعت أخيرا بأنني لن أترك أوراقي على الرفوف كما كنت أفعل منذ أكثر من عشر سنوات. إنني الآن أكثر تفاؤلا، وكلي أمل في أن تتبنى إحدى القناتين هذا العمل، لأنه سيخلق فرجة من نوع آخر لها جدة وطراوة، خاصة إذا تم عرضه خلال شهر رمضان المقبل. أؤكد هنا وبالمناسبة أن الملايين من ساكنة هذا الوطن ومن جالياتنا بالخارج وأبنائهم يتشوقون، بل ويتحمسون للمناسبة، وأيضا المغاربة الناطقون بالعربية الغيورون على حضارتنا العربية الأمازيغية. بالمناسبة أعترف هنا ولأول مرة أنني حين كتبت شريطي الأول تامغارت وّورغ وأخرجته كنت خائفا أن تكون ردة فعل الجمهور سلبية، لكن ما حدث كان رائعا وفوق ما كنت أتصور وأتخيل. أضيف أيضا أنني لم أقرر أن قصة هذا المسلسل قد اكتملت إلا بعد أن أعدت كتابتها سبع مرات. أخيرا وفي صباح يوم 11 يوليوز الماضي،أصبح لدي ملف كامل في أكثر من 007 صفحة، بما فيه الحوارات والمشاهد واللقطات بأوراقها التقنية التي سأنفذ بها الإخراج، وسأعتمد الممثلين المشهورين وطنيا على مستوى الشاشة الصغيرة والكبيرة، وكذا المواهب الواعدة. كما أنني سأستعين بمخرج له تجربة سابقة في إخراج المسلسلات للتلفزيون، وأفضل أن يكون ملما بالأمازيغية حتى يتكامل عملنا في إخراج هذا المشروع بحلة ترضي ذوق الجمهور المتعطش لمشاهدة معالم من تراثه على الشاشة، بعد أن كاد يطويه النسيان لولا عناية الله وإرادة ملكنا الرائد الذي لن ينسى التاريخ فضله ودوره الحاسم في إنقاذه من السقوط والتلاشي الذي بدأ خصوصا بعد الاستقلال ينخر هيكله الشامخ الصامد على مر العصور. بعد هذا لن أضيف هنا أي شيء آخر حول موضوع المسلسل حتى يتم الاتفاق مع الجهة التي تسلمت مني الملف. عندها ستكون لنا أحاديث أخرى إن شاء الله أثناء الإعداد وعملية الإخراج. أستاذ بيزكارن ألا تخاف أن تتعامل معك التلفزة على أساس أن ضخامة المسلسل ستتطلب فوق طاقتها ماديا؟ إنني متيقن من أن مسلسل تاوادا وّوسان (مسيرة الأيام) لن يبلغ أو يتعدى حدود الميزانية المتفاوتة بين مسلسلي لالا فاطمة وسير حتى تجي. أخيرا وبالمناسبة لا أنسى التأكيد هنا أنني الآن أكثر تفاؤلا بما حدث من تغييرات في إدارة القناتين معا، وفي قانون الإعلام السمعي البصري.